الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

التطور "المبارك" للأمن القومي!


التطور "المبارك" للأمن القومي!


كنت لا أؤمن بالنظرية "التقليدية" للتطور، فلم أكن أتصورإطلاقا أن مخلوق له صفات معينة وشكل معين يمكن بعد فترة زمنية أن يتحول إلى مخلوق آخر تماما بصفات جديدة وشكل جديد، لكني تعلمت من العصر "المبارك" أن كل شئ يمكن أن يتطور حتى نظرية التطور ذاتها!، فنظرية التطور "المبارك" قدمت تغييرا جذريا لمفهوم الأمن القومي وصدق اللي قال (العلم نورن!!).
كنت أعلم يقينا أن أكبر تهديد للأمن القومي المصري على وجه الخصوص والعربي عموما هو ما يطلق عليه دولة إسرائيل القابعة على حدودنا الشرقية، فإسرائيل لا تلتزم بأي اتفاقيات دولية وتعتبر نفسها فوق القانون، بل ما زالت تتمسك بأحلامها التوسعية فالعلم الإسرائيلي حتى الآن مكون من شريطين باللون الأزرق الفاتح وبينهما نجمة داود وهو عبارة عن رمز أن إسرائيل الكبرى هي من النيل إلى الفرات كما يريدها الصهاينة، كما أن إسرائيل تمتلك سلاحا نوويا باعتراف شيمون بيريز نفسه ولم توقع على اتفاقية حظر الأسلحة النووية بينما وقعنا نحن عليها، كل هذه المعطيات تأخذنا إلى نتيجة واحدة هي أن إسرائيل تمثل الخطر الأكبر علينا.
لكن نظرية التطور "المبارك" عكس ذلك تماما، فالحدود المصرية مع إسرائيل (المفروض أنها عدوة) تمتد ل 210 كم يحميها سلك بسيط جدا متهتك في أكثر الأماكن وساقط على الأرض في أماكن أخرى بينما يقف جندي مصري واحد كل 500 متر ليصل عدد الجنود المصريين الذين يحمون حدودنا مع إسرائيل 410 فردا فقط ..
أما حدودنا مع غزة (المفروض أنها شقيقة) يصل طولها إلى 23 كم فقط .. وياللهول.. أسوار حجرية وأسلاك شائكة وكاميرات مراقبة عدد جنود أكثر من 410 الموجودون في 210 كم هي حدودنا مع إسرائيل محشورون في 23 كم فقط هي حدودنا مع غزة، أضف إلى ذلك جدارا فولاذيا يتم بناؤه تحته مجسات للكشف عن الأنفاق، ويتم التأكيد يوميا عبر وزير الخارجية "المبارك" أحمد أبو الغيط الذي احتضنت يده يد ليفني بحنان بالغ وهي نازلة السلالم يا مشا الله عليها أن كل ذلك يحدث لدواعي الأمن القومي!!
إسرائيل يذهب إليها الغاز المصري بسعر أقل من سعر تكلفته لتقوم الحكومة الإسرائيلية بتخفيض أسعار الكهرباء على مواطنيها لأن النظام في مصر يدعم المواطن الإسرائيلي .. وغزة تحاصر من الجانبين بالعدل الإسرائيلي من معبر كرم أبو سالم والمصري من معبر رفح الذي تدخل المعونات منه بالتقطير لا تسد جوعا ولا تشفي غليلا، ويمنع النظام المصري قوافل المساعدات الطبية والغذائية ليتضح مدى التعاون "الوثيق" بين النظام في مصر وحلفاؤه في إسرائيل!
تظرية التطور "المبارك" للأمن القومي هي: (النظرية التي ظهرت في عصر الانحطاط "المبارك" والتي جعلت من إسرائيل حليفا استراتيجيا ومن غزة وكل من يعادي إسرائيل خطرا على الأمن القومي)!!

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009

يقتل القتيل ويقول مماتش!!





يقتل القتيل ويقول مماتش!!

أحيانا – وهذا أمر يتعبني كثيرا – أفكر بطريقة تجعلني "استغرب" من المتناقضات التي يعيشها المصري المسكين وتعوّد عليها فأصبحت أمرا مألوفا وطبيعيا!!
لذلك دفعتني زيارة الرئيس مبارك يوم الأحد (20 ديسمبر 2009) لدار القضاء العالي إلى "الاستغراب" من حديثه عن (استقلال القضاء) حيث قال بالحرف الواحد "إن استقلال القضاء ليس منحة من أحد، إنما ركيزة أساسية من ركائز الدستور والمجتمع"!! ..، فالمثير للدهشة هنا أن نظام الرئيس مبارك هو ذاته من حارب استقلال القضاء بكل ما أوتى من قوة واعتبر معركته ضد تيار الاستقلال من القضاة الشرفاء معركة أكون أو لا أكون!!
والدستور المصري نفسه في موضوع استقلال القضاء متناقض وبشدة حيث تنص المادة 166 منه على "القضاة مستقلون، ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو في شئون العدالة"، وهذا كلام رائع ولكن المادة 173 من نفس الدستور "برضه" تقول : "تقوم كل هيئة قضائية على شئونها، ويشكل مجلس يضم رؤساء الهيئات القضائية يرأسه رئيس الجمهورية، ..." بينما المادة 137 من نفس الدستور تقول :"يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، ويمارسها على الوجه المبين في الدستور"، والثلاث مواد يعنون ببساطة أن رئيس الجمهورية الذي يتولى "السلطة التنفيذية" يرأس المجلس الذي يضم رؤساء الهيئات القضائية بينما كيف لا يشكل هذا الأمر تناقضا مع المادة 166 التي تؤكد أنه لا "سلطة" تتدخل في شئون العدالة؟!
أما عن (القضاء) العسكري الذي يضرب فكرة استقلال القضاء في مقتل فحدث ولا حرج، فكيف لضابط يقع تحت تأثير الترهيب والترغيب وتربى وتعلم على إطاعة "أوامر" قاداته كما هي التقاليد العسكرية أن يجلس على منصة القضاء ويحاكم مدنيين في تهم سياسية وننتظر منه أن يصدر حكمه دون تأثير عليه!!، وخير دليل على هزلية المحاكمات العسكرية ما حدث مع الأستاذ مجدي أحمد حسين الذي حوكم أمام محكمة عسكرية لأنه قام بدوره كصحفي وآخر رئيس تحرير لجريدة الشعب "الممنوعة" فذهب إلى غزة ليسجل شهادته عن الحرب الإسرائيلية الشرسة ضدها وبعد عودته إلى مصر تم اعتقاله وتحويله إلى ما أطلق عليه (محكمة) عسكرية خلت من أي صلة بالقضاء أصلا حيث مُـنع محامو المتهم من لقائه والجلوس منفردين معه أو حتى الترافع أمام (المحكمة) التي انتدبت محاميا من عندها للترافع!، أما جلسة النطق بالحكم فلم يدخل أحد إلى (المحكمة) وإنما علمنا الحكم بالحبس سنتين بالتليفون بينما كنا واقفين أمام الباب ومعنا المحامون ممنوعون من الدخول!!
كما تضرب حالة الطوارئ الكابسة على أنفاسنا طيلة حكم الرئيس مبارك – الكابس على أنفاسنا أيضا- استقلال القضاء هي الأخرى الأخرى فكثيرا ما تصدر المحاكم الطبيعية أحكاما بالبراءة على شخص ما وتأتي وزارة الداخلية فتعتقله من على باب المحكمة بموجب سلطاتها اللانهائية في حالة الطوارئ!، والدولة نفسها لا تحترم أحكام القضاء ولا تنفذ الكثير منها كالأحكام الصادرة لصالح إجراء انتخابات في نقابة المهندسين المفروض عليها الحراسة منذ 14 عاما لكن الدولة عاملة ودن من طين وودن من عجين!!
واستقلال القضاء يشكل خطرا بالغا على الأنظمة الفاسدة فإذا استقل القضاء سيحاكم أباطرة الفساد من محتكرين وناهبي ثروة الشعب في صفقات البيع برخص التراب لمؤسسات القطاع العام والمتاجرين في ديون مصر بينما تزدهر أرصدة حساباتهم في سويسرا، إذا استقل القضاء لن يخضع بعض القضاة إلى التأثير ولا يصدرون أحكاما ضد السياسيين لأن فقط النظام يريد ذلك، إذا استقل القضاء ستحترم أحكام القضاء وتنفذ حتى لو كانت ضد أحد الوزراء أو الأكبر منه فالأصل أن الكل أمام القانون سواء .. لذلك يعتبر النظام معركته ضد استقلال القضاء معركة حياة أو موت بالنسبة له وما حدث في عام 2006م من صدام شديد بين النظام والقضاة الشرفاء المطالبين بالاستقلال وصل إلى اعتداء أمن الدولة بالضرب والسحل والسب والقذف على القاضي محمود حمزة يدل على ما أقول..
أما أن تجد بعد ذلك الرئيس مبارك يتحدث أن القضاء في مصر مستقل فهو كتغيير المثل الشعبي "يقتل القتيل ويمشي في جنازته" (فالقاتل) حين يمشي في الجنازة يعترف بموت القتيل ولكن ما يحدث أنه أصبح يقتل القتيل ويقول مماتش!!

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

كفاية..!





كفاية..!

في 12/12/2004م كانت الصرخة الأولى لحركة كفاية في مظاهرة أمام دار القضاء العالي ضد التمديد والتوريث "معا" مدشنة بذلك لغة جديدة في المعارضة كانت كفاية "ولازالت" رائدة فيها، وهي اللغة التي أعلنت بوضوح أن كل ما تمر به البلاد من فساد واستبداد وقهر وتخلف وتعذيب وفشل في التعليم والصحة وتراجع سياسي في دور مصر وتبعية كاملة لأمريكا ومدللتها إسرائيل يتحمله رأس النظام شخصيا الرئيس مبارك، فبعد أن كانت المعارضة وعلى مدار أكثر من ربع قرن وقتها مبنية على "مطالبة" و"رجاء" الرئيس بإصلاحات سواء دستورية أو اقتصادية واعتباره فوق المساءلة يعامل وكأنه المنزه عن الخطأ والمعصوم من الزلل المنهي عن العيب فيه والواجب تقديسه وإرجاع كل الأمور إليه مبارك رضي الله عنه وأرضاه!!
لقد كانت لتلك النقلة الكبيرة التي تسببت فيها حركة كفاية عظيم الأثر على الحياة السياسية في مصرعموما، فهي تمردت على الأشكال السياسية التقليدية التي تكتسب شرعيتها من النظام الذي "يفترض" عليها أن تعارضه كالأحزاب الرسمية مثلا ولجنتها الشهيرة ورئيسها أمين عام الحزب الوطني الحاكم صفوت الشريف بعد تحول تلك الأحزاب إلى مقرات مهجورة إلا من "ندوة" هنا أو اجتماع هناك في حالة ما تشبه "القطيعة" مع الشارع بينما أخذت أرجل معظم قادتها على زيارة "لاظوغلي" لعقد الصفقات من تحت الطاولة عن مقعد في مجلس الشورى أو مقال في جريدة الأهرام الرسمية!!
راهنت حركة كفاية على الشارع ولم تراهن على المقرات المغلقة .. راهنت حركة كفاية على نقد الرئيس ورفضه لا استعطافه ورجائه .. نتيجة لحالة الحراك السياسي في الشارع المصري ومظاهرات كفاية ضد الرئيس وعائلته انتقلت تلك الروح إلى الاحتجاجات العمالية والفئوية التي انتشرت في مصر بصورة غير مسبوقة حتى أنك الآن لا تستطيع أن تفتح جريدة مستقلة إلا ووجدت اعتصاما أو إضرابا أو مظاهرة، لقد تعلم المصريون أن المقاومة السلمية والاحتجاج هو الوسيلة "الوحيدة" لحل مشاكلهم وزادت الخصومة بين كل فئات الشعب والنظام من أساتذة الجامعات ومظاهراتهم الطالبة باستقلال الجامعة وخروج الأمن منها إلى العمال الرافضين لمشروعات الخصخصة غير المدروسة والتي شابها فساد بيـّن إلى الصيادلة إلى الأطباء إلى المهندسين ونقابتهم المفروض عليها الحراسة منذ 14 عاما وحتى سائقي الميكربوصات والتوك توك والعربات الكارو!!
وفي 12/12/2009 وبعد 5 سنوات من تلك الصرخة الأولى كانت كفاية تجدد العهد برفضها للتمديد والتوريث "معا" بوقفة احتجاجية في نفس المكان، وتؤكد أنها مازالت الأقوى والأجدر لقيادة حالة الرفض والغضب المصري من حكم الرئيس وعائلته .. ففي الوقت الذي بدأت تظهر فيه محاولات اصلاحية تدعو للنزول إلى انتخابات يديرها النظام ويتحكم في نتيجتها مسبقا، وفي الوقت الذي بدأت تظهر دعوات ترجعنا للخلف بإعلانها أنها (ضد التوريث) دون ذكر التمديد وهو أمر يدعو للسخرية والتعجب فلو لم يكن هناك تمديد لما كان هناك حديث عن توريث فنحن نعارض مبارك الأب ومبارك الابن أفلا تعقلون!!، عادت كفاية لتؤكد الموقف الصحيح وهو أن المعارضة المصرية يجب أن ترفع شعار لا للتمديد ولا للتوريث كاملا..لا نصفه فقط فالحديث عن التوريث دون التمديد كذكرنا الآية الكريمة (وويل للمصلين) دون استكمالها (الذين هم عن صلاتهم ساهون)!!
في 12/12/2004 كانت كفاية ضد التمديد والتوريث .. وفي 12/12/2009 كفاية ضد التمديد والتوريث وتحمل معها برنامجا للتغيير الذي سبق أن تحدثنا عنه في مقال (عن البديل الرئاسي أتحدث) وهو البرنامج القائم على معارضة مبارك الأب والابن من خارج الملعب المرسوم لنا مسبقا لمعارضته فيه .. لا انتخابات رسمية ولكن بديل شعبي يجمع له توكيلات .. لا برلمان رسمي ولكن برلمان شعبي مكون من كل أعضاء البرلمان السابقين والحاليين المعارضين وأساتذة من الجامعات والمثقفين والأدباء والفنانيين وقادة الاحتجاجات الاجتماعية والمدونين يختارون جميعا البديل الشعبي السابق ذكره ويجمع له التوكيلات من كافة أنحاء البلاد..الشعب يرفض حكم العائلة .. يرفض أن تتحول مصر إلى عزبة يوصي بها الأب لابنه، فالشعب يقول بصدق لمبارك وعائلته وأمن دولته وأمنه المركزي "كفاية .. كفاية .. كل ظالم له نهاية"!!

الاثنين، 30 نوفمبر 2009

الإنسان ليس كالفأر!!

الإنسان ليس كالفأر!!

مصر بحاجة إلى التغيير .. عبارة يرددها كل صاحب عقل وهي منطقية جدا ومطلوبة جدا .. فعلا مصر في مرحلة التغيير، فبعد حكم القهر والظلم والفساد والتبعية لمدة تجاوزت الربع قرن يريدوا لها أن تتحول إلى عزبة تنتقل ملكيتها من الأب لابنه لمجرد أنه ابنه!
إذا أحضرت فأرا ووضعت له الطعم في المصيدة فإنه بصورة تلقائية جدا سيقع فيها .. ولو بعد عشرات أو مئات السنين فعلت نفس الأمر سيقع الفأر في المصيدة أيضا ولا يوجد أي أمل في أن يتطور الفأر حتى "يدون" في ذاكرته التاريخية أن المصيدة خطر يجب الابتعاد عنه!!، الفرق بين الفأر والإنسان أن الإنسان له تاريخ يتعلم منه ويضيف إليه، وهذا هو ما يبني الحضارة الإنسانية كلها، فالإنسان بلا تاريخ يتحول إلى الفأر في المصيدة!! .. ويدهشني كثيرا آراء بعض النشطاء - خصوصا نشطاء (الجيل الجديد) – حول أننا يجب أن نركز على القضايا الداخلية فقط نترك فلسطين والعراق ونصب تركيزنا على البدرشين والوراق!! .. بل وصل الأمر أننا حين كنا نوضح موقفنا ضد المشروع الأمريكي للتغيير في المنطقة يتم اتهامنا بتهمة أننا "تاريخيين"!!

إن ما يُـبقي مبارك في الحكم حتى الآن هو ارتكانه وتحالفه القوي والمتين مع أمريكا وإسرائيل، فالنظام في مصر يعلم جيدا أنه لم يعد مقبولا شعبيا بالمرة وأن مظاهرات 2003 في ميدان التحرير ضد موقفه من حرب العراق وسماحه للطائرات والبوارج الأمريكية بالمرور من مجالنا الجوي ومياهنا الإقليمية وقناة السويس .. ومظاهرات 6 ابريل 2008 في المحلة تعبر عن الحالة الشعبية الرافضة لوجود هذا النظام القابع على رقبة المصريين وأنفاسهم منذ ربع قرن من الزمان، وفي النهاية يريد أن يحول مصر الدولة الكبيرة إلى عزبة تنتقل ملكيتها بصلة الدم من الأب إلى الابن!

والتحالف مع أمريكا باعتبارها الدولة صاحبة أكبر مصالح في المنطقة والموجودة بقوة اقتصاديا في مشروعات البترول وعسكريا في قواعد بالقرب من آباره بالمنطقة يضمن للنظام سكوتها على تجاوزاته فيما يخص الديمقراطية وحقوق الانسان لأن أمريكا بطبيعة تركيبتها العقلية البراجماتية تفضل المصلحة على المبدأ، فهي تنادي بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان وتنتقد دولا كإيران وسوريا لأقل هفوة فيما يخص هذه المواضيع، ولكن حين ينتهك نظام مبارك كل المواثيق الدولية في حقوق الانسان لا يتعدى الأمر العتاب "الرقيق" إن حدث أساسا!!، وما حدث من ضجة عالمية حين قتلت الفتاة الإيرانية ندا سلطان أثناء المظاهرات الأخيرة في طهران ومقارنته بحالة الصمت الدولي حين قتلت أيضا المصرية مروة الشربيني على يد متطرف ألماني يؤكد سياسة الكيل بمكياليين في ملف حقوق الانسان، فالحالة الأولى استدعت أن يصرح أوباما شخصيا بأنه مستاء وحزين لمقتل ندا سلطان ولكنه لم يفتح فمه لمقتل مروة الشربيني أو مقتل صبي المحلة على يد الأمن المصري حينما كان يشاهد من بلكونة بيته مظاهرات 6 إبريل 2008 هذا إلى جانب حالات التعذيب المنتشرة في السجون المصرية!!

في مقابل هذا السكوت من أمريكا يقدم النظام في مصر خدماته "الجليلة" لها ومدللتها إسرائيل، وموقف النظام المصري في حرب غزة الأخيرة كإغلاق معبر رفح في وجه المساعدات الذاهبة إلى قطاع غزة من أدوية وأطعمة في وقت الحرب ومنع قوافل الإغاثة التي نظمتها القوى الوطنية من الوصول إلى شبه جزيرة سيناء أصلا بل وصل الأمر في قافلة السادس من أكتوبر العام الماضي إلى تفريقها بالقوة وضرب النشطاء والسياسيين والصحفيين كبارا كانوا أو صغارا من أمام مجلس الدولة!!، أيضا تصدير الغاز إلى إسرائيل ينقسم إلى قسمين ترتيبهما من حيث الأهمية: الأول أنه لا يجب أن يذهب الغاز المصري إلى إسرائيل من الأساسا لأنها العدو الاستراتيجي لنا والثاني هو بخس ثمنه الذي يكاد يكون مجانا!!
ولذلك من الطبيعي جدا أن تكون أمريكا في صف النظام ولكن هل يعني ذلك أن أمريكا تقف ضد تيار التغيير في مصر، الأجابة بالطبع لا لأن أمريكا ليست كالفأر الذي تحدثنا عنه فهم تعلموا مما حدث لهم حين اعتمدوا بشكل كامل على الشاه في إيران، وكان الشعب ضده وحين تغيرت المواقع وأسقطت الثورة الإيرانية نظام الشاه فقدت أمريكا السيطرة على دولة كانت لفترة طويلة حليفة قوية لها .. فكما نبحث عن التغيير تبحث أمريكا عنه فهي بحاجة لنظام يؤدي لها كل هذه الخدمات التي يؤديها النظام الحالي ولكن يحظى ببعض القبول الشعبي، فقامت بخلق تيار المعارضة (الأمريكية) وسلحته بإعلام أمريكي قوي وطريقة هوليودية لصناعة النجوم حتى تبقى لها القدرة في السيطرة على الطرفين النظام الداخل على توريث والمعارضة له – التي صنعتها واختارتها بعناية – وتتركهم في صراع قد يكون تلقائي ومن يحظى بالقبول أكثر ستلعب لصالحه!!

لقد علمنا التاريخ أن إسرائيل هي العدو الأول لنا أجيالا سابقة أو (جديدة) .. وإسرائيل حليفة أمريكا، وإن كانت أمريكا تحاول لعب دور وسيط السلام في الماضي فقد أصبحت طرفا في الصراع بعد احتلالها أرضا عربية وهي العراق وبالتالي تتحول إلى عدو شأنها شأن إسرائيل فكلاهما يغتصب أراضي عربية .. وعلمنا التاريخ أن أمريكا ومنظماتها المشبوهة كفريدوم هاوس - صاحبة مشروع (جيل جديد) من النشطاء - وغيرها تعمل على صناعة الثورات الملونة التي دائما ما تفرز قيادات موالية لأمريكا بأكثر ما هي موالية لشعوبها مثلما حدث في أوكرانيا وجورجيا وصيربيا .. وعلمنا التاريخ أن التغيير الحقيقي الذي يطلبه الشعب المصري لابد وأن يتناقض مع المشروع الأمريكي للتغيير لتركيبة الشعب المصري وتكوينه الجيني الذي يكره إسرائيل ويتعاطف مع فلسطين والعراق .. وعلمنا التاريخ أن الإنسان لابد وأن يتعلم من تاريخه .. لقد علمنا التاريخ أن الإنسان ليس كالفأر!!

الاثنين، 23 نوفمبر 2009

الشقيقة إسرائيل!!

الشقيقة إسرائيل!!
من أغرب الأمور التي مرت بي هي أن النظام الذي يحكمنا بغلاظة وشدة يتعامل مع إسرائيل بحنان بالغ لا مثيل له!!
فقد وقعت مصر في مايو 2005 (قبل الانتخابات الرئاسية) صفقة مع إسرائيل "لإهدائها" فضلة خيرك يا ريس 1.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي عن طريق شركة غاز شرق المتوسط (EMG) لمدة تترواح بين 15 ، 20 سنة وبسعر "ثابت" 1.25 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية بينما يبلغ السعر العالمي 12 دولار للمليون وحدة حرارية .. هل هناك حنان أكثر من ذلك!!، طبعا ليست القصة حنانا وفقط حتى نكون موضوعيين فالموضوع يتعلق بأن وقت توقيع هذه الصفقة كانت مصر تقترب من الانتخابات الرئاسية وفي حالة عامة من الرفض التام للتمديد للرئيس مبارك أو التوريث لجمال مبارك، فلم يكن أمام مبارك الأب إلا استعطاف أمريكا وإسرائيل والقبول بكافة طلباتهم على طريقة أحلامك أوامر ليبقى على كرسيه فترة رئاسية أخرى ويولع الشعب واللي يتشدد له!
ولأننا أيضا على أعتاب انتخابات رئاسية في 2011م فإن أمريكا تلعب نفس اللعبة وتضغط على النظام من أجل زيادة كمية الغاز المصري الذاهبة إلى إسرائيل، ففي زيارة هيلاري كلينتون لمصر في 4 نوفمبر الحالي طلبت مباشرة زيادة الغاز المصدر إلى إسرائيل وبنفس السعر القديم 1.25 دولار للمليون وحدة حرارية وهو الأمر الذي أشارت إليه الصحف الإسرائيلية بوضوح، كما أشار الخبير البترولي إبراهيم زهران في تصريحات لجريدة الشروق المصرية أن لقاء سامح فهمي وزير البتريول مع الرئيس مبارك في 5 نوفمبر الحالي كان لإخباره بضرورة زيادة الغاز المصدر إلى أسرائيل حتى 3 أضعاف خلال 2010م، وتبلغ الزيادة الجديدة مباشرة 1.7 مليار متر مكعب أي تصبح إجمالي الكمية المصدرة إلى إسرائيل 3.4 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي (المصري)!
وذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية في عددها 19 أكتوبر الماضي على لسان يوسي ميمان الشريك الإسرائيلي في شركة غاز شرق المتوسط أن الشركة وقعت ثلاث عقود لتصدير كميات إضافية من الغاز بسعر 3 دولار للمليون وحدة حرارية ولمدة 18 عام لتغذي 3 محطات كهرباء في مدينة أسدود ورمات حوفيف، كما ذكرت نفس الصحيفة الإسرائيلية أن سعر ال3 دولارات للمليون وحدة حرارية لا يلقى قبول في إسرائيل ولذلك قامت هيلاري كلينتون بالضغط على النظام المصري (الداخل على انتخابات وتوريث) للعودة إلى السعر القديم في الصفقة الأولى عام 2005م وهو 1.25 للمليون وحدة حرارية وأعود وأذكر أن السعر العالمي هو 12 دولار للمليون وحدة حرارية!، ولمزيد من فقعة المرارة فإن الصحيفة الإسرائيلية أبدت دهشتها من مطالب النظام المصري بزيادة السعر من 1.25 دولار إلى 3 دولار بحجة أن الأسعار العالمية زادت بينما تؤكد الصحيفة أن النظام المصري حين وقع صفقة عام 2005م بسعر 1.25 دولار كانت الأسعار العالمية "أكثر من ذلك بكثير"، وأرجعت الصحيفة الاسرائيلية المطالبة بزيادة الأسعار الآن إلى الأصوات المعارضة للصفقة داخل مصر، وقالت الصحيفة الإسرائيلية أيضا أن هذا التعديل في السعر سيسبب زيادة "الأعباء" على المواطن الإسرائيلي حيث تستفيد شركة الكهرباء الإسرائيلة بالسعر المنخفض للغاز في "دعم" فاتورة الكهرباء للإسرائليين والتي انخفضت بعد الصفقة بنحو 20% على الأقل.. كما تمسكت الغرفة التجارية الإسرائيلية بسعر ال 1.25 دولار مؤكدة أن إسرائيل لن تدفع أكثر من ذلك واللي مش عاجبه يشرب من البحر!!
ووسط كل ذلك أعلنت الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي (إيجاس) في 29 أكتوبر الماضي تأجيل بناء الوحدة الثانية من محطة تسييل الغاز في دمياط وتأجيل العمل بالمشروع إلى أجل غير مسمى لحين الكشف عن احتياطيات جديدة من الغاز بسبب أن الموجود الآن يذهب إلى إسرائيل وبالتالي يصبح المثل الشعبي الشهير اللي يحتاجه البيت يحرم ع الجامع لا يعبر عن الحالة المصرية الآن ويتحول إلى اللي تحتاجه "الشقيقة إسرائيل" يحرم على المصريين!!

الاثنين، 16 نوفمبر 2009

عن البديل الرئاسي أتحدث


عن البديل الرئاسي أتحدث


تحدثنا في المقال السابق "الأمور البديهية في العملية الانتخابية" عن بديهيات أي انتخابات سوية والصورة التي عندها يمكن أن نبدأ بالقول أن هناك انتخابات من الأساس، وهي تنقسم إلى قسمين، الأول ضمانات عامة تتعلق بخلق مناخ سياسي يسمح بالمنافسة وتكافؤ الفرص بين المرشحين مثل حرية تكوين الأحزاب وحرية إصدار الصحف وإلغاء قانون وحالة الطوارئ والإفراج الفوري عن كل المعتقلين السياسيين وتعديل الدستور في مادتيه 76 الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية للسماح بالترشح دون تلك القيود المعجزة الموجودة في المادة الحالية والمادة 77 الخاصة بمدد الرئاسة حتى لا يبقى رئيس لآخر نفس فيه يحكمنا بينما هو يقطع أنفسانا معه!
والقسم الثاني يتعلق بالشروط الفنية للعملية الانتخابية ذاتها مثل الإشراف القضائي والدولي وتحقيق مبدأ قاض لكل صندوق انتخابي وعدم السماح بدخول الأمن اللجان الانتخابية ويكتفي بتأمينها من الخارج فقط إلا إذا طلب القاضي رئيس اللجنة دخوله إلى آخر تلك الضمانات التي تسمح بإجراء انتخابات حقيقية وليس من نوعية اضحك الصورة تطلع حلوة!

وقلنا أنه إذا لم تتحقق تلك الشروط والضمانات يصبح الموقف "الطبيعي" الواجب اتخاذه هو المقاطعة العامة - ترشيحا وتصويتا - لتلك المسرحية المبتذلة حتى لا نشارك ككومبارس رخيصي الثمن في فيلم التوريث .. وحينما نذكر كلمة المقاطعة يأتينا رأيان رافضان لها الأول يقول أن تلك الشروط والضمانات منطقية وصحيحة وإذا لم تتحقق يصبح واجب علينا مقاطعة الانتخابات ولكن – ويا خوفي من ولكن- يجب أن تكون المقاطعة شاملة لكل القوى الوطنية وبما أن الأخوان المسلمين "قد" يشاركوا في الانتخابات البرلمانية فلابد ألا نقاطع حتى لا نفتت الجهود! وهذا كلام يصيبني بفقعة المرارة وارتفاع ضغط الدم .. فكيف تكون (مقتنعا) بأن المقاطعة هي القرار الصحيح إذا لم تتحقق الشروط والضمانات البديهية ولكن لأن آخريين قد يشاركوا فأنت ضد المقاطعة .. وردي على هؤلاء بقول الإمام علي "الحق يكون ثم يتبعه من يكون" فإذا تخيلنا أن كل القوى الوطنية وافقت على التوريث أو التطبيع فهل نقبل بذلك حتى لا نشتت الجهود!!
والرأي الثاني يرفض فكرة المقاطعة من الأساس بزعم أنها هروب من المواجهة بين تيار المعارضة الجديدة الجذرية والنظام في تلك الفترة الحاسمة والتاريخية من عمر الوطن وإلى هذا الرأي أكتب هذه الكلمات.

هل المقاطعة هروب؟!
هذا أمر غير صحيح بالمرة لأن طرح المقاطعة الذي طرحته حركة كفاية وامتدادها الطبيعي في ائتلاف المصريين من أجل التغيير لم يكن يتحدث عن المقاطعة باعتبارات الجلوس في المنزل ومشاهدة قنوات الأخبار، بل طرح الائتلاف خطة وبرنامجا شاملا للخروج من المأزق .. يتمحور حول فكرة طرح بديل رئاسي من خارج مسرحية الانتخابات بصورتها الحالية الهزلية والتي حولتها إلى فيلم كارتون، ويكون هذا البديل منتخبا مما أسماه الائتلاف "الجمعية العمومية للشعب المصري" وهي مكونة من كل نواب البرلمان السابقين والحاليين المعارضين وقادة الاحتجاجات والحركات السياسية ومجموعة كبيرة من المثقفين وقادة الرأي العام والقضاة الشرفاء من تيار الاستقلال والنشطاء السياسيين الشباب والمدونين كل هؤلاء يختارون شخصا يمثل (البديل الرئاسي) المطروح ومعه مجموعة تشكل مجلس دولة "تقبل" خوض المعركة ومستعدة لتحمل النتائج والتضحية من أجل الوطن .. وتعمل تلك الجمعية على تسويق الشخص أو مجموعة القيادة تلك بين الشعب المصري عن طريق جمع توكيلات لهم على غرار توكيلات "ثورة" 1919 .. وعقد مؤتمرات شعبية في كل قرى مصر لتعريف الناس بهم.

وانتشرت في الآونة الأخيرة حمى تأيدية لأشخاص بعينهم معظمهم أو كلهم لهم تقدير خاص عندي وعند عامة الشعب المصري ومعظمهم أو كلهم أيضا لن يتمكنوا وفقا للظروف الحالية من الترشح نظرا للتعديل الدستوري المفصل على مقاس الوريث .. وبالتالي من الأجدى للوقت والجهد العمل خارج الإطار والملعب الذي رسمه لنا النظام عن طريق العصيان المدني ولا نبقى متشبثين بأمل أن يمن علينا النظام بانتخابات بها شبهة الانتخابات أصلا! .. لذلك نطرح فكرة البديل الرئاسي الذي تحدث عنه ائتلاف التغيير وهو يتيح لنا خوض معركة سياسية وشعبية ضد هذا النظام من غير أن يكون محددا لنا سلفا أرض المعركة وعلى ملعب النظام ووسط جماهيره بل أن يكون الحكم في هذه المباراة هو النظام أيضا!!

الاثنين، 2 نوفمبر 2009

الأمور البديهية في العملية الانتخابية!


الأمور البديهية في العملية الانتخابية!


كلما فتحت جريدة مستقلة أو حزبية تنهال على رأسي الكثير من الترشيحات الرئاسية لانتخابات عام 2011م القادمة .. تارة عمرو موسى يبقي الباب مواربا .. محمد البرادعي لا ينفي ترشحه للرئاسة .. أيمن نور يزور الغردقة عائدا من الأقصر .. استطلاعات للرأي كل يومين تؤكد تفوق فلان على علان .. إنها لعبة الديمقراطية التي كذبناها وصدقناها، يذكرني هذا المشهد العبثي بعادل إمام في مسرحية شاهد مشفش حاجة حينما دفع فاتورة التليفون خوفا ليشيلوا العدة بينما يكرر ساخرا عبارة "مع إني معنديش تليفون!!" .. وهل نحن لدينا انتخابات يا أساتذة لننشغل بمن سيترشح ومن سيتكرم ويفكر ومن يبقي الباب مواربا بينما يتم تصعيد جمال مبارك على رقاب كل هؤلاء الذين ربما بحسن نية يلعبون دور الكومبارس في فيلم التوريث!

