خطايا المجلس العسكري!
ينبغي علينا أن ننتبه جيدا، ونصحو من أوهام النصر التي غازلتنا طيلة الشهور الماضية، والحقيقة مهما كانت مؤلمة، فهي أفضل بكل تأكيد من الوهم الخادع، والحقيقة التي بين يدينا ببساطة أن الثورة لم تنتصر بعد، والنظام لم يسقط بعد، فالحكومةّ التي قيل أنها حكومة الثورة، اتضح أنها حكومة الثورة المضادة!، وحين تعدلت وتبدلت، لم يعد أحد يلحظ وجودها، والمجلس العسكري الذي قال أنه يحمي الثورة، هو نفسه يحمي المخلوع في شرم الشيخ!، واختلط الحق بالباطل، والنور بالظلام، والثورة التي ضحى الشهداء بدمائهم لإنجاحها، تمشي في حقل من الألغام، على المنعطف الخطر!
1
يشعر كل مصري لا شك بالقلق، فالثورة – أي ثورة – تعني هدم نظام فاسد، ثم بناء نظام واعد، والنظام – أي نظام – هو أشخاص، ومؤسسات، واختيارات سياسية واقتصادية، وما حدث في مصر بكل تأكيد، ثورة شعبية عظيمة، قامت .حتى الآن. بتغيير أشخاص في النظام السابق، حسني مبارك، وجمال مبارك، وصفوت الشريف، والعادلي، وأنس الفقي، ويوسف بطرس غالي ..إلخ، وتم حل مجلسي الشعب والشورى، ثم بشق الأنفس، تم حل حزب الرئيس المخلوع، ثم بطلوع الروح تم حل محليات الفساد والتزوير، أي ما جرى تم تغيير "بعض" الأشخاص في اللحظة الأولى، ثم بدرجة صعوبة ما تم هدم مؤسسات فاسدة، ثم بصعوبة أكبر تم هدم مؤسسات فاسدة أكثر، الغريب أن لا عملية مما سبق استكملت لنهايتها، فمثلا في تغيير الأشخاص، بقى اللواء سيد مشعل وزيرا للانتاج الحربي، رغم كل الاتهامات الموجهة إليه بالتزوير في انتخابات مجلس الشعب، ولم يخرج إلا في التعديل الثاني لحكومة شرف، والأغرب أن تبقى فايزة أبو النجا وزيرة للتعاون الدولي حتى الآن، وهي من أشخاص النظام السابق، حتى حكومة عصام شرف الأولى، كانت تحتوي على 17 وزير تقريبا من لجنة سياسات جمال مبارك!، أما في المؤسسات، فعلى سبيل المثال فقط، لا يزال اتحاد العمال الحكومي يعمل، رغم دوره المعروف في تأييد المخلوع، والفساد المستشري في كل شبر به، ولم يتم حله وإعادة انتخابه ليمثل العمال تمثيلا حقيقيا، أما في الاختيارات السياسية والاقتصادية، وهي الأهم، لم يتغير شئ إطلاقا!!
