يوم أسقطنا السلخانة!
هذه قصة يوم من أنبل وأهم أيام الثورة المصرية المجيدة، ثورة 25 يناير التي تحقق – بحمد الله وتوفيقه – كل يوم انتصارا جديدا يضاف إلى سجلها بحروف من نور، ففي يوم الجمعة 4 مارس 2011م، جاء رئيس الوزراء د. عصام شرف إلى ميدان التحرير، وقال مخاطبا الثوار: "استمد شرعيتي منكم .. أنتم أصحاب الشرعية"، فالشعب أراد إسقاط مبارك فسقط، والشعب أراد إسقاط شفيق فسقط، والشعب أراد إسقاط أمن الدولة .. وكلما أراد الشعب دائما يستجيب القدر.
*ملحوظة قبل البدء: السلخانة في قواميس النشطاء السياسيين هي تعريف لمقر أمن الدولة الرئيسي بمدينة نصر، وسمي بالسلخانة لشدة التعذيب والترهيب التي تتم بداخله.
بعد يوم الجمعة 4 مارس شعرت بإرهاق شديد، فقررت أن آخذ يومين راحة تامة، بعيدا عن أي اجتماعات أو تظاهرات لإحساسي بالنصر بعد إسقاط حكومة أحمد شفيق التي عينها الرئيس المخلوع، وبإرادتنا – نحن الثوار – جاءت حكومة د. عصام شرف مؤكدة أن الشرعية للثورة، كنت قررت الراحة يوم السبت 5 مارس 2011م إلا أنني كنت على موعد مع أحد أهم أيام الثورة!
كنت أتناول طعام الغذاء في أحد مطاعم وسط البلد حين جاءني اتصال تليفوني من ضياء الصاوي عضو اللجنة التنسيقية لحركة كفاية على النحو التالي:
ضياء: عرفت اللي حصل في أمن الدولة؟!
محمد: طبعا في اسكندرية ...
ضياء مقاطعا: اسكندرية إيه إنت قديم جدا .. أنا أقصد مدينة نصر .. السلخانة!
محمد: إيه؟! .. الثوار حاصروا السلخانة؟!!
ضياء: حاصروا؟! .. لا يا سيدي .. الثوار اقتحموا السلخانة منذ قليل والمكان تحت سيطرتهم.
محمد : الله أكبر .. الله أكبر .. نتقابل ونتجه إلى هناك.
هممت بالانصراف متجها إلى مقر جهاز أمن الدولة بمدينة نصر، إلا أنه جاءني اتصال آخر من أ. شيرين المنيري نائب مدير تحرير جريدة الأهرام على النحو التالي:
محمد: مساء الخير يا أستاذة .. أكيد إنت في أمن الدولة!
شيرين: فعلا .. واللجنة الشعبية في 6 أكتوبر متواجدة وكله تمام ..
محمد: 6 أكتوبر؟! .. أنا أتحدث عن المقر الرئيسي .. مدينة نصر
شيرين: ماله؟!
محمد: متعرفيش؟! .. المقر وقع تحت سيطرة الثوار .. دخلوه منذ قليل
شيرين: بجد؟! .. الحمد لله! .. أنا بكلمك من أمام مقر أمن الدولة ب 6 أكتوبر .. الثوار حاصروه
ثم مخاطبة الثوار بجانبها، "يا جماعة .. الثوار سيطروا على مقر أمن الدولة الرئيسي بمدينة نصر"
اسمع هتفات .. الله أكبر .. الله أكبر
***
وصلنا إلى مقر السلخانة، وجدنا الآلاف من الجماهير الثائرة تحاصر البوابات الرئيسية، تهتف ضد أمن الدولة، ندخل من باب جانبي، أنظر حولي مذهولا، نحن داخل السلخانة!!، نتجول بحريتنا، يا إلهي .. إحساس لا يوصف، أسمع أحدهم يقول :"هنا غرف التعذيب"، آخر يرد:"لقد صعقوني بالكهرباء هنا"، ثالث يدخل في الحوار، "هل رأيتم الزنازين"، نتجه جميعا إلى الزنازين الرهيبة، تلك الأماكن التي مورس فيها أبشع أنواع انتهاكات الكرامة الإنسانية، وجدناها خالية لكن جدرانها مازالت تختزن صرخات الألم، وأصوات الغاضبين، الزنزانة الانفرادية عبارة عن جدران اسمنتية بها "مصطبة" مصمتة من الأسمنت أيضا للنوم، وحمام بلدي بجانبها مباشرة، مكان النوم لا يفصله عن مكان قضاء الحاجة سوى نصف متر أو أقل!!، أخبرني أحدهم أنه كان في نفس الزنزانةالتي نشاهدها الآن، وأن الصراصير كانت تخرج من مكان قضاء الحاجة عليهم، لكنه استدرك، كان هذا شئ بسيط جدا بالقياس مع التعذيب البشع الذي كنا نلاقيه هنا!، جاء آخر قائلا لقد كانوا يجبرون المعتقلين على الدوران حول صورة الرئيس المخلوع مرددين لبيك اللهم لبيك!!