أعلم أن المرحلة التاريخية التي تمر بها المنكوبة والمنهوبة والمتبهدلة يا ولداه مصر المحروسة سابقا هي مرحلة خطيرة وحساسة .. فهي المرحلة التي سيتحدد فيها مستقبل مصر في الربع قرن القادم وربنا يستر ولا يكون كالربع قرن الماضي! .. ولكن لابد أن نعي جيدا أن أي انتخابات في ظل الظروف السياسية الموجودة الآن هي خدمة مباشرة للنظام والحزب الوطني والوريث المنتظر جمال مبارك، لدينا في مصر نظام حزبي يمثل "بدعة" عجيبة في التاريخ الانساني كله فأنت إذا فكرت أن تؤسس حزبا فعليك أن تجمع ألف توكيل وتعد برنامجا وتذهب به إلى ما يطلق عليها لجنة شؤون الأحزاب والتي يرأسها بالطبع أمين عام الحزب الوطني صفوت الشريف لتقول كلمتها فإما أن توافق "أي يوافق الحزب الوطني عليك لتعارضه" .. أو ترفض في جملة شهيرة أن برنامج الحزب غير متميز .. ما هو من الطبيعي أن تراه غير متميز يا سيد صفوت وإلا لكنت استقلت من حزبك وانضممت إلى الحزب المتميز الجديد كيف بالله عليكم أن نسمي ما هو موجود الآن نظام حزبي يمكن أن يفرز قيادات تنافس في الانتخابات الرئاسية والتشريعية .. إنها أحزاب بالتكليف الرسمي ولا أريد أن أن أذكر واقعة طربوش حزب الأمة الشهيرة لصاحبها أحمد الصباحي!
ولدينا في مصر قانون وحالة طوارئ تعطي صلاحيات مهولة لجهاز الأمن فيصبح هو المسيطر على العملية الانتخابية من أولها لآخرها خاصة بعد غلق آخر مصباح وهو الإشراف القضائي على الانتخابات لينتهي آخر بصيص من نزاهة في العملية الانتخابية وكانت العينة بينة في انتخابات المحليات والتجديد النصفي لمجلس الشورى حيث كانت النتيجة هي لم ينجح أحد إلا إذا كان عضوا في الحزب الوطني أو (مظبط معاه)! .. وجماعة الإخوان المسلمين التي حصلت على خمس مقاعد مجلس الشعب فجأة اختفت فلم تفز بأي مقعد في انتخابات الشورى التي تم إجرائها بعد إلغاء الإشراف القضائي!

وإذا أردنا أن نوجد انتخابات حقيقية ليست ديكورية من نوعية اضحك الصورة تطلع حلوة فلابد أن يوجد مجتمع سياسي يفرز قادته بصورة تلقائية أي يوجد حرية لتكوين الأحزاب بمجرد الاخطار وإلغاء ما تسمى لجنة شؤون "تخريب " الأحزاب تلك .. يجب أن توجد حرية لإصدار الصحف وأرجو ألا يقول لي أحد أن هناك حرية صحافة في مصر الموجود الآن هو من حقك أن تتكلم ومن حقي أن استخدم قوانين الحبس في قضايا النشر وأرجو تذكر ما حدث للأساتذة إبراهيم عيسى وعبدالحليم قنديل وعادل حمودة ومجدي حسين ووائل الإبراشي من ملاحقات قضائية بسبب كتاباتهم المعارضة للنظام الفاسد المستبد بل وصل الأمر إلى الاختطاف والتعدي بالضرب والابعاد من الكتابة في مصر كما حدث مع عبدالحليم قنديل والمحاكمة العسكرية وغلق جريدة الشعب مع مجدي حسين!

وإذا أردنا أن نوجد انتخابات حقيقية يجب أن تتخلص مصر من تلك القوانين سيئة السمعة مثل قانون الطوارئ والافراج الفوري على كل المعتقلين السياسيين المقدرين بالآلاف .. يجب أيضا وجود رقابة دولية وقضائية تضمن حيادية العملية الانتخابية من أول فتح باب الترشيح وحتى إعلان النتائج .. وقبل كل ذلك يجب تعديل الدستور ليتيح حرية الترشح دون القيود التي تجعل أمر قبول الترشح مرتهنا بأن يكون اسم المرشح جمال محمد حسني مبارك!
هذه الضمانات والشروط هي خلاصة المشاروات التي استمرت شهورا بين مختلف القوى الوطنية والنخبة السياسية في ائتلاف المصريين من أجل التغيير وما عبر عنه في الوثيقة التي أعدها الإتلاف والتي تقوم على فكرة أن إذا ما لم تتحقق هذه الشروط والضمانات البديهية في الانتخابات يصبح دخولها سواء تشريعية أو رئاسية أمرا مرفوضا وتبدي فكرة المقاطعة .. تظهر في نفس الإطار أصواتا لا أفهمها تقول بأن هذه الشروط رائعة ولكن نرفض المقاطعة ولا أعلم كيف تقول أنك تريد تعديل النظام الانتخابي وتطالب بذلك وحين لا يحدث التعديل تقبل بالنظام القديم وكأن شيئا لم يكن فلماذا المطالبة بتعديله إذن إذا كنت ستوافق عليه كما هو في النهاية وتدخل الانتخابات بغض النظر عن التعديل من عدمه .. صبرنا يا رب!!
قد يقول البعض أن فكرة المقاطعة ما لم تتوفر الضمانات والشروط السابقة هي فكرة للهروب من المواجهة الحتمية بين قوى المعارضة الجذرية والنظام في تلك المرحلة التاريخية، وهذا أمر غير صحيح بالمرة فتيار المعارضة الجذرية والذي أسست له وقادته حركة كفاية وامتدادها الطبيعي المتمثل في ائتلاف المصريين من أجل التغيير ليس من دعاة الجلوس في البيت ومشاهدة قنوات الأخبار ثم التحول إلى لعب دور رد الفعل ولكن هو التيار صاحب المبادرة دائما .. فما هو دوره في هذه المرحلة التاريخية إذا لم تتحقق الشروط والضمانات وقرر مقاطعة الانتخابات؟! .. سيكون هذا هو محور الحديث الأسبوع القادم.
وللحديث بقية

الاثنين، 26 أكتوبر 2009

امسك حرامي!

امسك حرامي!


أعتقد – والله أعلم – أن الحديث المتواصل عن توريث الحكم لجمال مبارك عمال على بطال في وسائل الإعلام المختلفة ربما يكون مدعوما من القائمين على عملية التوريث ذاتها، إذ أن من طبيعة الشعب المصري – وربنا ما يقطعله عادة – التكيف مع الزن أليس هو القائل الزن على الودان أمر من السحر؟!
والهدف المطلوب قد يكون هو حمل المصريين على "الاعتياد" بالربط بين اسم جمال مبارك وتخيله – والشر برة وبعيد – رئيسا قادما للجمهورية، وأعتقد أن هذا الربط قد تحقق بالفعل عند أغلبية المصريين لدرجة أنك بمجرد ذكر اسم جمال مبارك لدى أي مواطن بسيط تجد تعليقات مختلفة ساخرة لكنها دائما تحمل معنى أنه يسعى لكي يحكمنا.

حينما فكرت وزملائي من جيل الشباب في المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا .. فنحن الجيل الذي سيسائلنا أبناؤنا وأحفادنا إذا تم موضوع التوريث عن سكوتنا عليه وأين كنا لحظات تحويل مصر البلد الكبير في التاريخ والممتد في الجغرافيا إلى عزبة تنتقل ملكيتها بصلة الدم من الأب إلى الابن ليلهو بها كيفما يشاء!، وجدنا كما ذكرت أن مجرد مناقشة قضية التوريث في حملات إعلامية وإن كانت تحتوي على هدف نبيل وهو رفض التوريث فإنها – وبحسن نية أحيانا – قد تؤدي إلى خلق حالة من اليأس والتعود والتكيف مع الأمر تخدم الوريث المنتظر بأكثر مما تخدم الشعب .. واهتدينا إلى أن ما يجب طرحه الآن هو الحديث عن محاكمة جمال مبارك وليس الحديث عن توريثه..

وببساطة محاكمة جمال مبارك سواء شعبيا أو حتى قانونيا أمر بديهي لعدة أسباب:

الأول: أن جمال مبارك قد تكونت لديه ثروة مالتي مليارية لا أحد يعلم كيف نشأت ولا حتى المفتش كورمبو وأعوانه!، فليس من المعقول أن المصروف الرئاسي – على الرغم من ضخامته بالتأكيد – الذي يعطيه الأب لابنه قد تسبب في كل تلك الأموال الطائلة .. والأكثر إثارة للدهشة هو اعتراف الرئيس الأب نفسه أثناء حوار صحفي أجراه مع الكاتب مكرم محمد أحمد في مجلة المصور أواسط التسعينات من أن جمال مبارك يشتري ديون مصر لصالح بنك "أوف أمريكا" الذي كان يعمل به أي أن المحروس كان يتاجر في ديون مصر مستخدما بذلك بفوذ والده في مؤسسة الرئاسة بلا أدنى إحساس بالملايين من المصريين تحت خط الفقر فهو لا يعلم بكل تأكيد إلا الملايين الذاهبة إلى حسابه في البنك!!

والثاني: لأنه منذ سقوط جمال مبارك "الباراشوتي" على الحياة السياسية المصرية وهو يقوم بأدوار ليست له كرئاسة اجتماعات الوزراء حتى في وجود رئيسهم "طويل القامة" .. يسافر خارج البلاد في زيارات رسمية تحضر لها السفارة المصرية في البلد المسافر إليها وكأنه مسؤل تنفيذي، ويلتقي رؤساء دول ومسؤولين أجانب يتحدث خلالها باسم المصريين الذين لم ينتخبوه لأي منصب رسمي أو شرفي ولا أعتقد أنه يقابل رؤساء دول حاملا سلامات الأب وفقط!، فهو يعد بذلك منتحلا لصفات ليست له.

والثالث: هو ما قام به ورفاق السوء من المجموعة الاقتصادية في الحكومة من تجريف واسع للثروة القومية عن طريق البيع العشوائي لشركات القطاع العام ومؤسساته في عمليات خصخصة غير مدروسة امتلأت بالفساد حتى أن رائحتها قد فاحت في صفقات كبيرة كبيع عمر أفندي وبنك الاسكندرية.

ومن هذا المنطلق عملنا على تأسيس (الحملة الشعبية لمحاكمة جمال مبارك) التي تضم الكثير من الشباب المصري الحر الرافض لكل هذه المهازل التي ذكرناها .. والمتحمل لمسؤوليته التاريخية في وطن يباع ويسرق .. نحمل على عاتقنا واجبنا تجاه الوطن وتجاه الأجيال القادمة، نهدف إلى أن نفك الارتباط بين اسم جمال مبارك وتخيله مرشحا لرئاسة الجمهورية، وانشاء ارتباط جديد بين اسمه وقولك بصوت عال "امسك حرامي"!!

الاثنين، 19 أكتوبر 2009

حملات فريدوم هاوس

حملات فريدوم هاوس


في اللحظات الحاسمة والخطيرة من التغيرات التاريخية تتشابك الخيوط وتتداخل الأغصان نظرا لتعقيد الموقف والتشابكات السياسية الكثيفة، فتحجب الرؤية عن العين المجردة ويصبح الاقتراب أكثر وأكثر هو الوسيلة الوحيدة لكشف الحقائق واستجلاء الصورة الصحيحة.
وما تمر به مصر هذه الأيام هي حالة شديدة التعقيد من التجاذبات السياسية ومعادلة بات حلها أمر غاية في الصعوبة، إذ أن الوقت يجري وميعاد استحقاق الانتخابات الرئاسية يقترب بين حديث عن التمديد للرئيس الأب والتوريث للوريث الابن واحتمالات أخرى تؤكد
– بل وتتمنى وترجو – أن المؤسسة العسكرية سيكون لها الدور الأكبر في حسم النتائج النهائية التي ستحدد مصير هذا الوطن ومستقبله الظاهر كأنه في منحنى على النهر لا تستطيع أن تحدد إن كان بعد هذا المنحنى مياه هادئة أم شلال قد يقلب القارب ويطيح براكبيه.

بعد 28 عاما من حكم نظام مبارك حدث خلالها الكثير من المآسي يحتاج لذكرها مجلدات تمتلئ صفحاتها بأخبار نظام أصبح يعادي كل طوائف وفئات شعبه، فمن شباب الأطباء الذين يعانون ارتفاع تكاليف استكمال دراستهم والحصول على الماجستير والدكتوراه وشراء المراجع العلمية اللازمة لهم بينما يحصلون على مرتبات هزيلة لا تمكنهم حتى من العيش بكرامة، إلى أساتذة الجامعات الذين كان ينظر لهم باعتبارهم طبقة راقية، وهو أمر طبيعي أن تقدرهم الدولة لكونهم علماء يخرجون أجيالا هي التي ستحمل لواء الحضارة لهذا البلد، لكننا في السنوات الأخيرة رأينا هبات أساتذة الجامعات من حركة 9 مارس الرافضة لتدخل الأمن في الجامعات والطالبة بمرتبات محترمة تكفل لأساتذة الجامعات حياة تليق بمكانتهم العلمية ومتماشية مع نظرائهم في كل دول العالم المتقدمة وحتى النامية .. وشهدت أيضا سنين حكم مبارك احتجاجات واسعة من القضاة الشرفاء مطالبين باستقلال القضاء وعدم تحكم السلطة التنفيذية في سير شؤون العدالة بالترهيب والترغيب عن طريق ندب القضاة ومد السن وغيره من المؤثرات التي تضرب فكرة استقلال القضاء بخنجر وزير العدل .. والمهندسين الذين يصرخون مطالبين بنقابة دون حراسة رغم حصولهم على العديد من الأحكام القضائية لإجراء انتخابات في نقابة المهندسين لكن الدولة ترفض وتبقى أزمتهم معلقة منذ ما يقرب من 14 عاما .. وتستمر الاحتجاجات في كل مكان حتى سائقي المقطورات والعربات الكارو والعمال في وضع مختل لنظام لا يؤيده أحد من شعبه وما يبقيه هو ارتكانه على عصا الأمن المركزي!

كما ارتكب هذا النظام على مدار سنوات حكمه الكثير من الجرائم في حق دور مصر التاريخي وثقلها الطبيعي في المنطقة عبر اتخاذه مواقف تتنصل لذلك الدور مثل اشتراك مصر في حرب الخليج الأولى 1990 ضد دولة عربية شقيقة وهي العراق، وسماحه بمرور الطائرات والبوارج الأمريكية الذاهبة لاحتلال العراق الشقيق من خلال قناة السويس والأجواء المصرية في عام 2003، وموافقته على تصدير الغاز المصري الذي هو ثروة قومية لهذا الجيل والأجيال القادمة إلى العدو الاستراتيجي الأول للبلاد إسرائيل بسعر أقل من سعر تكلفته بينما يرفع أسعار كل السلع على مواطنيه ليتميز هذا النظام بالسخاء مع إسرائيل والغباء مع المصريين!!
وموقفه المتواطئ خلال حرب إسرائيل على قطاع غزة حين أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك تسيبي ليفني عزم إسرائيل قصف قطاع غزة عبر مؤتمر صحفي جمعها بوزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط وبعد لقائها مبارك في القاهرة لتصورها الكاميرات ويد أبو الغيط تحتضن يدها في حنان بالغ أثناء هبوطها درجات السلم!

بعد كل هذا الميراث الثقيل من الانهيار السياسي بل والأخلاقي لنظام احتكر السلطة والثروة أكثر من ربع قرن لم يكتفي خلالها بما حدث بل أراد أن تستمر هذه الحفرة الحضارية العميقة التي أوقعنا فيها بالاتساع عن طريق توريث السلطة لمبارك الابن وإعداد المسرح بديكور جذاب حتى تبدو اللعبة وكأنها تلقائية بينما تلك التلقائية تنطوي على خبث شديد، فيتم تعديل الدستور لتتحول المادة 76 الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية إلى مادة لا تقبل إلا وأن يكون اسم المرشح هو جمال محمد حسني مبارك بينما تبقى المادة 77 والتي تتيح لرئيس الجمهورية الترشح مدى حياته دون أي تعديل لتضمن استمرار جمال في الحكم عدد سنوات والده وربما يورث السلطة لنجله أيضا!
صاحب ذلك التعديل القضاء على آخر أمل في اي انتخابات بها شبهة نزاهة عن طريق إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات لتتحول إلى تعيينات إدارية، وهو الأمر الذي وضح خلال انتخابات المحليات وانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى وكانت النتيجة هي لم ينجح أحد إلا إذا كان عضوا في الحزب الوطني!

ولأن مصالح أمريكا في المنطقة قوية للغاية، ومنذ توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد ودورها هو رعاية المصالح الأمريكية والإسرائيلية بل وخدمتها كما ذكرنا عن طريق تنازلات قدمتها مصر خلال ال 28 عاما من حكم مبارك لصالح أمريكا وإسرائيل فإن من الطبيعي أن تهتم أمريكا بمستقبل الحكم في مصر وليس الأمر بالسذاجة التي تحاول السفيرة الأمريكية مارجريت سكوبي خداعنا بها من أن أمريكا لا يعنيها مستقبل الحكم في مصر وأنه شأن داخلي!!
ولأن أمريكا لا تترك شيئا للمصادفة فإنها تترك كل أطراف اللعبة تتصارع بشكل يبدو تلقائيا ولكنها تحتفظ لنفسها بالقدرة دائما على تحريك مجريات اللعبة من الطرفين!

في نفس الإطار انطلقت حملة ضد التوريث اسمهوها "مايحكمش" وقد جاءتني دعوتها عن طريق الانترنت كالكثير ممن تلقوا تلك الدعوة العامة وذهبت .. ربما لأقترب وأعرف وأحلل الوضع وربما لاعتقادي أنه قد تتوحد النخبة خلف هدف واحد وهو رفض التوريث .. ما غاب عني وقتها هو لقاء د/أيمن نور الداعي للحملة قبل يوم واحد لإطلاقها مع منظمة فريدوم هاوس المشبوهة ذات العلاقة الوثيقة بجهاز المخابرات الأمريكية والتي سبق أن خضت معركة مع زملائي ضدها وضد مخططاتها الخبيثة في مصر، ولست الآن في موقف إثبات أنها منظمة ذات علاقات قذرة بتجارب التغيير الملون في العالم وعن تاريخها المشبوه وعلاقتها بال CIA ومن يريد أن يعرف معلومات أدق يمكنه قراءة مقالي الثالث من سلسلة وهم التغيير المستورد "التغيير الملون والمنظمة المشبوهة".
وبما أني الآن قد وضحت الصورة أمامي كاملة، ومن الشجاعة الاعتراف بالخطأ وعدم التمادي به فإنني أعترف بخطئي لحضوري المؤتمر التأسيسي لهذه الحملة كونها ممولة من تلك المنظمة المشبوهة ..
وأدعو كل الشرفاء الذين ذهبوا بحسن نية للمشاركة في حملة ضد التوريث إلى عدم التمادي والغوص في هذا المستنقع الأمريكي الرامي إلى أن تسيطر أمريكا على كل الخيوط بشكل كبير من خلال تنسيقها مع الوريث ومعارضيه أيضا!!
وإذا أردنا أن نوحد النخبة خلف هدف رفض التوريث فيجب أن يكون ذلك التوحد دون أي دعم من منظمة فريدوم هاوس أو غيرها من المنظمات ذات الصلة بالمخابرات الأمريكية.

إن التغيير الحقيقي لن يكون أبدا من خلال التعاون مع تلك المنظمات الممولة من المخابرات .. التغيير الحقيقي الذي سيطالب به غالبية الشعب لابد وأن يتصادم مع المصالح الأمريكية لتعاطف المصريين بطبيعتهم مع الشعب العراقي الشقيق والقضية الفلسطينية وكرهم المتوارث والجيني للكيان الصهيوني وجرائمه.
فإننا حين نبحث عن التغيير يجب أن نحذر من الخداع وخفة اليد الأمريكية التي تعمل لسرقة أمل التغيير مننا .. لذلك أدعو كل شريف أن يعارض التوريث الذي كلنا نعارضه ولكن دون أن يتورط في تأييد تلك الحملات المشبوهة..

اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد.

الاثنين، 5 أكتوبر 2009

الذين عبروا والذين هبروا!!

الذين عبروا والذين هبروا!!

في الذكرى ال 36 لحرب أكتوبر المجيدة أقف متأملا حال مصر وقد أصابها كل المصائب وأصبح المواطن المصري – المفروض أنه منتصر – يعاني أشد المعاناة في رزقه وأكله الملوث ومياهه التيفودية وعبارته الغارقة ودويقته المنهاره فوق رأسه ورأس أبنائه وقطاره المحترق!
ماذا حدث لهذا الوطن أهكذا يكون الانتصار؟! فماذا تكون الهزيمة إذن؟! .. أين ذهبت ثمار حرب أكتوبر التي كان يجب أن تعود إلى الشعب ليتحقق له الرخاء كما وعدوه وقتها؟!
ما حدث هو أن تلاشت التقسيمات الطبقية الشهيرة من طبقة دنيا ووسطى وعليا وتلاشت الشرائح في كل طبقة لتنتهي البلاد إلى حد فاصل بين الذين عبروا والذين هبروا!!
فالجيش المصري قائم على مبدأ التجنيد الوطني العام وبالتالي فهو يعكس بصدق حال المصريين "الحقيقيين" فالذين عبروا هم أبي وأبوك وأخي وأخوك وعمي وعمك وخالي وخالك أناس مثلنا تماما يفطرون على الفول والطعمية والباذنجان المقلي .. يعشقون أم كلثوم وعبد الحليم حافظ يتنزهون على كورنيش النيل والقناطر الخيرية في شم النسيم، أما الذين هبروا فينتمون إلى عالم آخر يأكلون الفواجرا بالشامبليون ولا يسمعون أغانينا العربية يتنزهون في بورتو مارينا وبورتو العين السخنة وشرم الشيخ!
الذين عبروا مصريين من نبت هذه الأرض الطاهرة تكتسي وجوههم بسمرتها يتعلمون في مدارسها وجامعاتها حيث الزحام والتكدس سواء في مكان تحصيل العلم أو في المواصلات المؤدية إليه من أتوبيسات النقل العام الذاهبة إلى الانقراض أو مترو الأنفاق أو حتى الميكروباصات .. أما الذين هبروا فلا تراهم في تلك الجامعات والمدارس الحكومية فلهم تعليمهم ولنا تعليمنا فمدارسهم وجامعاتهم الإنجليزية والأمريكية والألمانية تزيد من هول الفجوة بين العالمين فلهم ثقافتهم الغير مصرية بالتأكيد ولنا ثقافتنا وتاريخنا الذي لا يعلمون عنه شيئا، يركبون سيارتهم ذات التكييف والزجاج المغلق حتى لا يستمعون لمعاناتنا اليومية وليزيد هذا الحاجز الزجاجي من التقسيمة البشعة التي فرضها البيزنس على أبناء الوطن الواحد.
الذين عبروا هم من دفعوا الدم وحشدوا كافة الإمكانيات المادية والبشرية هم من وقفوا في الطوابير سواء كانت أمام الجمعيات الاستهلاكية في زمن الحرب للحصول على الدجاج واللحوم أو أمام طوابير الخبز والمياه في زمن السلم .. أما الذين هبروا فلا يعرفون في حياتهم معنى لكلمة الطابور من الأساس!
الذين عبروا متدينون بطبيعة الشعب المصري الذي احتضن الأديان الثلاثة من قديم الأزل بل من نادى للتوحيد من أيام إخناتون .. لذلك هتفوا هتافا واحدا مسلمين وأقباط وهم يدكون حصون بارليف فقالوا الله أكبر .. أما الذين هبروا فتجدهم في ديسكوهات مارينا وشواطئها يرتكبون الفجر ويشربون الخمر ويرتدون المايوهات البكيني!
الذين عبروا من كل مصر من القاهرة والدلتا والصعيد ومدن القناة فهم أهل مصر الحقيقيين وأغلبية سكانها وأبنائها الأبرار، أما الذين هبروا فهم "شلة" من المنتفعين بسياسات الحزب الوطني ولجنة سياساته.
الذين عبروا هم الأبطال والشهداء والذين هبروا هم أمثال هشام طلعت مصطفى وممدوح اسماعيل وهاني سرور وأحمد عز!
الذين عبروا عدوهم الطبيعي والمنطقي هو الكيان الصهيوني وكل من يقف في صفه ويتحالف معه أما الذين هبروا فيحميهم الكيان الصهيوني ويتحالفون معه باعتباره "شقيق" ضد المقاومين الرافضين لبيع الأرض والعرض!
الذين عبروا هم من يقف ضدهم هذا النظام الحامي للذين هبروا والمرتمي في حضن أعداء البلاد والقابع في شرم الشيخ يخشى من أهل القاهرة لأنه لم يعد منهم بعد انضمامه للفريق الأخر، وما يحدث الآن من محاولة فرض جمال مبارك لخلافة والده هو محاولة من الذين هبروا للاستيلاء على باقي الوطن من الذين عبروا فجمال مبارك ينتمي بصورة أكثر وضوحا للهابرين بتعليمه الأجنبي سواء في المدرسة أو الجامعة واحترافه للبيزنس وملياراته الممصوصة من دماء الذين عبروا ليحموا هذا الوطن!
الذين عبروا "نحن" أبناء مصر .. والذين هبروا "هم" أعداء مصر!!

إشارة:
ما حدث الجمعة الماضية في الجامع الأزهر الشريف أثناء المظاهرة التي دعى إليها حزب العمل واستجاب لها كافة القوى الوطنية لنصرة الأقصى كمنع شرطة مبارك المصليين من الصلاة في الجامع الأزهر هو نفس ما يفعله "الاحتلال" الصهيوني في المصليين بالمسجد الأقصى وهذا يدل على التحالف الوثيق بين مبارك والصهاينة!

الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

نظام أكثر فسادا!


نظام أكثر فسادا!


صدر منذ أيام قليلة تقرير مؤسسة الشفافية الدولية السنوي ليعلن عن تراجع مصر في محاربة الفساد – قال يعني كانت بتحاربه قبل كدا – مؤكدا تراجع مصر إلى المركز 115 من 180 دولة في مجال محاربة الفساد حيث سجلت "المنهوبة" مصر المحروسة سابقا 2.8 نقطة على مؤشر الفساد المكون من 10 نقاط وتعتبر الدولة أكثر نزاهة كلما اقتربت من العشرة وأكثر فسادا كلما اقتربت من الصفر واحنا 2.8 يعني في الحضيض بالصلاة ع النبي!!
لم تصمت الحكومة المصرية ربنا يديها الصحة فهذه الأرقام تضر بسمعة مصر اللي هي يا مشاء الله في السما فعلق الأستاذ ناصر فؤاد المتحدث الرسمي باسم وزارة التنمية الإدارية بقوله إن هذه الأرقام غير معقولة وغير مقبولة وأنا أشك في صحتها ..بل أكد السيد ناصر فؤاد أن تأخر مصر على مؤشر الفساد دليل على أن الحكومة أصبحت جادة في محاربة الفساد لأنها هي التي تظهر وقائع الفساد وتحقق فيها .. طبعا فيما يبدو أن مؤسسة الشفافية الدولية عملت مؤامرة صهيونية أمريكية حتى تسئ إلى مصر مثلما يريد فاروق حسني أن يداري على (سقوطه) في انتخابات اليونسكو لأن الحكومة في مصر لم تتعود أن تسقط في أي انتخابات!!
والأكثر إثارة للشفقة وفقعة المرارة وارتفاع الضغط والسكر قول الأستاذ ناصر فؤاد أن المواطنين هم الذين يعرضون الرشوة على الموظفين بينما لا يطلبها الموظفون منهم .. وكأن الرجل يعيش في كوكب ثاني ولا يعلم أنه لا يمكنك أن تقضي أي مصلحة في أي جهة حكومية إلا بعد دفع الاكرامية أو الشاي أو الاصطباحة التي أصبحت عرفا وعملا شبه مقننا وليس المواطن المصري "فنجري" أو بيموت في الحرام فيدفع الرشوة دون أن تطلب منه بالذمة ده كلام ناس عاقلة!!

لماذا نذهب بعيدا ولكم فيما نشرته جريدة الوفد بتاريخ 21 سبتمبر الماضي في صدر صفحتها الأولى تحت عنوان "مسخرة طبية في مستشفى حكومي جدا" أكبر دليل على مدى الترهل والفساد المستوطن لكل أجهزة الدولة، فالقصة تعود إلى صدور قرار من محافظة الجيزة يلزم أولياء الأمور بتقديم شهادات صحية تفيد بخلو أبنائهم من الأمراض المعدية قبل العام الدراسي الجديد حرصا من حكومتنا الجميلة الطيبة على عدم انتشار أنفلونزا الخنازير بين الطلبة والطالبات، وتم تقسيم المدارس على مستشفيات الجيزة فكان نصيب كل مستشفى 10 مدارس، وكالعادة المصرية البحتة انتشرت الفوضى والزحام وما خفي كان أعظم .. إذ تمكنت جريدة الوفد من استخراج شهادات صحية (نشرتها في نفس العدد) من مستشفى بولاق الدكرور العام بخلو كلا من حاتم مصطفى الجبلي (وزير الصحة) و يسري صابر الجمل (وزير التربية والتعليم) و سعاد محمد حسني (سعاد حسني الممثلة المتوفاة في 21 يونيو 2001) و زينب خليل محمد (الاسم الحقيقي للفنانة سامية جمال المتوفاة في 1 ديسمبر 1994) من الأمراض المعدية وسلامة القلب والصدربهم!!
وتحمل هذه الشهادات ثلاث توقيعات لمسؤول شئون المرضى ورئيس القسم ومدير المستشفى ومختومة بختم النسر شعار الجمهورية أي أنك بمبلغ خمس جنيهات فقط لا غير تستطيع استخراج هذه الشهادة بخلو أي اسم من الأمراض حتى لو كان وزيرا أو فنانا أو حتى متوفي!!
وطبعا ردت الحكومة حرصا منها على سمعة مصر يا ولداه فأصدرت وزارة الصحة بيانا نسبت فيه تصريحات للدكتور مصطفى المراغي وكيل وزارة الصحة بالجيزة بأن الشهادات الصحية التي نشرتها الوفد مزورة ولكنه تراجع في اليوم التالي وأكد أنه لم يتهم الجريدة ولا يشكك في أي من "السادة" الصحفيين بها ولكنه أمر بالتحقيق في الواقعة!
كما تلقى رئيس تحرير الوفد اتصالا هاتفيا من وزير الصحة طلب فيه الوزير تسليم "أصل" الشهادات حتى تتأكد الوزارة من صحتها! لكن طبعا رئيس التحرير رفض وطلب من الوزير ارسال لجنة من وزارة الصحة تعاين الشهادات داخل مقر الجريدة أو ارسال الجريدة للوزارة 500 نسخة من الشهادات لمعاينتها وما زلنا ننتظر!
خلاصة الكلام وجود هذا النظام بحكومته وأجهزته يضر بوجود الإنسان المصري وقد يهدد بقاؤه فقد وصل الفساد إلى طريق الاعودة .. ولم يعد يجدي مطالبة أحد أيا كان بإصلاحات كتغيير وزير أو موظف "فالسمكة تفسد من رأسها" .. ليس المسؤول هو وزير الصحة ولا التنمية الإدارية فهؤلاء يعينهم ويقيلهم فردا واحدا .. أجل أقصده إنه الرئيس .. العصيان المدني هو الحل!

الاثنين، 14 سبتمبر 2009

العبرة المنسية في التجربة الجابونية!





العبرة المنسية في التجربة الجابونية!

حينما تشاهد فيلما عربيا من نوعية أن الخير يجب أن ينتصر في آخره هذا ما يحدث: يقفز البطل وتتطاير خصلات شعره وهو يلقن العصابة الشريرة درسا في فنون الضرب لن ينسوه أبدا فيضرب بمفرده كل أعضاء العصابة ورئيسهم ويصاب إصابة طفيفة في صباعه الأصغر ثم يصل البوليس مع سقوط آخر رجل من العصابة ليقبض عليهم جميعا، وفجأة تظهر البطلة التي كانت إما مخطوفة أو هي التي أحضرت البوليس لتتزوج البطل ويعيشوا في تبات ونبات ويخلفوا صبيان وبنات! .. تجد نفسك دائما ترى الأحداث قبل وقوعها ويأخذك الزهو بهذه العبقرية الفذة التي تجعلك تعرف وتتوقع بأن البطل سيفعل كذا وكذا.
وإذا نظرنا إلى التجربة الجابونية في "التوريث" من الرئيس الراحل عمر بونجو المولود عام 1935م والذي كان ظابطا في "سلاح الطيران" ثم اختاره الرئيس الذي سبقه في حكم الجابون ليون إمبا نائبا له عام 1966م ويتوفى بعدها بعام ليتولى عمر بونجو حكم الجابون منذ عام 1967م ولمدة 42 عاما بينما بقى الشعب الجابوني "الشقيق" فقيرا مقهورا ممنوعا من أي حرية، وقد علم عمر بونجو الأب أن بقاؤه في الحكم طيلة عمره مع رفض الشعب له وكرهه لعائلته ولفساد نظامه وحكومته وحزبه الحاكم "الحزب الديمقراطي" لن يتحقق إلا برضا الدولة العظمى ذات النفوذ في بلاده وكانت فرنسا "زي أمريكا عندنا كدا" .. فباع لها أو قل "أهداها" عقود استثمار نفط الجابون وثرواته الطبيعية على الرغم من الفقر الشديد الذي يأكل جسد شعبه المسكين المحروم من ثرواته تلك التي يتمتع بها فقط بونجو وعائتله وحزبه ونظامه وفرنسا المتحالفة معه!
أما الوريث علي بونجو فقد بدأ حياته السياسية سقوطا بالبارشوت "بالظبط زي واحد صاحبنا" .. فقد تولى بونجو الابن منصب وزير الخارجية عام 1989م وكان عمره وقتها لم يتجاوز 30 عاما وبمناسبة بلوغ المحروس علي بونجو عامه الأربعين كان على والده عمر بونجو مكافأته بهدية عليها القيمة فأعطاه منصب وزير الدفاع حتة واحدة وبونجو الابن مكدبش خبر فأحسن استغلال هذا المنصب في توطيد علاقته بالعسكريين عن طريق توفير جميع الوسائل التي تجعل حياتهم رغدة من مساكن فاخرة إلى سيارات فخمة وبزات جميلة والكثير من الامتيازات التي جعلت منهم طبقة منفصلة عن باقي الشعب الجابوني المطحون يا ولداه "زي شعب صاحبنا برضه"!!
وحينما توفى الرئيس الأب عمر بونجو زي أي بشر والله الرؤساء بيموتوا برضه تم إجراء شئ ما أطلق عليه (انتخابات) صرح وقتها بونجو الابن بأنه لن يبقى في السلطة إلى الأبد فقال نصا :" إذا ما وضع أبناء الجابون الثقة في فإنني بالتأكيد لن أبقى 40 عاما" .. من الجدير بالذكر أن والده قال أيضا قبل وفاته أنه "لن يورث السلطة لأحد"!
وفي تلك الانتخابات المزعومة تنافس بونجو الابن مع وزير الداخلية السابق أندريه أوبامي والزعيم التاريخي للمعارضة التاريخية - لأنها تعارض من عشرات السنين دون جدوى - بيار مامبوندو وحدث ما حدث ففاز الرئيس الابن علي عمر بونجو بنسبة 41% مما أشعل بعد ذلك أعمال العنف في البلاد وصلت إلى هجرة بعض السكان من العاصمة الجابونية بؤرة الأحداث.
وحتى لا نتحول إلى مشاهد للفيلم يردد مثل الببغاء ما سيحدث من أحداث دون أن يتعلم شيئا منها فعلينا أن نحدد نقاطا نتفق عليها من الآن حتى لا نرى الفيلم بإخراج مصري في يوم من الأيام .. يجب أن نعلم بأن أي انتخابات في ظل نظام يحكم طيلة حياته لن تكون بأية حال انتخابات حقيقية وإنما ديكور سياسي لإضفاء الشرعية على عملية التوريث التي سيقال عنها ديمقراطية وإرادة الشعب الحرة .. وأن ارتكان البعض إلى بعض القوى الدولية التي تحمي النظام وتحافظ على بقائه أمر غاية في السذاجة لأن نفس هذه القوى أيا كانت ستعمل من أجل مصالحها التي غالبا ما ستتقاطع مع التوريث لكونه امتدادا لنظام كان زي الفل بالنسبة لهم!!
الحل لن يكن أبدا في إضفاء الشرعية على عملية التوريث عبر القبول الانتخابات – بوضعها الحالي – منزوع الشفافية والنزاهة والإشراف القضائي والدولي بل الحل سيكون عبر العصيان المدني والمقاومة السلمية بكافة صورها مع ضرورة إدخال الشعب في المعادلة لأنه إذا تواجد الشعب بصورة قوية وحاضرة فإن باقي القوى المؤثرة في المعادلة ستتحول إلى أقزام جانبه .. اللهم قد بلغت اللهم فاشهد!

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009

مجدي حسين أسير في وطن محتل


مجدي حسين أسير في وطن محتل


لست قلقا على المناضل الشجاع مجدي حسين الأسير في سجون نظام مبارك لأنني أعلم جيدا أنه مهما طال الزمن ومرت بنا الأحداث كشلال ظننا أنه لن يتوقف أو ينحرف عن مساره فإن التاريخ دائما ما يقدّر الشرفاء ويلقي بالعملاء في المزبلة!!
فكل ما حدث أن مجدي حسين رجلا حرا يأبى أن تتحول بلاده مصر ذات الدور التاريخي البارز والموقع الجغرافي الذي لا مثيل له إلى مستعمرة أمريكية أو مجرد خادم للمصالح الإسرائيلية في المنطقة، فقرار الحرب الصهيونية البربرية على قطاع غزة كان قد اتخذ هنا في القاهرة – ويالا العار – بعد لقاء وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك تسيبي ليفني و"اتفاقها" على ترتيبات تلك الحرب مع الرئيس – ويالا الأسف المصري – حسني مبارك وتلتقي وزير خارجيته أبو الغيط وهي "نازلة السلالم يا مشا الله عليها" ويديها في يديه! .. وتم الاتفاق على أنه حين تقصف الطائرات الإسرائيلية الشريط الحدودي وتخترق الأجواء الجوية المصرية لتكمل عملية قصف غزة فعلى مبارك أن "يلزم الصمت"!!
هذا إلى جانب استمرار الضغط على أهلنا في غزة بالحصار الظالم من قبل إسرائيل عن طريق إغلاق معبر كرم أبو سالم وبالتعاون مع رجلهم حسني مبارك عن طريق إغلاقه معبر رفح، والوضع يبدو مريعا فعلى المقاومة الفلسطينية أن تحارب آلة الحرب الصهيونية الشرسة التي لا تحترم أي اتفاقيات دولية ولا تلتزم بقرارات الأمم المتحدة فلا تفرق بين مدني وعسكري ولا بين مسكن أو مسجد أو حتى مدرسة ومواقع للقتال!
بينما تواجه المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها هذا التوحش الإسرائيلي كان عليها أن تواجه أيضا الحصار الذي منع إخواننا أبناء غزة من العلاج وشراء الأدوية والطعام، وعلى الرغم من كل تلك الظروف الصعبة صمدت المقاومة في وجه النيران الإسرائيلية وحققت انتصارا مشرفا تجلى بوضوح في انسحاب القوات البرية الإسرائيلية من القطاع بعد توغلها فيه دون أي تفاوض أو اعتراف أو تنازل من المقاومة عن مبادئها ودون تحقيق الهدف "المعلن" للحرب وهو وقف صواريخ المقاومة وتحرير الجندي الإسرائيلي الاسير جلعاد شاليط ولا الهدف الغير معلن وهو كسر المقاومة نهائيا وحملها على الموافقة على تسوية واعتراف بإسرائيل وقبولها بحدود 1967م وتنازلها عن كامل التراب الفلسطيني وتنازلها عن سلاحها أيضا وهو ما لم يتحقق إطلاقا.
أي إنسان حر يمكن أن يتحمل التخاذل الرسمي المصري عن نصرة أهلنا في غزة ؟! .. ما فعله مجدي حسين أن ذهب كرئيس تحرير أخير لجريدة الشعب "الممنوعة" وكصحفي وسياسي بارز ليسجل شهادته عما يحدث في قطاع غزة وليؤكد أن موقف نظام مبارك لا يمثل أبدا موقف الشارع المصري الذي يتعاطف بصورة طبيعية مع الأهل في فلسطين وخصوصا قطاع غزة الذي تربطنا به صلات الدم والقرابة والمصاهرة ويعتبر امتدادا طبيعيا لمصر وبوابة شرقية لها كثيرا ما حمتنا من الغزاة والتاريخ يؤكد ذلك، بل كانت غزة تحت السيادة المصرية حتى عام 1967م.
وعند عودة المناضل مجدي حسين إلى الوطن تم اعتقاله من قبل أمن مبارك وتحويله إلى ما أطلق عليه "محاكمة" عسكرية!!
تلك (المحاكمة) التي خالفت حتى الدستور الذي جاء بالتزوير الفاحش في التعديلات الأخيرة، لكن حتى هذه النصوص التي زورت لم تراع أثناء المحامكة!
فالمادة 166 بالدستور المصري تنص على : "القضاة مستقلون، ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو في شئون العدالة"
والمادة 183 تنص على : "ينظم القانون القضاء العسكري، ويبين اختصاصه في حدود المبادئ الواردة في الدستور"
ومن المادتين نستوضح أن الدستور يعتبر القضاء العسكري ملتزم بمبادئ القضاء الواردة في الدستور .. بينما في الواقع يتناقض القضاء العسكري بوضوح مع المادة 166 السابق ذكرها والتي تشدد على أنه لا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا وشئون العدالة، فكيف يتحقق ذلك وقضية مجدي حسين سياسية من الدرجة الأولى فالرجل دخل منذ فترة طويلة في خصومة مع نظام مبارك وعائلته بينما مبارك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو من أحال القضية للمحكمة العسكرية كما أنه يملك حق عزل وتعيين وترقية (القاضي) الذي ينظر القضية وحكم على المناضل مجدي حسين بالسجن لمدة عامين وغرامة 5 آلاف جنيه فأين استقلال القضاء إذن؟!
كما تنص المادة 169 من الدستور على علنية المحاكمة وتؤكد على أن جلسة النطق بالحكم تحديدا يجب أن تكون علنية وهو ما لم يتحقق في هذه القضية حيث كنا واقفين على باب المحكمة ننتظر السماح للمحامين ولنا بالدخول لمعرفة منطوق الحكم ولكن لم يسمح لنا بذلك بل علمنا الحكم بالتليفون حيث كان قد أذيع على شريط الأخبار في قناة النيل للأخبار!!
ويتضح لنا أن هذا الحكم غير شرعي حتى بأحكام الدستور "المزور" فقد انتهت البلاد إلى نظام بات "يحتل" البلاد على عكس رغبة شعبها يفصل قوانينها وينتهك دستورها بعد أن زوره ولا يلتزم حتى بتزويره!!
أقول للمناضل مجدي حسين ألا إن نصر الله قريب فلا تقلق غدا تشرق شمس الحرية على هذا الوطن وغدا يكتب التاريخ تضحياتك بحروف من نور بينما يلقي بمن ظلموك وخانوا وطنهم في المزبلة وبئس المصير!

الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

صيام الرئيس!!



صيام الرئيس!!


ها قد جاء شهر رمضان اللهم أجعل لنا في أوله رحمة وفي أوسطه مغفره وفي آخره عتق من النار .. ويقول رسولنا الكريم (ص): "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" اللهم اجعلنا منهم .. كما يقول الله تعالى في حديثه القدسي "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به"، وذلك لأن أي عمل يمكن أن يدخل به شبهة الرياء كأي يصلي أحدهم في المسجد ليقال عنه أنه ورع وتقي أو يتصدق بأموال كثيرة ليقال عنه كريم وإنما الأعمال بالنيات .. أما الصوم فهو عبادة مختلفة إذ أن بها من الخصوصية بين العبد وربه لا يتطلع عليها سواهما لأن الامتناع عن الطعام والشراب قد يختلف في العلن عن الخفاء كما أن الهدف من الصوم ليس الامتناع عن الطعام والشراب من آذان الفجر وحتى أذان المغرب وحسب بل حمل النفس البشرية "الأمارة بالسوء" بطبيعتها على التحلي بالأخلاق الحميدة وإعلاء قيم الرحمة والخير والتسامح والعدالة ولذلك يقول رسلونا الكريم (ص): "رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش"
كل ما ذكرته دفعني للتساؤل بيني وبين نفسي "الأمارة بالسوء" هل يصوم الرئيس؟!
يبدو سؤالي مستفزا إذ قد يقول البعض وإنت مالك ألست منذ سطور تعد على الأصابع قائل بأن عبادة الصوم بها خصوصية بين العبد وربه .. نعم وأنا لا أختلف مع هذا القول لذلك سأفترض بأن الرئيس بالفعل يمتنع عن الطعام والشراب من الفجر إلى آذان المغرب حيث يمسك كوبا من قمر الدين أو التمر الهندي في يده ويقول اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله!!
ولكن هل يعني ذلك أن الرئيس يصوم؟!
فالهدف من الصوم أعمق وأكبر كثيرا من هذا الامتناع عن الطعام والشراب فمثلا كيف يصوم الرئيس وهو يتعاون مع الصهاينة في حصار إخواننا في غزة ويغلق معبر رفح في وجه المعونات الغذائية الذاهبة للقطاع وحين يفتح المعبر تدخل المعونات "بالتقطير" لا تسد جوعا ولا تشفي غليلا!!
وكيف يصوم الرئيس ويعتقل هو وأمن دولته وأمنه المركزي و"محاكمه" العسكرية الشرفاء أمثال مجدي أحمد حسين وعبدالمنعم أبو الفتوح وخيرت الشاطر ومسعد أبو فجر وغيرهم الكثير والكثير .. كيف يصوم الرئيس وأهالي قرية البرادعة مصابون بالتيفود نتيجة الفساد المستشري في كل أجهزة دولته مما جعل مياه الصرف الصحي تختلط بمياه الشرب دون أن يحاسب مسؤول واحد .. كيف يصوم الرئيس وخبراء العدل يتعرضون للظلم ويفترشون سلالم وزارتهم بحثا عن مطالبهم المشروعة ولا يجدون أي عدل!!
كيف يصوم الرئيس وأغلبية المصريين في عهده "البغيض" قد أصبحوا تحت خط الفقر ويعانون أشد المعاناة لتوفير وجبة إفطار في رمضان والكثير منهم لا يجدونها وأصبح المصريين بكل فئاتهم لديهم مشاكل اقتصادية شديدة من أول أساتذة الجامعات والأطباء وحتى سائقي المقطورات والعربات الكارو والعمال!!
كيف يصوم الرئيس بينما يرتكب نظامه كل أنواع الجرائم من تعذيب إلى سرقة إلى غرق العبارة إلى سرطنة المبيدات إلى الري بمياه الصرف الصحي إلى عدم توافر الخبز وحتى المياه النقية وأكبر جريمة يرتكبها هي بقاؤه رئيسا لمصر بعد أكثر من ربع قرن جرف فيها ثروتها القومية وخرج بها من التاريخ لتهوي في هوة حضارية عميقة وتتحول إلى مستعمرة أمريكية منزوعة سيادة القرار ويتم اختزال مستقبلها في عائلة تناقش مستقبل الحكم بين أب وابنه!!
وبعد ذلك مازلت أتسائل أيصوم الرئيس حقا؟!
لا تؤاخذوني إن نفسي لأمارة بالسوء وكل عام وأنتم بخير!!