2
نحن ندرك الفرق بين الاستراتيجيات بعيدة المدى، وبين خطوط السير للحظة الحالية، والحقيقة أنه لدى إدارة البلاد في اللحظة التاريخية استراتيجية للمستقبل غائبة بالكامل، وخطوط سير مرتبكة في هذه اللحظة!، كثير من الأحاديث تواجه من يطالب بتحقيق أهداف الثورة .وليس مطالبها، فالثورة لا تطلب بل تأمر. يقولون مطالبكم مشروعة، لكن تحتاج إلى وقت، ونحن نقول أصل القصة في التوجه السياسي والاقتصادي، نعي جيدا أن وضع حد أدنى للأجور يحتاج إلى موارد في الموازنة، لكن نعي جيدا أيضا أن وضع حد أقصى للأجور يحتاج إلى قرار، مجرد قرار، ويوفر موارد!، ما زال التوجه الاقتصادي ينحاز إلى رجال الاعمال، كما كان يحدث في السابق، فحين قررت الحكومة فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية، هاج رجال الأعمال، ورضخت الدولة!، ثم قررت إلغاء الزيادة المقررة للمعاشات!، نحن أمام حكومة ثورة تنحاز لأصحاب المليارات، وتدوس على أصحاب الفتات، مثلا في دول أشد غنى منا، وذات توجه رأسمالي بحت، مثل بريطانيا، تفرض الدولة ضرائب على المضاربة في البورصة، لأن المكاسب الخيالية تلك لا تضيف شئ إلى الاقتصاد، فلا فرص عمل، ولا إنتاج حقيقي، بينما النظام في مصر قبل وبعد الثورة، لازال يرعى بعين العطف مجموعة الكبراء، ولا يأبه بالفقراء، وما نتحدث عنه هنا أمور لا تحتاج إلى وقت كما يزعمون، بل تحتاج في الأصل إلى إرادة سياسية، أي قرار بفرض ضرائب تصاعدية على الدخل بعد رقم معين يحدده الاقتصاديون، حد أقصى للأجور، وإصلاح حقيقي لهيكل الأجور، ضرائب على الأرباح الرأسمالية، ضرائب على المضاربة في البورصة، مصادرة أموال الفاسدين، فهم سرقوا ونهبوا أموال الشعب طيلة ثلاثين عاما، كل ما سبق يكفي لإصلاح اقتصادي حقيقي، يشعر به المواطن، فقبل أن تطالبوا المواطن أن يعمل أكثر، وينتج أكثر، أعطوه حقه، وأشعروه أن عمله له عائد مكافئ لمجهوده، لا أن يجني كل الأرباح، مجموعة المليارديرات والمليونيرات فقط!.
3
في التوجه السياسي هناك مخاوف وأسئلة مشروعة، ما هو السبب الحقيقي في عدم القبض على مبارك من شرم الشيخ، وإيداعه سجن مزرعة طرة، أو مستشفى السجن، رغم مرور كل هذا الوقت، لماذا نأتي عند هذه النقطة تحديدا وتتلاشى الشفافية، وتغيب الحقيقة بالمرة، والشك بدأ يسري أكثر أن مبارك ليس في شرم الشيخ من أصله، وإنما تم تهريبه، كما لا يجوز محاكمة مبارك أمام نفس القانون الذي وضعه بنفسه، طبقا لذلك القانون نحن الثوار ارتكبنا "جريمة" قلب نظام الحكم، فالثورة .أي ثورة. تسقط النظام القانوني نفسه، وبالتالي يجب محاكمة مبارك ورجال نظامه أمام محاكم ثورية خاصة، كما ينغبي تطبيق قانون الغدر على بقايا نظام مبارك، الذين يسعون في الأرض فسادا، ويحاولون ليل نهار الإجهاز على الثورة، هؤلاء يجب عزلهم سياسيا وإعلاميا، فكيف أن يكون أحمد الفضالي متورطا في موقعة الجمل، بينما يأتى به د. يحي الجمل ليستعين "بخبراته" في لجنة الوفاق القومي!!، وهلم جرة، وحتى الآن لم يحدث تطهير حقيقي في وزارة الداخلية، فجهاز الأمن كان يمثل جيش احتلال يقتل المصريين بالتعذيب، وبالقمع، وحتى في الشارع كما حدث مع خالد سعيد، ولا يمكن تطهير الجهاز بنفس رجال العهد السابق، ببساطة لأن مصالحهم لا تتماشى أبدا مع الثورة، لذلك يجب أن تجري حركة إصلاح واسعة، وتغيير في العقيدة، وإحالة كل من وصل إلى رتبة لواء للتقاعد، والاستعانة بدفعة كاملة من كليات الحقوق بعد تدريبهم لمدة 6 أشهر، للعمل كضباط شرطة، بفكر جديد، وعقيدة جديدة، أساسها سيادة القانون، وليس سيادة الباشا الضابط!
اقترب المجلس العسكري تارة من الإخوان، وفتح حوارا مع الليبراليين، ومرشحي الرئاسة، لكنه ببساطة لم يقترب من طموحات الشعب المصري، فالشعب المصري ليس طرفا على الإطلاق في معارك الانتخابات أو الدستور، ولا الوثيقة الحاكمة، الشعب المصري يحتاج إلى توجه سياسي واقتصادي يقترب منه، توجه سياسي يشعره بالقصاص، وتوجه اقتصادي ينحاز للفقراء وليس للكبراء!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق