صراع النفوذ والفلوس على حكم مصر!
أشعر بألم شديد حينما أرى (دولة) في حجم ومكانة مصر – الشهيرة بأم الدنيا – يحيط ذلك الغموض القاتل بمستقبل الحكم فيها. كأن ذلك الأمر سرا من الأسرار العليا، ولا يحق أبدا للعوام – أمثالنا – الاطلاع عليه تقديرا من أهل الحل والربط لخطورته الجسيمة على تفكيرنا الساذج!. ولا يحق لأحد منا – العوام والسذج – أن يسأل ولو بينه وبين نفسه عن ذلك السر الخطير وكأنه المقصود في الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا لا تَسألوا عَـن أشياءَ إِن تُبْدَ لكم تَسُؤْكُم)!
لكن لأن السذج أمثالي لا يلتزمون الصمت حتى الموت، فلا يخلو الأمر من محاولات استكشافية – لساذج من أمثالي – لذلك السر الخطير. وتحليلات من هنا وهناك لاستجلاء الصورة، وإزالة ضباب الشبورة، وما أصعب ذلك في مصر!
قد بدا على السطح خلافا عائليا بين أفراد "العائلة الحاكمة" (للجمهورية)!. وأصل الخلاف بين الأم والأب على مستقبل الإبن .. ومستقبل البلد!. ذلك دون أن يكون لأحد منا يد في تقرير مستقبل وطنه فذلك أمر حصري للعائلة!. أفهم أن تهتم الأم – أي أم – بمستقبل ابنها، فإن كانت العائلة – أي عائلة – ميسورة الحال على الأب مساعدة ابنه بشقة أو فيلا أو حتى عزبة على حسب المقدرة، أما في تلك (العائلة) التي نقصدها فإن الأم تريد الأب أن يساعد الإبن ببلد كاملة!!. فالأم هنا تود التعجيل بإتمام مشروع التوريث، يؤيدها في ذلك الإبن الموعود بالرئاسة، وجماعة البيزنيس المحيطة به، والمتحكمة في الاقتصاد والبورصة، وأصبح لها نفوذ متزايد كل يوم. تلك الشلة من رجال الأعمال المحيطين بالإبن كونوا ثروات متراكمة امتصوها من دماء هذا الشعب وتكونت بهم طبقة أغنى من أمراء البترول في الخليج. فهشام طلعت مصطفى – على سبيل المثال لا الحصر – قد حصل على المتر في أرض مدينتي من الدولة وبالأمر المباشر مقابل 249 جنيه، ثم باعه بمبلغ 6000 جنيه للمتر، بعد أن حصل على 26 ألف فدان بذلك السعر المتدني، وتمكن بسبب ذلك السخاء من الدولة أن يعطي معشوقته ذات الجمال البارع والقوام الفارع سوزان تميم مصروفا شهريا 300 ألف دولار. المهم أن هؤلاء هم رجال السيد جمال مبارك الذين يساندونه في حلم الجلوس على (عرش) مصر .. وعلى رقابنا .. كما جلس أبوه على (العرش) ورقابنا أيضا 30 عاما سابقة!، ولا أعلم إذا كان هذه هي حال رفاق السيد جمال مبارك وهو لا يزال ابن الرئيس فكيف تكون الحال إذا غدا - لا قدر الله طبعا - رئيسا!
بينما يعلم الأب الثمانيني العمر – بحكم السن، والخبرة في الحكم – أن الوضع أعقد من ذلك. فمصر منذ 1952م لم يحكمها أحد إلا وكان من خلفية عسكرية. وهو – الرئيس الأب – مؤيد بالقوات المسلحة بصفته القائد الأعلى لها، ولا تزال تحترم تاريخه العسكري ودوره المهم في حرب أكتوبر 1973م. أما جمال مبارك الهابط ببارشوت البيزنيس فليس له عند الجيش – أو الشعب – أي شرعية أو تاريخ يمكن أن يشفع له!. وبالنسبة للشعب فإن تولي جمال مبارك الحكم يعد أولا انقلابا صريحا على أهم مكتسبات يوليو 1952م، وهو القضاء على الملكية. وثانيا فإن ارتباط اسم جمال مبارك بجماعة البيزنيس المتورطة في فساد بيّن ومص ثروات البلد وتجريف أصولها الإنتاجية، وعمليات الخصخصة الغير مدروسة التي شردت الآلاف من العمال، يجعل منه شخصا مكروها لدرجة خطرة قد تؤدي إلى انفجار غير مأمون العواقب في حال محاولة توريثه الحكم.
ثم خرج الخلاف من بين جنبات البيت الرئاسي "العائلي" ليتحول إلى خلاف داخل مؤسسات الدولة بين فريقين .. فريق النفوذ المتمثل في القائمين على الأمن والحرس القديم، وفريق الفلوس المتمثل في الاقتصاد والبيزنيس والحرس الجديد!. وتعلو أسهم فريق منهم تارة، وتهبط تارة أخرى في مبارة حامية حول مستقبل مصر دون أن يكون للسذج أمثالنا رأي فيها!. ومن حملة (الكردي) المطالبة لجمال مبارك بالترشح للرئاسة نرى يد جماعة البيزنيس واضحة وحاضرة بقوة .. فمن غيرهم طبع كل تلك البوسترات والتي شيرتات؟!. ونكتشف أن جماعة البيزنيس وصلت من النفوذ أن فرضت جمال مبارك على رحلة رسمية إلى واشنطن قام بها الرئيس مبارك الأب من أجل دعم المفاوضات الفلسطينية – "الإسرائيلية"، وجمال مبارك كما نعلم ليس له صفة رسمية فلا هو وزير يمكن أن ينضم للوفد الرسمي، ولا هو حتى موظف دبلوماسي مشارك في تلك المفاوضات .. لكن فجأة يقول لنا المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية السفير سليمان عواد أن جمال مبارك جاء مع أبيه لواشنطن لأنه ابن بار بأبيه!! .. ما هذا الكلام الغريب؟! .. وهل علاء مبارك ابن عاق لأبيه لأنه لم يصاحبه في تلك الزيارة؟! .. وهل يجب أن يكون جمال مبارك مصاحب لأبيه في كل مكان وكأنه في "فسحة"!! .. ثم لماذا كان عاقا ولم يذهب مع الرئيس إلى ليبيا في مؤتمر القمة العربية الأفريقية الأخيرة؟! .. أم أن السبب الحقيقي لزيارته واشنطن هو محاولة جلب تأييد الولايات المتحدة الأمريكية لعملية التوريث؟!. وهنا أدرك الفريق الآخر – المؤيد للتمديد – خطورة تصاعد نفوذ جماعة البيزنيس، فأطلق كلا من صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني ورئيس مجلس الشورى، وأحمد أبو الغيط وزير الخارجية، ثم علي الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الوطني تصريحات متتالية مفادها أن الحزب متمسك بالرئيس مبارك كمرشح الحزب لانتخابات الرئاسة 2011م.
وبين أقدام هذا الفريق أو ذاك .. يُـلعب بمصر وبنا كأننا كرة، ومن يسجل الهدف الذهبي في الوقت الضائع يكسب البلد .. والجمل بما حمل، ونخسر نحن وأبناؤنا وربما أحفادنا أيضا!. وأيا كان الفائز فإنه أصبح من الواجب بل من الضروري والحتمي إسكات كل ذو لسان طويل، فالأمر لا يحتمل أي متاعب، وأصبح الهدف المرحلي – للفريقين معا – العودة سالمين إلى خطوط ما قبل 2005م، أي ما قبل ظهور حركة كفاية التي خرجت بالمعارضة خارج الإطار التقليدي، مطلقة صرختها الأولى "لا للتمديد .. لا للتوريث". واليوم يتآمر الطرفان على الإعلام الحر والهامش المتبقي الذي دفعت الحركة الوطنية ثمنه – وفي القلب والمركز منها كفاية – اعتقالا وترويعا وترهيبا. فكان ما كان .. وقصفت أقلام مجدي أحمد حسين الأسير في سجون هذا النظام، ثم الضغوط الأمنية القوية لإقالة الصحفي المناضل عبدالحليم قنديل من رئاسة تحرير جريدة صوت الأمة، ومنعه من الكتابة في أي جريدة داخل مصر، وإيقاف برنامج الإعلامي الشهير عمرو أديب وإغلاق قناة أوربت التي تبث البرنامج، ثم توقف برنامج الصحفي المتميز إبراهيم عيسى، وبعدها بأيام قصف قلمه الشريف، وتدمير صحيفة الدستور التي بناها بجهده موهبته.
وفي اللحظات الأخيرة من عمر أي نظام استبدادي دائما ما تكون يده باطشة حمقاء .. دائما ما تكون تصرفاته مندفعة إلى العنف والتعتيم .. ويظن المتشائمون أن ذلك البطش الشديد علامة على القوة والصلابة، والحقيقة أن ذلك البطش علامة على قمة الضعف واقتراب النهاية .. تذكروا أن آخر حدث ضخم في عهد الملك فاروق كان احتراق القاهرة!
هناك 6 تعليقات:
بسم الله
سلام الله عليكم
الأستاذ القدير محمد عزيز أولا تحياتى و تقديرى و إحترامى لكم .
أستاذى كما عودتنا دائما فيما تكتب فهو جامع مانع لا يحتاج إلى شرح أو تعقيب لكننا فى هذا المقال أحسست أنا شخصيا و أظنك أيضا بمرارة تعصر القلب و تدمية على حالنا هل أصبحنا إلى هذا الحد كالإماء نورث إلى كل ذى سطوة و نفوذ و حظوة و قوة لكى يطأنا ....
هل أصبحت مصر كلها و المصريون يرضون دور الأمة إلى هذا الحد أصبحنا سلبيين و منعزلين حتى عن أحوالنا و مجتمعنا و بلادنا و ننتظر فى شغف من سيرث الأمة من السيد الجديد و كيف سيعاملنا هذا السيد .....
أعرف أخى الحبيب أننى قاسيا فى ألفاظى لكنى كما قلت يعتصر قلبى حسرة و مرارة فأرجوا أن تسامحنى
شكرا لك
تحياتى و إحترامى
شريف جامع
بسم الله
سلام الله عليكم
الأستاذ القدير محمد عزيز أولا تحياتى و تقديرى و إحترامى لكم .
أستاذى كما عودتنا دائما فيما تكتب فهو جامع مانع لا يحتاج إلى شرح أو تعقيب لكننا فى هذا المقال أحسست أنا شخصيا و أظنك أيضا بمرارة تعصر القلب و تدمية على حالنا هل أصبحنا إلى هذا الحد كالإماء نورث إلى كل ذى سطوة و نفوذ و حظوة و قوة لكى يطأنا ....
هل أصبحت مصر كلها و المصريون يرضون دور الأمة إلى هذا الحد أصبحنا سلبيين و منعزلين حتى عن أحوالنا و مجتمعنا و بلادنا و ننتظر فى شغف من سيرث الأمة من السيد الجديد و كيف سيعاملنا هذا السيد .....
أعرف أخى الحبيب أننى قاسيا فى ألفاظى لكنى كما قلت يعتصر قلبى حسرة و مرارة فأرجوا أن تسامحنى
شكرا لك
تحياتى و إحترامى
شريف جامع
........
أسجل مروري وإعجابي .
اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين
فعلا اقتربت نهايتهم ولكن اتمنى ألا تكون على أنقاض البلاد فما فعلوه بمصر يتطلب إصلاحه خمسون عاما أخرى
المحترم
محمد عبد العزيز
مقال رائع كعادتك
وان كنت اريد ان اضيف وفي اللحظات الأخيرة من عمر أي نظام استبدادي هناك ايضا مؤشرات منها زياده الضرائب واستفحال الفتنه الطائفيه لان عند ضعف النظام يتجه طرفي الامه الي الدين كملجا يستقوي به عند غياب القانون
واخيرا دمت لنا ككاتب ومحلل وطني غيور علي بلدك
أخي شريف جامع
-------------------------
المرارة موجودة دائما .. لكني أستخدمها كشرارة اكثر مما هي مرارة .. تلك الشرارة توقد روحي ويزداد بها لهيب الأمل!
------------------
صديقي العزيز وائل
تحياتي ليك ودائما أشرف بمرورك وتأكد أني على الخط االصواب طالما يعجبك ما اكتب
---------------
صديقي أبو بكر
اللهم آمين .. اللهم استجب
-------------------------
صديقي العزيز أحمد العناني
ملاحظتك في محلها جدا أشكرك بشدة عليها والمدونة تشرفت بمداخلتك أرجوك لا تحرمنا من آراءك أبدا
إرسال تعليق