الثلاثاء، 19 أكتوبر 2010

العصيان والهذيان!


العصيان والهذيان!
ردا على الكرامة والإخوان!

بحثت كثيرا في معاجم اللغة لأجد تعبيرا يصف به كلام المشاركين في المسرحية الهزلية السخيفة المسماة انتخابات مجلس الشعب، فلم أجد سوى كلمة الهذيان!. المعاجم تخبرنا أنه هذى فلانا – هذيا وهذيانا – أي تكلم بكلام غير معقول، والهذيان اضطراب عقلي مؤقت يتميز باختلاط أحوال الوعي!. أي أن الشخص الذي يهذي يقول كلاما غير معقول – مختلط وعيه يعني – فيقول شيئا وعكسه، كما أن هذه الحالة "مؤقتة" والحمد لله فنأمل وندعوا ونبتهل حتى يعود هؤلاء المشاركون إلى رشدهم سالمين!

هناك نوعان من الكلام الغير معقول "الهذيان يعني"، الأول: كالذي يقوله جماعة الإخوان المسلمين عن المشاركة بعد تعالي دعوات المقاطعة من حركة كفاية، والجمعية الوطنية للتغيير، وأحزاب العمل، والغد، والجبهة، والوسط. فمن السهل جدا تفهم دواعي المقاطعة، الانتخابات كلها تحولت إلى مسرحيات هزلية فقدت إثارتها وكوميديتها حتى!. ونتيجتها محسومة مسبقا .. فهي تزويرات وليس انتخابات إطلاقا!، وهو الأمر الذي رأيناه بأم أعيننا لم يخبرنا به أحد. راجعوا ما أطلق عليه انتخابات بعد تعديلات الدستور في 2007م، والتي انهت آخر بصيص من أمل في قصة الانتخابات بعد إلغاء الإشراف القضائي. ستجد فيما أطلق عليه انتخابات الشورى 2007م، ثم المحليات 2008م، ثم الشورى 2010م، بدون حتى تدقيق أن النتيجة هي لم ينجح أحد إلا إذا كان عضوا بالحزب الوطني أو يحمل صك الرضا منه عبر مكاتب الأمن في لاظوغلي حيث مقر جهاز أمن الدولة!. وسط كل ذلك يردد البعض في جماعة الإخوان كلاما غير معقول – هذيانا يعني – أن المقاطعة خدمة للحزب الوطني!!. ولا أفهم كيف يتردد هذا الكلام من أناس أفترض أنهم يشاهدون التليفزيون الرسمي الذي يحث المواطنين على الذهاب إلى تلك المسرحية الهزلية لتبدو اللعبة ديمقراطية بالزيف والتزوير. الأكثر إثارة للسخرية أن علي الدين هلال أمين الإعلام في الحزب الوطني قال عقب قرار مشاركة الإخوان في ما يطلق عليه انتخابات مجلس الشعب، أن مشاركة الإخوان قطعت الطريق على دعاة المقاطعة!!.. أي أن الحزب الوطني فرحان ويسجد لله شكرا بسبب قرار مشاركة الإخوان، ليتمكن من سبك تلك الطبخة الفاسدة، ويظهر أمام العالم بمظهر الديمقراطي الطيب الحنين!!. ومن الكلام الغير معقول – الهذيان يعني – أن يقول الإخوان أن المقاطعة يجب أن تكون شاملة كاملة!!. وهذا أمر غاية في السخف، فالحق يكون ثم يتبعه من يكون، ولا يعقل أن نتخذ مواقفنا بناءا على من معنا ومن ضدنا وليس ما نعتقد أنه صحيح. وكل الأفكار العظيمة التي غيرت البشرية بدأت بقلة ثم أقنعت تلك القلة الكثرة. المهم أن يبدأ الثوريون بخطواتهم المناهضة للفساد والاستبداد. فالأنبياء حين بدأوا دعواتهم لو نظروا إلى من معهم ومن ضدهم لما أنجزوا شيئا!. ولكنهم كانوا يعلموا أنهم يدعون إلى الحق بغض النظر من معهم ومن ضدهم، واستمروا رغم أنهم قلة مستضعفة في طريقهم. العجيب أن تردد جماعة الإخوان المسلمين هذا الكلام!. ثم ما هي المقاطعة الشاملة التي يتحدثون عنها؟!. هل يساوون أنفسهم – كجماعة معارضة قوية – بأحزب الوفد والتجمع والناصري، وهي أحزاب النظام الموافق عليها عبر لجنة شؤون أحزابه التي يرأسها السيد صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني!. كنت أعتقد أنه من الأولى أن تقف جماعة الإخوان بجوار المعارضة الراغبة في التغيير الجذري مثل حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وغيرها، لا أن يكون موقفها مساويا لتلك الأحزاب الكرتونية!