"لا تعذيب بعد اليوم .. الحرية .. الحرية"، يهتف شخص بدت عليه علامات سعادة غير عادية، ثم تتعالى الهتافات "يا ثوار يا ثوار .. أمن الدولة خلاص انهار"، "الله أكبر .. الله أكبر .. الشعب خلاص أسقط أمن الدولة"
وصلت قوات الجيش إلى المكان، فتعالى هتاف الجماهير "الجيش والشعب إيد واحدة"،وتصفيق حاد لضباط الجيش الذين بدأوا في تنظيم الحراسة حول الأماكن التي بها وثائق، وقام جميع الشباب بتسليم الوثائق التي عثرنا عليها إلى الجيش، وجدنا عربات ترحيلات بها آلاف الوثائق، كانت فيما يبدو في طريقها للتهريب، حاصر الثوار العربات الفارغة من ضباط الداخلية، جاء لواء من الشرطة العسكرية خاطب الشباب باحترام بالغ، وطلب منهم مغادرةالمكان حتى يتمكن الجيش من حماية المقر، توجهت إليه وقلت:" يا سيادة اللواء .. اعتبرنا جنودك، واعطنا أوامر، سنساعدك في حماية المكان بدمائنا، لكننا لن نترك المكان حتى تأتي النيابة العامة بنفسها"، وافق الثوار ورددوا جميعا منتظرين النيابة وشاركوا الجيش في تأمين المكان والوثائق.
خرجنا لنبقى أمام البوبات الرئيسية بعد وصول النيابة لمعاينة المكان، ثم انتبهنا أن كل بوابة عليها علمان، الأول علم مصر، والثاني علم وزارة الداخلية، صعد الثوار إلى سارية العلم الخاص بوزارة الداخلية، وأنزلوا العلم، تعالت الصيحات الله أكبر، يسقط يسقط أمن الدولة، الشعب خلاص أسقط أمن الدولة، مزق الثوار علم الداخلية، وهكذا فعلنا في كل الأعلام على جميع البوابات، حتى أنني احتفظت بقطعة من علم الداخلية الممزق المرفوع سابقا على أكبر جهاز للرعب في مصر!
هذا المقر، السلخانة، الذي كان سابقا يرعب الملايين، يراقبهم أطراف الليل وآناء النهار، أمن الدولة الذي كان يتحكم في كل كبيرة وصغيرة، يعين القيادات في كل مكان، في الإعلام، الوزارات، الجامعات، حتى تلميع فنانين بعينهم لقربهم من النظام البائد، سقط أمن الدولة، كما سقط مبارك، وأي محاولة للالتفاف على مطلب الجماهير بحله، ستكون فاشلة ككل المحاولات السابقة البائسة للاتفاف على أهداف الثورة، هذا الجهاز فاسد بالكامل، خدم أمن النظام، وأهدر أمن الدولة، بل كان فوق الدولة!، وإذا كان لابد من مكافحة الإرهاب،وأنشطة التجسس، فهناك جهاز الأمن القومي التابع للمخابرات العامة يقوم بدوره على أكمل وجه.
الشعب يريد حل جهاز أمن الدولة، وعلمتنا الثورة أنه حينما يريد الشعب، دائما يستجيب القدر!
هناك 7 تعليقات:
رغم ان فى هذا اليوم كنت مع محمد لكى نتناول الغداء معا وكان بقلنا كتير مش بنخرج مع بعض من 25 يناير ومكناش بنشوف بعض الا فى ميدان التحرير وكان من المفروض كنا متفقين على ان اليوم ده بتعنا وبس وكان بعد الغداء هنكمل يومنا سوى ونروح على الكورنيش ونركب مركب كان النيل وحشنا اوي ولكن اول ما ضياء اتصل بمحمد واخبره ما حدث بالنسبه لاسقاط مقر أمن الدولة بمدينة نصر رأيت فرحة ولمعه فى عنيه لم اراها سوي يوم تنحى مبارك وقلى يله بسرعه لازم نمشي امن الدوله سقط تحيا الثورة فرحت طبعا لان انا كمان كان ليه مع هذا الجهاز طار انا مرحتش فيه خالص ولكن طارى معه من خلال محمد بسبب القلق والخوف والرعب الدائم على محمد منهم وخصوصا فى الايام اللى كانوا بيخدوه فيها والحمدلله نحن فى طريقنا للخلاص منه من خلال احلاله وقمنا بالفعل وراح هو وضياء وكان بيكلمنى كل شوية يعبر عن فرحته وبسمع فرحت الناس حوليه وقدرت انه كان لازم يروح ويحس بانتصرهم , حقا تحيا الثورة تحيا مصر
للعلم shedo mohammed خطيبة محمد عبدالعزيز مدون مصري حر
الحمد لله ...
ربنا يوفقنا في باقي الطريق والتخلص من كل أذناب النظام البائد .
الحمد لله الذى تتم بنعمة الصالحات انا كنت ممن شرفهم الله بأقتحام واسقاط هذا المقر الرهيب جوانتاناموا المصرى .... مبروك لنا التحرر من هذا العار وربنا ينصرنا على كل من اردا بمصر سوء
شيماء انا حاسه بيكى جدا كلنا كنا زيك ومع انى ما دخلتش المكان ده قبل يوم اسقاطه انما ليا معاه تار بايت زيك بالظبط
أنا أبكي ، وأنا أقرأ هذا الكلام - فقد جلست في هذه الزنازين تحت الأرض - 7 شهور ، ووصفتها في مذكراتي عام 2008 - مذكرات الإمام المخطوف - وصفاً دقيقاً بكل سنتيمتر فيها ، ونشرتها صحف وفضائيات العالم.
اللهم انتقم من كل من عذب المستضعفين من عبادك.
احنا في بنها اتاخرنا يومين بس برضوا قمنا بمحاصره المقر ودخلنا بس لم يكن هناك الكثير من المستندت تحياتي لك يا عزيز
اقوالك ياسيدى
شكرا على المدونة الرائعه وننتظر المزيد
إرسال تعليق