الاثنين، 29 مارس 2010

الفنون المسرحية في (القمة) العربية!


الفنون المسرحية في (القمة) العربية!

أعتقد أن كلمة "قمة" في مرادفات اللغة تعني أعلى الشئ، لكنها في السياسة العربية لا تعني إلا القاع والفشل والانحطاط والانبطاح!، فلا الزعماء العرب يمثلون العرب، ولا لديهم أي إرادة سياسية لتكامل عربي، وأهم ما يشغلهم هو كيف يستمرون في الجلوس على كراسيهم وإن غادروها غير مأسوف عليهم إلى قبورهم أن يجلس أبناؤهم على تلك الكراسي!

حدثت أمور غاية في الأهمية وذات عمق خطير في مغزاها قبل (القمة) وأثناءها وجب تركيز الضوء عليها:

أولا: زيارة نتن ياهو إلى الولايات المتحدة الأمريكية:

في تلك الزيارة تحدث نتن ياهو أمام منظمة إيباك أهم منظمات اللوبي الصهيوني في أمريكا دعما لإسرائيل، وأكد نتن ياهو في كلمته على أن "القدس ليست مستوطنة بل عاصمة (دولة إسرائيل)"، وقبل زيارته مباشرة اتخذت حكومته خطة لبناء 1600 وحدة سكنية في مستوطنة رامات شلومو شمالي القدس وحدث ذلك أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن إلى إسرائيل "لإقناع" نتن ياهو بوقف الاستيطان والبدء في مفاوضات غير مباشرة مع سلطة عباس!

ثانيا: فشل الرهان على أوباما!:

في حديث أوباما "الناعم والرقيق" بجامعة القاهرة انخدع كثير من العرب في الرئيس الأمريكي الجديد الذي أعلن أن أمريكا ستضغط على إسرائيل من أجل إيقاف الاستيطان وعودة المفاوضات غير المباشرة بين سلطة عباس وحكومة نتن ياهو لكن ثبت بعد ذلك أن إرادة إسرائيل أقوى من كلمات أوباما "الناعمة والرقيقة"!، حيث كان قرار حكومة الليكود بناء 1600 وحدة سكنية في القدس أثناء حضور بايدن صفعة أولى للإدارة الأمريكية وللمراهنين عليها ثم كانت الصفعة الثانية حينما فشل أوباما في الضغط على نتن ياهو لوقف الاستيطان أثناء زيارته لأمريكا!

ثالثا: سلطة عباس تمثل من؟!:

قبل القمة مباشرة وقفت السلطة المفروض أنها فلسطينية ضد قرار أممي يدين إسرائيل!، كانت هذه هي المرة الثانية خلال 6 أشهر تقوم السلطة بتلك الفعلة النكراء حيث وقفت قبل ذلك من أجل تأجيل تقرير جولدستون الذي أدان إسرائيل، وهي اليوم تقف أيضا ضد التقرير الدوري لريتشارد فولك المقرر الخاص لشؤون حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، ونتيجة لموقف السلطة الفلسطينية تم تأجيل التقرير لشهر يونيو، أغرب ما في الأمر أن سبب طلب السلطة تأجيل التقرير أنه يتبنى وجهة نظر حماس!

رابعا: مبادرة السلام العربية!:

تعد مبادرة السلام العربية أعظم النكت السياسية التي يقدمها العرب في عصر الانحطاط فشر البلية ما يضحك!، ففي الوقت الذي كانت إسرائيل تضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال بن رباح لقائمة التراث اليهودي في القدس كان وزراء الخيبة الخارجية العرب يجتمعون في مقر الجامعة بالقاهرة يعلنون تمسكهم بمبادرة السلام العربية وتعلن لجنة المبادرة دعمها لمفاوضات غير مباشرة بين سلطة عباس وإسرائيل!
وحين لمح عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية – مجرد التلميح- بإمكانية سحب المبادرة تكالبت عليه دول ما يطلق عليه الاعتدال مثل مصر والسعودية لتستمر المبادرة وتستمر إسرائيل في انتهاكاتها ويستمر عمرو موسى يؤذن في مالطا وتستمر الشعوب العربية تلعن حكامها واليوم البائس الذي جلسوا فيه على كراسيهم ورقاب شعوبهم!

خامسا: أغلق الستار على مسرحية بايخة!

بعد انتهاء أعمال المسرحية التي أطلق عليها قمة عرفنا جميعا موهبة الحكام العرب ليس فقط في التخاذل والتواطؤ لمصلحة أمريكا وإسرائيل، بل أيضا في الفنون المسرحية، فحين كانت أجواء مدينة سرت الليبية التي استضافت القمة تمتلئ بأغاني عن الوحدة العربية كان الحكام العرب يقطعون أوصال تلك الوحدة .. كان الحكام العرب يستمرون في خيار السلام .. وإسرائيل تؤكد على خيار الحرب!
القاهرة في 29 مارس 2010م


الاثنين، 15 مارس 2010

ميدان الشهيد مناحم بيجن "عبدالمنعم رياض سابقا"!


ميدان الشهيد مناحم بيجن "عبدالمنعم رياض سابقا"!


أذكر أنني حين كنت طفلا حلمت كثيرا أن أصبح ضابطا في الجيش على الرغم من جسدي الهزيل والسلوعة الظاهرة في منذ الصغر!، وكثيرا ما كانت تلقى أمنيتي الطفولية تلك ترحيبا من الأقارب والمعارف، وكثيرا أيضا ما يسألني أحدهم ولماذا تود ذلك؟ .. فكانت إجابتي ببساطة وتلقائية "لأحارب إسرائيل".
من الطبيعي جدا أن يولد المصري وبداخله جين اسمه "كره إسرائيل"، من الطبيعي جدا أن يتفاخر المصريون ببطولاتهم في حرب الاستنزاف وإغراق المدمرة إيلات وحرب أكتوبر 1973م، من الطبيعي جدا أن يكون يوم 6 أكتوبر عيدا قوميا حتى وإن كانت معالم الاحتفال به لا تتجاوز عطلة من العمل، لكن يبقى في قناعة وضمير كل مصري أنه يوم يدعو للفخر بينما لم يعد لديه الآن في 2010 ما يدعو للفخر إلا أهداف أبو تريكة وزيدان وأخيرا جدو!
أعلم جيدا أن مصر ستبقى ولادة، وأن الأجيال القادمة كالسابقة ستبقى ترى بتلقائية عدوها التقليدي هو إسرائيل مهما حاول الخونة والمطبعون تزييف الحقائق وعقد لقاءات مع الصهاينة يصورها التلفزيون ليوضح الود بينهم، فهؤلاء لا يمثلون إلا طبقة من الطين العفن فوق المعدن المصري الذهبي الأصيل الذي سيزيلها يوما من الأيام ليظهر بوضوح أن المصريون جميعا يعلمون كون إسرائيل هي عدوهم الأول.
على الرغم من قناعتي تلك إلا أني سعدت كثيرا "بشروق" شمس الوطنية في الطفلة شروق محمد صبري التي بعثت برسالة تخبرنا أنها ستذهب يوم 9 مارس الماضي إلى موقع استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض رئيس الأركان للجيش المصري، الذي استشهد يوم 9 مارس 1969م أثناء حرب الاستنزاف ضد "العدو الصهيوني"، حيث أصر البطل الشهيد على متابعة سير العمليات القتالية والاطمئنان على جيشه بعد أن ساهم بدور هام جدا في إعادة بنائه عقب حرب 5 يونيو 1967م ضد "العدو الصهيوني أيضا"، وأنها – أي شروق – تدعو كل الأسر المصرية بالذهاب مع أسرتها إلى موقع استشهاد البطل عبدالمنعم رياض ليكون ذلك أكبر تكريم له، كرسالة يرسلها أطفال مصر إليه في العالم الآخر بأن ذكراك لم تمت، وأن ما قمت به من عمل عظيم سيبقى داخل قلوبنا وذكرانا على مر التاريخ.
لكني صدمت حين علمت أن الأمن "المصري" منع أتوبيس الأطفال من زيارة المكان، وأصر على رجوعه حتى لا يشاهد الأطفال ولا يتعرفون على عبدالمنعم رياض البطل العظيم، فمن الأفضل أن يبقى ما يشغلهم هل سيلعب جدو في نادي الاتحاد أم أنه سيذهب إلى نادي الزمالك!!

عزيزتي شروق
يجب أن تعلمي أنك على صواب .. فعلا عبدالمنعم رياض رجل عظيم .. فعلا إسرائيل هي العدو .. لكن حتى تستطيعي أن تحتفلي (بالشهداء) أمثال عبدالمنعم رياض يجب أن يرحل (العملاء) الذين تريهم في التلفزيون يعانقون نتن ياهو وشيمون بيريز! .. يجب أن يرحل من صدر الغاز المصري الذي هو ملكك وملك كل الأجيال القادمة إلى هؤلاء الأعداء الصهاينة .. يجب أن يرحل من يحاصر غزة العربية لمصلحة عدونا الصهيوني، أما إذا ظل هؤلاء على كراسيهم – وعلى رقابنا – فاعلمي أنه قد تجدي في يوم من الأيام لافتة مكتوب عليها ميدان الشهيد مناحم بيجن "عبدالمنعم رياض سابقا"!!

الثلاثاء، 9 مارس 2010

الاستقلال والدستور

الاستقلال والدستور!
في الطب التشخيص السليم للمرض نصف العلاج، وفي الهندسة والبحث العلمي تحديد المشكلة هو أول خطوة على طريق الحل، وفي السياسة قد تكون الأمور أكثر تعقيدا والأغصان أكثر تشابكا لكن يبقى تحديدنا السليم – قدر الإمكان – للمشكلة أو بمعنى أدق "الكارثة" التي تمر بها مصر الخطوة الأهم على طريق الحل .. بل الخطوة الرئيسية لتحديد طريق الحل أصلا!
يمكن على سبيل الإجمال تحديد مشاكل مصر أو "كوارثها" في ثلاث نقاط رئيسية وهم غياب كل من (الديمقراطية – العدالة الاجتماعية – الاستقلال الوطني)
بالنسبة للديمقراطية فمصر تعاني مشكلة اختناق سياسي دستوري بسبب المادة 76 من الدستور بوضعها الحالي المانع لترشيح أي شخص لانتخابات الرئاسة إلا إذا كان من الحزب الوطني أو يحمل صك الرضا منه!، وهذا الوضع المختل يشكل خطرا رئيسيا على إرادة المصريين الحقيقية الرافضة للتمديد والتوريث على حد السواء، ومصر – ربنا يكون في عونها – لديها المادة 77 الخاصة بجعل مدد الرئاسة مفتوحة ليجلس الرئيس على كرسيه – وعلى رقابنا وقلوبنا – "ما دام به قلب ينبض!"، وإن كانت المادة 76 تشكل اختناقا سياسيا دستوريا يمنع تقديم مرشحين حقيقيين للرئاسة وليسوا كومبارس يقومون بأدوار فكاهية وليتها مضحكة بل مبتذلة، فإن المادة 77 تشكل موتا بالسكتة الدستورية لأي حلم في تبادل السلطة "ما دام في أي رئيس قلب ينبض!"
أما بشكل عام فمصر تحتاج إلى ديمقراطية أكبر من تعديل هاتين المادتين من الدستور، مصر بحاجة إلى حرية تكوين الأحزاب وإلغاء لجنة "تخريبها" المسماه لجنة شؤون الأحزاب ويرأسها أمين عام الحزب الحاكم، مصر تحتاج إلى حرية صحافة بالمعنى الحقيقي لحرية الصحافة، مصر بحاجة إلى رقابة قضائية ودولية على الانتخابات حتى تستحق أن تحمل اسم انتخابات بدل اسم "مسرحيات" التي تحمله بالوضع الحالي!
أما في مسألة العدالة الاجتماعية فمن البديهي والطبيعي أن تتمتع أغلبية الشعب بأغلبية الثروة القومية، والوضع مقلوب – كما هو الطبيعي في مصر "المقلوبة" – لأن نسبة لا تزيد عن نصف في المائة تمتلك أكثر من 90% من الثروة بينما يحصل أغلبية الشعب المسكين والمتبهدل على الفتات المتبقي من أسنان أسماك القرش الكبيرة!، فمن وزير إسكان سابق كان يكافئ أبنائه على نجاحهم في المدرسة بقصور وفيلات وشاليهات!! .. إلى فساد مستشري يجعل مالك عبارة الموت عضو في هيئة السلامة البحرية!! .. إلى دولة تعمل ليلا ونهارا على زيادة الأغنياء غنا وزيادة الفقراء فقرا فيكفي النظر إلى التوسع العملاق في شاليهات مارينا وبورتو العين السخنة وإلى ضحايا صخور الدويقة وأهالي قرية البرادعة الذين في القرن ال21 مياه الشرب لديهم مختلطة بالصرف الصحي!
المشكلتان السابقتان وهما غياب ( الديمقراطية – العدالة الاجتماعية) يندرجان معا تحت بند "الدستور".. فمصر تحتاج إلى دستور يتيح ديمقراطية بالمفهوم الطبيعي والمنطقي والموجود في أغلب دول العالم "ليس اختراعا يعني"، ويضمن أيضا عدالة اجتماعية ودور حقيقي للدولة في رعاية الأغلبية من شعبها .. وهذا الدستور لن يأتي لأننا "نشير فقط إلى الطريق" بل لابد من العمل على اكتساب هذه الحرية فهي ليست هبة أو منحة من أحد، والنظام الذي سلب الحرية والديمقراطية والعدالة أكثر من ربع قرن لن يعطينا إياها على طريقة أفلام السينما حين يستيقظ ضميره! لن نقول عدل الدستور فيقول لنا طلباتك أوامر فهذه أحلام طفولية، لابد من النضال ودفع ثمن هذه المطالب.
ليس من الصحيح أن مشكلة مصر تتلخص في غياب (الديمقراطية – العدالة الاجتماعية) ثم نقطة ومن أول السطر، فالمشكلة الثالثة قد تكون أخطر من المشكلتين السابقتين وهي تحقيق الاستقلال الوطني .. فأي رئيس لأي دولة لابد أن يطرح على ناخبيه تصوره للأمن القومي ولابد أيضا أن يشترك معه أبناء شعبه في تصوره للأمن القومي لأنه وحده لن يستطع مهما كانت قدراته في حماية هذا الأمن .. حماية الأمن القومي مسؤولية أمة وليس فرد .. مسؤولية شعب قبل أن يكون مسؤولية حكومة .. وبالتالي لابد من تحديد العدو الاستراتيجي لأي أمة الذي بالنسبة لنا هو إسرائيل بكل وضوح، وكما نعلم جميعا أن اتفاقية كامب ديفيد هي ما يحدد العلاقة بيننا وبين إسرائيل على أساس "صديقي بيجن" كما قال السادات وليس عدوي الصهيوني كما يجب أن يقال!، وبالتالي من يريد أن يحكم مصر لابد وأن يعلن قبلها أنه سيعطي للشعب القرار بإعلانه طرح كامب ديفيد على الاستفتاء الشعبي، فالشعب حامي الأمن القومي كما ذكرت، والشعب المصري بطبيعة تكوينه جينيا يكره إسرائيل ويتعاطف مع الأشقاء في فلسطين والعراق، وبالتالي حتى من المنطق الديمقراطي الكامل لن تستقيم مصالح إسرائيل مع الديمقراطية في مصر.. يجب على من يعتقد أنه قادر أن يحكم بلدا كبير المكانة في الجغرافيا وعظيم الأثر في التاريخ أن يعلم جيدا أن استقلال القرار السياسي لا ينفصل عن استقلال الأرض.
اليوم 9 مارس وهو ذكرى ثورة 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي لمصر .. رفعت الجماهير – وقبل أكثر من 90 عاما – شعار "الاستقلال والدستور" وأجدنا اليوم وبعد أكثر من 90 عاما يجب علينا أن نرفع هذا الشعار كاملا وليس نصفه فقط!
القاهرة في 9 مارس 2010م