والنوع الثاني من الكلام الغير معقول "الهذيان يعني"، هو ما يردده حزب الكرامة – تحت التأسيس – فهو حزب معارض قوي، شارك الكثير من أعضائه في تأسيس حركة كفاية قائدة تيار التغيير الجذري. ولأنه حزب جاد لم توافق لجنة شؤون الأحزاب – لصاحبها السيد صفوت الشريف – على تأسيسه، فبقى أكثر من عشر سنوات تحت التأسيس. الغريب في الأمر أن ذلك الحزب أعلن أنه سيقاطع الانتخابات استجابة للقوى الوطنية المقاطعة مثل كفاية، والجمعية الوطنية للتغيير .. قلت الحمد لله خير، لكني حين أكملت السطر الثاني من الخبر وجدته يقول مع استثناء حمدين صباحي، وسعد عبود، وياسر اللحامي!!. حقيقة لم أفهم هذا الكلام، وأعتقد أن هذا هو الهذيان بعينه!. وأدعوا رفاقي وأصدقائي في حزب الكرامة العودة إلى تصريحات الأستاذ سعد عبود عضو الحزب – ومرشحه – حين قال أن عضوا في الحزب الوطني أخبره عن تركيبة المجلس الجديد المحدد سلفا عدد مقاعد المعارضة به!. أي أن اللعبة كلها تمثيلية بايخة، والأمر منتهي من قبل أن يبدأ!، فلماذا تشارك إذا يا أستاذ سعد؟! .. صبرنا يا رب!.. ثم كيف يقاطع حزب ويشارك في نفس الوقت؟!!. ولأني لست منافقا .. انتقد رفاقي إذا أخطأوا مثلما انتقد خصومي .. أجد أن الكلام الذي يردده حزب الكرامة من أنه مقاطع الانتخابات ثم يشارك الأستاذ حمدين صباحي في تلك المهزلة والمسرحية يدخل في نطاق الهذيان!. يردد الحزب كلاما غير معقول – هذيانا يعني – مثل أن الدائرة "تضغط" على الأستاذ حمدين صباحي، ولذلك قرر الأستاذ حمدين أن يقوم بدور المذيع في برنامج ما يطلبه المستمعون متخليا عن دوره السياسي!. قد أفهم أن يغير مطرب برنامج الحفل كأن يطلب الجماهير أغنية كذا بدلا من أغنية كذا، فذلك أمر مقبول، لكن أن يغير "زعيم" سياسي قناعاته بناءا على طلب الجماهير فهذا أمر هو الهذيان بعينه!


إن الطريق الذي اخترته –  واختارته حركة كفاية والمعارضة الجذرية – هو طريق العصيان المدني، الذي ينبع من قناعتنا جميعا بعدم شرعية هذا النظام الموالي لأمريكا وإسرائيل بأكثر ما هو موالي للوطن!. هذا النظام الذي تحول إلى "مبيد بشري" يقتل المصريين كما حدث في العبارة والدويقة وقطار الصعيد، وضحاياه آلاف من المواطنين بالأمراض السرطانية نتيجة المبيدات المسرطنة، والقتل المباشر في الشارع كما حدث مع الشاب خالد سعيد. إننا ندعو إلى عدم الاعتراف بألاعيب هذا النظام، وعدم السماح له باستغلالنا لكسب شرعية زائفة والظهور بمظهر ديمقراطي خادع. إننا ندعو إلى العصيان .. وندعو الله أن يشفي المشاركين من الهذيان!

الثلاثاء، 12 أكتوبر 2010

صراع النفوذ والفلوس على حكم مصر!


صراع النفوذ والفلوس على حكم مصر!

أشعر بألم شديد حينما أرى (دولة) في حجم ومكانة مصر – الشهيرة بأم الدنيا – يحيط ذلك الغموض القاتل بمستقبل الحكم فيها. كأن ذلك الأمر سرا من الأسرار العليا، ولا يحق أبدا للعوام – أمثالنا – الاطلاع عليه تقديرا من أهل الحل والربط لخطورته الجسيمة على تفكيرنا الساذج!. ولا يحق لأحد منا – العوام والسذج – أن يسأل ولو بينه وبين نفسه عن ذلك السر الخطير وكأنه المقصود في الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا لا تَسألوا عَـن أشياءَ إِن تُبْدَ لكم تَسُؤْكُم)!
لكن لأن السذج أمثالي لا يلتزمون الصمت حتى الموت، فلا يخلو الأمر من محاولات استكشافية – لساذج من أمثالي – لذلك السر الخطير. وتحليلات من هنا وهناك لاستجلاء الصورة، وإزالة ضباب الشبورة، وما أصعب ذلك في مصر!

قد بدا على السطح خلافا عائليا بين أفراد "العائلة الحاكمة" (للجمهورية)!. وأصل الخلاف بين الأم والأب على مستقبل الإبن .. ومستقبل البلد!. ذلك دون أن يكون لأحد منا يد في تقرير مستقبل وطنه فذلك أمر حصري للعائلة!. أفهم أن تهتم الأم – أي أم – بمستقبل ابنها، فإن كانت العائلة – أي عائلة – ميسورة الحال على الأب مساعدة ابنه بشقة أو فيلا أو حتى عزبة على حسب المقدرة، أما في تلك (العائلة) التي نقصدها فإن الأم تريد الأب أن يساعد الإبن ببلد كاملة!!. فالأم هنا تود التعجيل بإتمام مشروع التوريث، يؤيدها في ذلك الإبن الموعود بالرئاسة، وجماعة البيزنيس المحيطة به، والمتحكمة في الاقتصاد والبورصة، وأصبح لها نفوذ متزايد كل يوم. تلك الشلة من رجال الأعمال المحيطين بالإبن كونوا ثروات متراكمة امتصوها من دماء هذا الشعب وتكونت بهم طبقة أغنى من أمراء البترول في الخليج. فهشام طلعت مصطفى – على سبيل المثال لا الحصر – قد حصل على المتر في أرض مدينتي من الدولة وبالأمر المباشر مقابل 249 جنيه، ثم باعه بمبلغ 6000 جنيه للمتر، بعد أن حصل على 26 ألف فدان بذلك السعر المتدني، وتمكن بسبب ذلك السخاء من الدولة أن يعطي معشوقته ذات الجمال البارع والقوام الفارع سوزان تميم مصروفا شهريا 300 ألف دولار. المهم أن هؤلاء هم رجال السيد جمال مبارك الذين يساندونه في حلم الجلوس على (عرش) مصر .. وعلى رقابنا .. كما جلس أبوه على (العرش) ورقابنا أيضا 30 عاما سابقة!، ولا أعلم إذا كان هذه هي حال رفاق السيد جمال مبارك  وهو لا يزال ابن الرئيس فكيف تكون الحال إذا غدا - لا قدر الله طبعا - رئيسا!

بينما يعلم الأب الثمانيني العمر – بحكم السن، والخبرة في الحكم – أن الوضع أعقد من ذلك. فمصر منذ 1952م لم يحكمها أحد إلا وكان من خلفية عسكرية. وهو – الرئيس الأب – مؤيد بالقوات المسلحة بصفته القائد الأعلى لها، ولا تزال تحترم تاريخه العسكري ودوره المهم في حرب أكتوبر 1973م. أما جمال مبارك الهابط ببارشوت البيزنيس فليس له عند الجيش – أو الشعب – أي شرعية أو تاريخ يمكن أن يشفع له!. وبالنسبة للشعب فإن تولي جمال مبارك الحكم يعد أولا انقلابا صريحا على أهم مكتسبات يوليو 1952م، وهو القضاء على الملكية. وثانيا فإن ارتباط اسم جمال مبارك بجماعة البيزنيس المتورطة في فساد بيّن ومص ثروات البلد وتجريف أصولها الإنتاجية، وعمليات الخصخصة الغير مدروسة التي شردت الآلاف من العمال، يجعل منه شخصا مكروها لدرجة خطرة قد تؤدي إلى انفجار غير مأمون العواقب في حال محاولة توريثه الحكم.

