أزمة الثورة والسلطة!
هل سألت نفسك لماذا لا يشعر المواطن العادي بإنجازات الثورة؟! .. لماذا تسري رويدا رويدا روح انهزامية كانت هي الأصل قبل 25 يناير؟! .. تلك الروح التي صورت قبل 25 يناير أن إمكانية حدوث ثورة في مصر مستحيل رابع كالغول، والعنقاء، والخل الوفي .. هي نفس الروح التي تصور اليوم استكمال أهداف الثورة بأنه درب من دروب الخيال .. وحلم بعيد المنال! ..
من حق المصريين الشعور بالقلق، فكل ما حولهم يقلق، ويبدو لي أن هناك يد خفية، في غرفة قيادة المرحلة الانتقالية، تغذي الإحساس بالقلق، وتغذي الروح الانهزامية، التي جعلت البعض يعتقد أنه لن يمكن للمصريين بناء نظام ديمقراطي عصري كسائر خلق الله، وأن إمكانيات المصري ستكون متوافقة مع احتياجاته، بعد توزيع عادل للثروة القومية، وبأن مصر لن تكون بعد اليوم كنزا استراتيجيا للأعداء، بل كنزا للمصريين و العرب الأشقاء، وأن إسرائيل، ومن يساندها سيعملون لنا ألف حساب، وسارع البعض لإلقاء كل المصائب في وجه الثورة، على الرغم من الحقيقة المعروفة، وهي رأس المشكلة، أن الثورة ليست في السلطة! .. هناك سلطة قائمة تدير البلاد بالنيابة عن الثورة ، وهي المجلس العسكري بالطبع، غير مسموح انتقادها، بينما مسموح –ومطلوب جدا- اعتبار أي حالة انسداد مروري من كوارث الثورة .. الثورة غير مسؤولة عن شئ، والجميع يحملها كل شئ .. فالحل إذا أن تكون الثورة مسؤولة عن إدارة البلاد .. وليحاسبها الجميع وقتها .. المشكلة هي كيف يحدث ذلك؟!
قال المجلس العسكري في بياناته الأولى أنه يحمي الثورة، وضامن لتحقيق أهدافها، وعلى أرض الواقع كانت الأمور تسير كثيرا في عكس اتجاه الثورة، فمنذ 11 فبراير جرت دراما الحوادث على طريقة مليونية فيتحقق هدف، ثم مليونيتين فيتحقق هدف، ثم اعتصام، فيتم اعتبار المعتصمين بلطجية، ثم اعتبار أي مليونية هي تعطيل للانتاج وضد الاستقرار، وتعود لغة الأجندات الأجنبية، وعادت الطوارئ، ومحكمتها سيئة السمعة، وتم مداهمة مكتب الجزيرة، وتم معالجة إضراب المعلمين بزيارة الوزير لمدارس غير مضربة، يصاحبه كاميرات التلفزيون المصري، في رسالة إعلامية موجهة –وليست مهنية إطلاقا- أن المعلمين لم يضربوا، رغم أني توقعت أن يذهب الوزير نفسه إلى المدارس المضربة ليستمع لمطالب المعلمين، ويدرسها بجدية، فهذا دوره، نفي الخبر ليس معناه أنه لم يحدث، بالمناسبة هذا ما كان يفعله وزراء مبارك –الذي منهم وزير التعليم- في التعامل مع الإضرابات قبل الثورة!
إذن نستطيع الآن أن نوصف مشكلة الثورة .. أنها ليست في السلطة .. وأن السلطة القائمة وهي المجلس العسكري، وحكومة شرف ضاقا بالثورة، ولم يعد لديهم نية الالتزام بأهدافها ، بل اعتبراها عبئا، الفرق بين الثوار والمجلس العسكري، أن الثوار يعتبرون الثورة مشروع للنهضة، وأن المجلس يعتبرها أزمة جعلته في مهمة إنهاء الأزمة، حتى تعود الأمور إلى طبيعتها! .. وشتان بين الرؤيتين.. ونعود لنسأل كيف تكون الثورة في السلطة؟! .. حتى يكون لديها الأدوات التنفيذية لتحقيق أهدافها على أرض الواقع؟ .. سيجيب البعض لا حل سوى الانتخابات، وهو حل طبيعي، ولكن –وآه من ولكن- هل إذا أجريت الانتخابات في الظروف القائمة، بالقانون المعروض، وبدون تطهير حقيقي في الداخلية، والقضاء، والإعلام، سيكون البرلمان القادم معبرا عن الثورة؟!
والآن بات الحل قريبا للذهن .. –أولا- تطهير حقيقي للداخلية، فالضابط الكبير أو الصغير الذي شارك في قتل الثوار، ولم يقدم للمحاكمة، ومازال يمارس عمله إلى الآن، لن يرضيه أبدا أن يأتي برلمان يحاسبه، ويفتح الملفات القديمة، -ثانيا- تطهير القضاء، فالقاضي الذي خدم النظام البائد في تزوير الانتخابات، وفي حبس المعارضين، لن يقبل أيضا ببرلمان ثوري، وحكومة ثورية، -ثالثا- قانون للعزل السياسي والإعلامي، لكل من أفسد الحياة السياسية، ومنعهم من الترشح دورتين على الأقل، -رابعا- قانون انتخابات بالقائمة النسبية غير المشروطة، لمنع الانتخاب على أساس العصبيات والمال والبلطجة المصاحب للنظام الفردي.
ببساطة .. نحتاج أن تكون الثورة في السلطة، فعقد الوكالة بين الثورة والمجلس العسكري في أسوأ أحواله .. والثورة وهي في السلطة، قادرة على فرض إرادتها، دون انتظار إرادة الوكيل، الذي تحول مع الوقت إلى عائق في طريق الثورة .. والوصول إلى السلطة يحتاج انتخابات، والانتخابات تحتاج مناخ يسمح بأن تكون حقيقية .. والحل الآن أمام الثوار، افرضوا هذا المناخ بقوة الميدان .. وبشرعية الثورة!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق