السبت، 21 يوليو 2012

حتمية التيار الشعبي



حتمية التيار الشعبي


بقلم- محمد عبد العزيز

لسنا بصدد صناعة تيار من العدم، فذلك أمر غير معقول في ظروف تعقيدات المشهد السياسي المصري، لكن المطلوب الذي يصل لدرجة الوجوب، هو "تنظيم" تيار شعبي موجود على الأرض بالفعل، هذا التيار الذي لا يجد نفسه في صراع الدولة العميقة مع الجماعة العميقة، ويريد فتح طريقا آخر للفعل السياسي، هذا التيار الشعبي الرئيسي، ليس ثانيا ولا ثالثا، بل هو التيار الأول، لأنه الأغلبية من أبناء الوطن.

لسنا بصدد تقسيم المجتمع على أساس دولة مدنية في مواجهة دولة دينية، فالصراع في المجتمع ليس بهذه السطحية، تفسير هذا التيار للتناقض في المجتمع يجب أن يكون  فقراء في مواجهة استغلال الرأسمالية، استقلال وطني في مواجهة التبعية، ثورة في مواجهة ثورة مضادة.

فتفسير الإخوان للعدالة الاجتماعية تفسير مختل ومبتسر، يتعامل مع المواطن على أساس الإحسان، أي أن مستوصفات الجماعة وتوزيع الزيت والسكر والأرز وباقي السلع الضرورية ليس العدالة الاجتماعية المنشودة، بل العدالة التي نقصدها هي "الحق الأصيل" للمواطن في أن يجد حقوقه، وأن توفر "الدولة" عبر دورها في الاقتصاد القومي هذه الحقوق، عدالة مجانية التعليم، والتأمين الصحي الشامل، والحد الأدنى والأقصى للأجور .. من المفارقات أننا كنا في ظل نظام مبارك منزعجين من "اقتراب" رجال الأعمال من قصر الرئاسة، حيث تحولت طبقة رجال الأعمال المحيطين بعائلة الرئيس إلى دولة في حد ذاتها، تعبر عن مصالحها الاقتصادية والسياسية، بينما يقبع أغلب المصريين تحت خط الفقر، وحين قررت جماعة الإخوان أن تقدم مرشح للرئاسة، لم تقدم مرشحا "قريبا" من رجال الأعمال، بل قدمت رجل أعمال مباشرة!!، هو المهندس خيرت الشاطر، الذي يقوم اليوم بدور أحمد عز في نظام مبارك، ويجتمع مع رجال أعمال النظام السابق، مطمئنا إياهم أن نظام الحكم الإخواني لن يتصادم مع مصالحهم، فلا جديد يقدمه الإخوان في السياسة الاقتصادية تحديدا، فهم جماعية يمينية بامتياز، ولا خلاف جوهري في سياستهم الاقتصادية مع نظام مبارك، أو أي حزب ليبرالي يناصبونه العداء الشكلي، حول مدنية الدولة من عدمه، فالحديث المتزايد إعلاميا عن الصراع "المفتعل" حول مدنية الدولة أم إسلاميتها هدفه الأساسي إخفاء وجه التطابق بين الفريقين، كلاهما يسير على خطى شريعة السوق الحر في الاقتصاد، وكلاهما يسبح بحمد الأمريكان.

إن رؤية الإخوان للاستقلال الوطني، وعدم تبعية القرار الوطني سياسيا واقتصاديا للأمريكان والإسرائيلين، بدا أنها مختلة هي الأخرى، ويمكن لمس ذلك من لقاءات خيرت الشاطر ومحمد مرسي قبل فوزه بجون ماكيين، والتطمينات التي قدموها للأمريكان قبل وبعد الوصول للسلطة، بشأن مسار السياسة الخارجية المصرية، والتي أكدوا أنها لن تنحرف عن المصالح الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة.

إن التيار الشعبي المصري الذي ننشد تنظيمه، يأتي تعبيرا عن احتياج حقيقي لتنظيم جماهير الأغلبية التي ترفض أن تجلس على مقاعد المتفرجين، بينما يدور صراع النظام القديم مع جماعة الإخوان على السلطة، وبمراقبة نتائج الجولة للانتخابات سنجد أن المرشحين الذين وصلا إلى جولة الإعادة، هما صاحبا القدرات التنظيمية الأعلى، فالبلد لا يوجد بها سوى تنظيمان، الأول التنظيم الإداري للدولة، والثاني هو تنظيم الإخوان المسلمين، التنظيم الإداري للدولة وقف بكل أجهزته مع أحمد شفيق، والتنظيم الإداري للإخوان وقف مع محمد مرسي.

كانت المفاجأة المدوية هي الاختراق الرهيب الذي حققه حمدين صباحي في هذه الانتخابات، فحملة حمدين صباحي كانت هي الأفقر على الإطلاق، والأقل في القدرات التنظيمية، إلا أنها استقطبت 5 مليون مصري، الرابط الرئيسي بينهم أنهم يرفضون الاستقطاب الثنائي بين الإخوان والنظام القديم، ويرسمون طريقا آخر للحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني، هؤلاء هم جماهير هذا التيار الشعبي الموجود على الأرض بالفعل، والمطلوب الآن وبكل سرعة، هو إبداع الآلية التنظيمية لهذه الجماهير، حتى لا تضيع الفرصة، ونبقى ندور في حلقة مفرغة من الصراع بين التنظيمين الوحيدين .. الدولة العميقة .. والجماعة العميقة!

*منسق شباب حركة كفاية

الجمعة، 6 يوليو 2012

الدولة العميقة .. وتعميق الثورة!



الدولة العميقة .. وتعميق الثورة!

بقلم- محمد عبد العزيز
 
قد يكون مصطلح "الدولة العميقة" الأكثر تداولا في هذه المرحلة، فبعد أن تأكدنا جميعا من وجود "ثورة مضادة" تفتعل العقبات في طريق الثورة، وتقوم بقطع طريق التقدم للأمام من أجل الانقضاض على أي تحول ثوري والعودة للمربع الأول في أسرع وقت، فكان لابد من وجود طرف ما يحرك هذه الثورة المضادة، ويقودها، وينظم خطوط حركتها، وهو ليس طرفا ثالثا كما يريد المجلس العسكري أن يخدعنا، بل هو الطرف الأول نفسه، أي أن المجلس العسكري هو القيادة الفعلية للثورة المضادة، وقد "استلم"  قيادة حركة الدولة العميقة، بدلا من أن "يسلم" السلطة!

هذه الدولة العميقة والتي تعبر عن شبكة مصالح سياسية واقتصادية، منها المدني والعسكري، منها المصري والإقليمي والدولي، متشعبة جدا، تمتلك أدوات مادية ضخمة، وأدوات إعلامية وقوى ناعمة هائلة .. اعتقد البعض أنها وحشا لا يهزم، وحائطا لا يهدم، لكن الحقيقة ببساطة أنها هزمت مرتين في فترة وجيزة، المرة الأولى حينما فشلت هذه الدولة في الحفاظ على رأس النظام مبارك قبل التنحي، فقد كانت خطتها الأولى الحفاظ على مبارك ليكمل الستة أشهر الباقية له، ثم انتقال السلطة لنائبه وكاتم أسرار نظامه عمر سليمان، إلا أنهم وأمام العمق الثوري الهائل فشلوا في تنفيذ الخطة فشلا ذريعا، فاضطروا إلى خلع رأس النظام ومحاولة الحفاظ على النظام نفسه، وجرى ما جرى طوال الفترة "الانتقامية" المسماة انتقالية، وظهر ما أطلق عليه "الطرف الثالث"، وكما قلنا سابقا، هذا الطرف الثالث الذي صوروه على طريقة حكايات "أمنا الغولة" لم يكن إلا هذه الدولة العميقة، المعبرة عن شبكة المصالح الاقتصادية والسياسية المتشعبة لنظام مبارك، وقيادة هذه الدولة بالتأكيد كان المجلس العسكري .. أما المرة الثانية التي هـُزمت فيها الدولة العميقة كانت في فشلها إعادة تركيب رأس نظام من نفس دمه، حين هزم مرشح هذه الدولة والمعبر عن شبكة مصالحها، أحمد شفيق، ولابد أن نعي جيدا أنهم  بالتأكيد وضعوا خطة بديلة، من أجل حماية شبكة المصالح الكبرى تلك.

فوز د.محمد مرسي لم يكن يوصف كإنجاز إلا لأن منافسه شفيق!، ببساطة الإنجاز الحقيقي هو هزيمة شفيق، ليس كشخص شفيق، فهو أتفه من ذلك بكثير، بل لأن هزيمة شفيق تعني أن "عمق" الثورة لا يزال أعمق من قدرات هذه الدولة العميقة!، ويجب أن يعي د. مرسي ذلك، فنجاحه في هذه المرحلة لم يكن بسبب أن أغلب المصريين اختاروا مشروعه، ولكن الاختيار كان على أساس الرفض التام لمشروع شفيق، وهو المشروع المعبر عن شبكة مصالح فاسدة يكرهها المصريون كره التحريم.

حصار هذه الدولة العميقة لا يكون إلا بتعميق الثورة نفسها، يجب نقل الثورة من ثورة ميدان إلى ثورة مجتمع، واستمرار الزخم الثوري الجماهيري هو الضامن لعرقلة خطة الالتفاف التي تنفذها شبكة مصالح نظام مبارك لتفريغ تسليم السلطة من مضمونه، كان مشهد رئيس الجمهورية وهو يقسم في ميدان التحرير، ويحي شهداء الثورة، مؤكدا أن ميدان التحرير هو مركز شرعية الحكم الجديد، مشهدا جليلا بحق، قد رد اعتبار هذا الميدان الذي حاولت الدولة العميقة طوال المرحلة الانتقالية – أو الانتقامية – تشويهه بكل الوسائل، حتى أطلق على الثوار "العيال بتوع التحرير"، وأصبح هؤلاء "العيال بتوع التحرير" مصدر إزعاج كما صورته الدولة العميقة للمواطن العادي، وشارك في ذلك الإخوان المسلميين أنفسهم عند تحالفهم مع المجلس العسكري، ويمكن مراجعة بيان "الوقيعة بين الشعب والجيش" قبل جمعة 27 مايو التي رفض الإخوان المشاركة فيها، لكن عودة الإخوان القصيرة نسبيا إلى الزخم الثوري بكل تأكيد ساهمت في إعادة تعميق الزخم الثوري مرة أخرى، ثم كانت الخطيئة حين اعترف الرئيس محمد مرسي بالإعلان المكمل وأقسم في المحكمة الدستورية العليا، ثم كلماته في الهايكستب عن تكريم المجلس العسكري، وعاد الإخوان سريعا للارتماء في أحضان المجلس العسكري، فقبل إسقاط الإعلان المكمل الذي نعتبره انقلابا عسكريا، قامت جماعة الإخوان بفض اعتصام ميدان التحرير، والعودة سريعا للمفاوضات المغلقة مع شبكة مصالح نظام مبارك، تفاوض على المستوى الاقتصادي يقوده خيرت الشاطر لتطمين رجال أعمال النظام السابق، ورجال الأعمال عموما بالحفاظ على نفس المصالح دون تغيير، وتفاوضات أخرى مع جهات دولية وإقليمية لتطمينهم أن السياسة الخارجية المصرية لن تتصادم مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية، ثم تفاوضات مع جنرالات مبارك ووعود بالخروج الآمن.

قد يعتقد الإخوان والرئيس محمد مرسي أنهم في مصدر قوة لمجرد أن لديهم الرئاسة، وهذا وهم بكل تأكيد، سبق وكان لديهم أكثرية برلمانية، وحين جاء موعد الصدام، قلبت الدولة العميقة الطاولة على رؤوسهم، يجب أن يعلموا أن هزيمة شبكة المصالح تلك لا تكون إلا باستمرار الزخم الثوري، وتعميق الثورة نفسها، ولتكن معركة الإعلان المكمل الغير شرعي أول معركة جماهيرية لتعميق الفكرة الثورية، أما إذا عاد الإخوان لطريقة المفاوضات مع المجلس العسكري من تحت الطاولة، فإنهم سيخسرون كل شئ، فشبكة المصالح لن تقبل بأي تنازلات إلا شكلية، قوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله.
-----------------------------------------
* منسق شباب حركة كفاية