ثم خرج الخلاف من بين جنبات البيت الرئاسي "العائلي" ليتحول إلى خلاف داخل مؤسسات الدولة بين فريقين .. فريق النفوذ المتمثل في القائمين على الأمن والحرس القديم، وفريق الفلوس المتمثل في الاقتصاد والبيزنيس والحرس الجديد!. وتعلو أسهم فريق منهم تارة، وتهبط تارة أخرى في مبارة حامية حول مستقبل مصر دون أن يكون للسذج أمثالنا رأي فيها!. ومن حملة (الكردي) المطالبة لجمال مبارك بالترشح للرئاسة نرى يد جماعة البيزنيس واضحة وحاضرة بقوة .. فمن غيرهم طبع كل تلك البوسترات والتي شيرتات؟!. ونكتشف أن جماعة البيزنيس وصلت من النفوذ أن فرضت جمال مبارك على رحلة رسمية إلى واشنطن قام بها الرئيس مبارك الأب من أجل دعم المفاوضات الفلسطينية – "الإسرائيلية"، وجمال مبارك كما نعلم ليس له صفة رسمية فلا هو وزير يمكن أن ينضم للوفد الرسمي، ولا هو حتى موظف دبلوماسي مشارك في تلك المفاوضات .. لكن فجأة يقول لنا المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية السفير سليمان عواد أن جمال مبارك جاء مع أبيه لواشنطن لأنه ابن بار بأبيه!! .. ما هذا الكلام الغريب؟! .. وهل علاء مبارك ابن عاق لأبيه لأنه لم يصاحبه في تلك الزيارة؟! .. وهل يجب أن يكون جمال مبارك مصاحب لأبيه في كل مكان وكأنه في "فسحة"!! .. ثم لماذا كان عاقا ولم يذهب مع الرئيس إلى ليبيا في مؤتمر القمة العربية الأفريقية الأخيرة؟! .. أم أن السبب الحقيقي لزيارته واشنطن هو محاولة جلب تأييد الولايات المتحدة الأمريكية لعملية التوريث؟!. وهنا أدرك الفريق الآخر – المؤيد للتمديد – خطورة تصاعد نفوذ جماعة البيزنيس، فأطلق كلا من صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطني ورئيس مجلس الشورى، وأحمد أبو الغيط وزير الخارجية، ثم علي الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الوطني تصريحات متتالية مفادها أن الحزب متمسك بالرئيس مبارك كمرشح الحزب لانتخابات الرئاسة 2011م.

وبين أقدام هذا الفريق أو ذاك .. يُـلعب بمصر وبنا كأننا كرة، ومن يسجل الهدف الذهبي في الوقت الضائع يكسب البلد .. والجمل بما حمل، ونخسر نحن وأبناؤنا وربما أحفادنا أيضا!. وأيا كان الفائز فإنه أصبح من الواجب بل من الضروري والحتمي إسكات كل ذو لسان طويل، فالأمر لا يحتمل أي متاعب، وأصبح الهدف المرحلي – للفريقين معا – العودة سالمين إلى خطوط ما قبل 2005م، أي ما قبل ظهور حركة كفاية التي خرجت بالمعارضة خارج الإطار التقليدي، مطلقة صرختها الأولى "لا للتمديد .. لا للتوريث". واليوم يتآمر الطرفان على الإعلام الحر والهامش المتبقي الذي دفعت الحركة الوطنية ثمنه – وفي القلب والمركز منها كفاية – اعتقالا وترويعا وترهيبا. فكان ما كان .. وقصفت أقلام مجدي أحمد حسين الأسير في سجون هذا النظام، ثم الضغوط الأمنية القوية لإقالة الصحفي المناضل عبدالحليم قنديل من رئاسة تحرير جريدة صوت الأمة، ومنعه من الكتابة في أي جريدة داخل مصر، وإيقاف برنامج الإعلامي الشهير عمرو أديب وإغلاق قناة أوربت التي تبث البرنامج، ثم توقف برنامج الصحفي المتميز إبراهيم عيسى، وبعدها بأيام قصف قلمه الشريف، وتدمير صحيفة الدستور التي بناها بجهده موهبته.

وفي اللحظات الأخيرة من عمر أي نظام استبدادي دائما ما تكون يده باطشة حمقاء .. دائما ما تكون تصرفاته مندفعة إلى العنف والتعتيم .. ويظن المتشائمون أن ذلك البطش الشديد علامة على القوة والصلابة، والحقيقة أن ذلك البطش علامة على قمة الضعف واقتراب النهاية .. تذكروا أن آخر حدث ضخم في عهد الملك فاروق كان احتراق القاهرة!