العصيان والهذيان!
ردا على الكرامة والإخوان!
بحثت كثيرا في معاجم اللغة لأجد تعبيرا يصف به كلام المشاركين في المسرحية الهزلية السخيفة المسماة انتخابات مجلس الشعب، فلم أجد سوى كلمة الهذيان!. المعاجم تخبرنا أنه هذى فلانا – هذيا وهذيانا – أي تكلم بكلام غير معقول، والهذيان اضطراب عقلي مؤقت يتميز باختلاط أحوال الوعي!. أي أن الشخص الذي يهذي يقول كلاما غير معقول – مختلط وعيه يعني – فيقول شيئا وعكسه، كما أن هذه الحالة "مؤقتة" والحمد لله فنأمل وندعوا ونبتهل حتى يعود هؤلاء المشاركون إلى رشدهم سالمين!
هناك نوعان من الكلام الغير معقول "الهذيان يعني"، الأول: كالذي يقوله جماعة الإخوان المسلمين عن المشاركة بعد تعالي دعوات المقاطعة من حركة كفاية، والجمعية الوطنية للتغيير، وأحزاب العمل، والغد، والجبهة، والوسط. فمن السهل جدا تفهم دواعي المقاطعة، الانتخابات كلها تحولت إلى مسرحيات هزلية فقدت إثارتها وكوميديتها حتى!. ونتيجتها محسومة مسبقا .. فهي تزويرات وليس انتخابات إطلاقا!، وهو الأمر الذي رأيناه بأم أعيننا لم يخبرنا به أحد. راجعوا ما أطلق عليه انتخابات بعد تعديلات الدستور في 2007م، والتي انهت آخر بصيص من أمل في قصة الانتخابات بعد إلغاء الإشراف القضائي. ستجد فيما أطلق عليه انتخابات الشورى 2007م، ثم المحليات 2008م، ثم الشورى 2010م، بدون حتى تدقيق أن النتيجة هي لم ينجح أحد إلا إذا كان عضوا بالحزب الوطني أو يحمل صك الرضا منه عبر مكاتب الأمن في لاظوغلي حيث مقر جهاز أمن الدولة!. وسط كل ذلك يردد البعض في جماعة الإخوان كلاما غير معقول – هذيانا يعني – أن المقاطعة خدمة للحزب الوطني!!. ولا أفهم كيف يتردد هذا الكلام من أناس أفترض أنهم يشاهدون التليفزيون الرسمي الذي يحث المواطنين على الذهاب إلى تلك المسرحية الهزلية لتبدو اللعبة ديمقراطية بالزيف والتزوير. الأكثر إثارة للسخرية أن علي الدين هلال أمين الإعلام في الحزب الوطني قال عقب قرار مشاركة الإخوان في ما يطلق عليه انتخابات مجلس الشعب، أن مشاركة الإخوان قطعت الطريق على دعاة المقاطعة!!.. أي أن الحزب الوطني فرحان ويسجد لله شكرا بسبب قرار مشاركة الإخوان، ليتمكن من سبك تلك الطبخة الفاسدة، ويظهر أمام العالم بمظهر الديمقراطي الطيب الحنين!!. ومن الكلام الغير معقول – الهذيان يعني – أن يقول الإخوان أن المقاطعة يجب أن تكون شاملة كاملة!!. وهذا أمر غاية في السخف، فالحق يكون ثم يتبعه من يكون، ولا يعقل أن نتخذ مواقفنا بناءا على من معنا ومن ضدنا وليس ما نعتقد أنه صحيح. وكل الأفكار العظيمة التي غيرت البشرية بدأت بقلة ثم أقنعت تلك القلة الكثرة. المهم أن يبدأ الثوريون بخطواتهم المناهضة للفساد والاستبداد. فالأنبياء حين بدأوا دعواتهم لو نظروا إلى من معهم ومن ضدهم لما أنجزوا شيئا!. ولكنهم كانوا يعلموا أنهم يدعون إلى الحق بغض النظر من معهم ومن ضدهم، واستمروا رغم أنهم قلة مستضعفة في طريقهم. العجيب أن تردد جماعة الإخوان المسلمين هذا الكلام!. ثم ما هي المقاطعة الشاملة التي يتحدثون عنها؟!. هل يساوون أنفسهم – كجماعة معارضة قوية – بأحزب الوفد والتجمع والناصري، وهي أحزاب النظام الموافق عليها عبر لجنة شؤون أحزابه التي يرأسها السيد صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني!. كنت أعتقد أنه من الأولى أن تقف جماعة الإخوان بجوار المعارضة الراغبة في التغيير الجذري مثل حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وغيرها، لا أن يكون موقفها مساويا لتلك الأحزاب الكرتونية!
والنوع الثاني من الكلام الغير معقول "الهذيان يعني"، هو ما يردده حزب الكرامة – تحت التأسيس – فهو حزب معارض قوي، شارك الكثير من أعضائه في تأسيس حركة كفاية قائدة تيار التغيير الجذري. ولأنه حزب جاد لم توافق لجنة شؤون الأحزاب – لصاحبها السيد صفوت الشريف – على تأسيسه، فبقى أكثر من عشر سنوات تحت التأسيس. الغريب في الأمر أن ذلك الحزب أعلن أنه سيقاطع الانتخابات استجابة للقوى الوطنية المقاطعة مثل كفاية، والجمعية الوطنية للتغيير .. قلت الحمد لله خير، لكني حين أكملت السطر الثاني من الخبر وجدته يقول مع استثناء حمدين صباحي، وسعد عبود، وياسر اللحامي!!. حقيقة لم أفهم هذا الكلام، وأعتقد أن هذا هو الهذيان بعينه!. وأدعوا رفاقي وأصدقائي في حزب الكرامة العودة إلى تصريحات الأستاذ سعد عبود عضو الحزب – ومرشحه – حين قال أن عضوا في الحزب الوطني أخبره عن تركيبة المجلس الجديد المحدد سلفا عدد مقاعد المعارضة به!. أي أن اللعبة كلها تمثيلية بايخة، والأمر منتهي من قبل أن يبدأ!، فلماذا تشارك إذا يا أستاذ سعد؟! .. صبرنا يا رب!.. ثم كيف يقاطع حزب ويشارك في نفس الوقت؟!!. ولأني لست منافقا .. انتقد رفاقي إذا أخطأوا مثلما انتقد خصومي .. أجد أن الكلام الذي يردده حزب الكرامة من أنه مقاطع الانتخابات ثم يشارك الأستاذ حمدين صباحي في تلك المهزلة والمسرحية يدخل في نطاق الهذيان!. يردد الحزب كلاما غير معقول – هذيانا يعني – مثل أن الدائرة "تضغط" على الأستاذ حمدين صباحي، ولذلك قرر الأستاذ حمدين أن يقوم بدور المذيع في برنامج ما يطلبه المستمعون متخليا عن دوره السياسي!. قد أفهم أن يغير مطرب برنامج الحفل كأن يطلب الجماهير أغنية كذا بدلا من أغنية كذا، فذلك أمر مقبول، لكن أن يغير "زعيم" سياسي قناعاته بناءا على طلب الجماهير فهذا أمر هو الهذيان بعينه!
إن الطريق الذي اخترته – واختارته حركة كفاية والمعارضة الجذرية – هو طريق العصيان المدني، الذي ينبع من قناعتنا جميعا بعدم شرعية هذا النظام الموالي لأمريكا وإسرائيل بأكثر ما هو موالي للوطن!. هذا النظام الذي تحول إلى "مبيد بشري" يقتل المصريين كما حدث في العبارة والدويقة وقطار الصعيد، وضحاياه آلاف من المواطنين بالأمراض السرطانية نتيجة المبيدات المسرطنة، والقتل المباشر في الشارع كما حدث مع الشاب خالد سعيد. إننا ندعو إلى عدم الاعتراف بألاعيب هذا النظام، وعدم السماح له باستغلالنا لكسب شرعية زائفة والظهور بمظهر ديمقراطي خادع. إننا ندعو إلى العصيان .. وندعو الله أن يشفي المشاركين من الهذيان!