الاثنين، 17 أغسطس 2009

السيد والخادم!!

e السيد والخادم!!

إلى واشنطن شد الرحال وجهز "حقائب" فارغة إذ من المنتظر أن تمتلئ بالخيرات الأمريكية من الدولارات وخلافه .. كل هذا مقابل بعض "التكتيكات" الصغيرة ولا أقول التنازلات لا سمح الله التي لا تؤثر بالطبع على دور مصر الإقليمي والريادي والاستراتيجي والجميل خالص وسمعونا صلاة النبي!!
القصة وما فيها أن الأمريكان "حلفاءنا" قلقين بعض الشئ من وجود قوة خارج السيطرة لها كرامة في المنطقة، وأصبح الآن لديها تكنولوجيا نووية جيدة واقتصاد وتصنيع وطني متنامي وهي بالطبع إيران. كما أن الإسرائيلين "حلفاءنا وحبايبنا وإخوانا كمان" غاضبين من صوت نجاد العالي الذي يقلق مضاجع الصهاينة في تل أبيب بسبب تصريحاته وما تتضمنه من هجوم على الكيان الصهيوني وتطالب بالقضاء عليه باعتباره "ورم سرطاني خبيث" وهذا الكلام يعتبره الأمريكان خطا أحمر لا يجب حتى التفكير فيه لا ترديده، كما أن الإزعاج التي تسببه حماس بدا غير قابل للتحمل حيث كان أوباما قادما إلى البيت الأبيض وفي نيته وإنما الأعمال بالنيات أن يحقق تطبيعا عربيا بصورة واسعة مع إسرائيل ولكن وجود حماس وإصرارها على المقاومة جعلها تصبح عقبة في طريق تحقيق آمال أوباما، فكان من الطبيعي أن يعتمد الأمريكان والإسرائيليين على حبيبهم وحليفهم ورجلهم الكـُبرة السـُكرة حسني مبارك لذلك كانت الزيارة!
أولا: فيما يخص التطبيع العربي مع إسرائيل يقول سليمان عواد المتحدث باسم رئاسة الجمهورية بأن مصر ملتزمة برفض التطبيع العربي "الشامل" مع إسرائيل قبل تحقيق التسوية الشاملة ولكن – ويا خوفي من ولكن – يمكن القبول بتطبيع "محدود" مقابل وقف الاستيطان!!، وحتى الآن لم أفهم ماذا يقصد بالتطبيع الشامل والمحدود فالأمر بالنسبة لي – ويمكن أطلع دقة قديمة – إما الاعتراف بإسرائيل وهذا موقف يجلب العار ويعتبر خيانة للقضية وإما رفض الاعتراف واعتبارها كيانا مغتصبا وهو موقف وطني محترم ولا يوجد موقفا وسطيا بين الإثنين فأي تطبيع "محدود" يعتبر اعترافا بإسرائيل يتناقض مع المبدأ!!
ثانيا: فيما يخص إيران "بعبع" أمريكا وإسرائيل الآن فإن الترتيبات تجري على قدم وساق لمشروع مظلة أمنية دفاعية (عربية – أمريكية – إسرائيلية) تكون رادعا لإيران الشريرة التي تكره إسرائيل! .. وعلى الرغم مما نشرته جريدة الأهرام الرسمية أن مصر ترفض المشاركة في المظلة الدفاعية إلا أن المتحدث باسم رئاسة الجمهورية قال في جريدة الشروق "إن الجانب الأمريكي لا يتوقع من مصر إلا توفير غطاء سياسي لهذه المظلة وهو ما لا تمانع مصر في توفيره"، وعلينا أن نفهم الصورة الجديدة حلفاءنا هم أمريكا وإسرائيل وأعداءنا هم إيران وحزب الله وحماس وكل من تجرأ باللفظ أو بالفعل على إسرائيل!!ثالثا : الدولارات الأمريكية .. ماذا سنحصل نظير أننا دولة "بتسمع الكلام" وفاهمة جيدا دورها في المنطقة .. وبالتالي فإن أهم الموضوعات التي ستثار ستكون اقتصادية مثل المعونة الأمريكية .. وهذه المعونة استخدمتها أمريكا بجدارة على طريقة العصا والجزرة للتأثير على مواقف مصر السياسية حيث أن القانون الخاص بالمعونة الأمريكية صدر عام 1952م بهدف المحافظة على "المصالح الأمريكية" في الشرق الأوسط ، واستمرت المعونة 4 سنوات ثم تم تجميدها وسحب أمريكا عرضها لتمويل السد العالي عقابا لمصر في ذلك الوقت على رأسها الناشفة وعدم اعترافها بإسرائيل وصفقة الأسلحة التي عقدتها مصر مع تشيكوسلوفاكيا، ومع بداية السابعينات قدم الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون 250 مليون دولار كمعونة اقتصادية لمصر لتكون بمثابة إعادة للعلاقات أو بمعنى أدق بيقدم السبت!!
وبعد فض الاشتباك الثاني عام 1975م بين مصر وإسرائيل تم إدارج مصر ضمن برنامج المساعدات الأمريكية ثم بعد أن أصبحت دولة "بتسمع الكلام" ووقع السادات على اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام عام 1979 تعهد جيمي كارتر الرئيس الأمريكي وقتها بتقديم مليار دولار سنويا كمعونة اقتصادية لمصر، واستمرت مصر في الحصول على معونة تقدربـ 815 مليون دولار سنويا حتى عام 1998م تم بعد ذلك تخفيضها بنسبة 5% سنويا حتى وصلت عام 2008 إلى 415 مليون دولار ولكن إدارة بوش خفضت المعونة 50% في عام 2009م لتصل إلى 200 مليون دولار فقط واليوم تأتي الزيارة "التاريخية" من أجل رجاء واستعطاف قلب أوباما الطيب الكريم ومن قدم شئ بيداه عند المولى وجده وتلقاه لتعود المعونة إلى سابق عهدها 415 مليون دولار مع استمرار تخفيضها سنويا بنسبة ال 5%.كما تتطرق الزيارة إلى اتفاقية الكويز الموقعة عام 2004م وتقضي بأن المنتجات المصرية التي يتم انتاجها بداخل مناطق معينة في مصر هي القاهرة الكبرى والإسكندرية وبورسعيد والمنيا وبني سويف لها حق الدخول الحر إلى السوق الأمريكية بدون جمارك بشرط أن تتضمن السلعة في مكوناتها على 10.5% مكون إسرائيلي مما يشجع على التطبيع التجاري ونفع واستنفع مع الصهاينة! ، وما سيطالب به مبارك في هذه الزيارة هو زيادة المناطق التي تشملها الاتفاقية حتى تصل إلى أسوان ليصبح صعيد مصر كله غارقا في التطبيع وأهو رزق وجاي!!من هذه الزيارة والملفات المطروحة على طاولتها "أو من تحتها" يظهر جليا ما هو دور مصر الحقيقي في ظل حكم مبارك الذي تتغنى به الصحف الحكومية والإعلام الرسمي وهو "خدمة" المصالح الأمريكية والإسرائيلية مقابل المعونات الاقتصادية واتفاقيات التجارة، والمقابل الأهم هو بقاء مبارك في الحكم من الأساس، أما ما يثير تعجبي أن توصف الزيارة بالتاريخية بينما هي لقاء طبيعي جدا بين السيد والخادم!!

الثلاثاء، 11 أغسطس 2009

الأزمة المائية النيلية!


الأزمة المائية النيلية

"مصر هبة النيل" .. الله يرحمك يا هيرودت .. تلك العبارة التي لخص فيها المؤرخ العبقري هيرودت سر عظمة مصر على مر العصور بأن وصفها بـ"هبة النيل" تؤكد مدى الارتباط الوثيق بين وجود مصر والنهر "الخالد" .. ذلك النهر الذي تنبه أجدادنا الفراعين إلى أهميته القصوى في حياتهم فألهوه تحت إسم الإله "حابي" وقدسوه باعتباره رمزا للخير والعطاء. ولو عاش هيرودت بيننا اليوم لكان قد أصيب بأحد الأمراض الملازمة بالضرورة للمصريين كارتفاع الضغط أو مرض السكر أو فقعة المرارة لما يحدث لنا من مصائب لا يتحملها بشر بينما نظامنا الحاكم القابع على كرسيه – ورقابنا – منذ أكثر من ربع قرن نسى أن خارج قصوره شعبا كان يموت جوعا والآن على أعتاب أن يموت من العطش!!


يقدر نصيب مصر من المياه بـ 63.6 مليار متر مكعب يمثل نهر النيل 95% منها أي 60.42 مليار متر مكعب بالإضافة لـ 1.3 مليار متر مكعب من الأمطار و 1.4 مليار من المياه الجوفية و5.4 مليار متر مكعب من إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي وهذه الأرقام "الرسمية" التي ذكرها وزير الري الحالي محمد نصر الدين علام .. بينما تؤكد مصادر أخرى مستقلة أن نصيب مصر من ماء النيل الآن يقدر بـ 55.5 مليار متر مكعب سنويا فقط .. لسنا بصدد فض "الخناقة" بين الرقمين ولكن بصدد أن هذا النصيب – أيا كان الرقم – أصبح مهددا بالفعل نتيجة للسدود التي بدأت دول المنبع في بنائها وستؤدي بالطبع لحرمان مصر من جزء كبير من مياه النيل التي تصل إليها ويـُلحظ بقليل من التمحيص أيدي إسرائيلية تعبث في منابع النيل ولعل ما نشر في هاآرتس الإسرائيلية عن زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان المرتقبة لكلام من إثيوبيا وكينيا وأوغندا وهم دول المنبع للنيل تشير بوضوح إلى تلك الأيدي الخبيثة التي كما تهدد أمننا القومي من الحدود الشرقية تهدد أمننا المائي من الجنوب، ونحن هنا نشيد بحكمة الرئيس وعبقريته وذكاؤه ووسع أفقه و"عيونه الجريئة" وأن كل رؤساء العالم يستشيرونه في كل كبيرة وصغيرة من أول أوباما حتى رئيس جزر الموز – التي لا أعرف مكانها - !!


وحصة مصر من مياه النيل تضمنها اتفاقية عام 1929م التي تعطي لمصر حق النقض "الفيتو" للإعتراض على أي سدود أو مشروعات للري بكل وادي النيل .. واتفاقية عام 1959م بين مصر والسودان والتي تضمن لمصر نصيبها القادم عبر الأراضي السودانية، وعندما قررت مصر بناء السد العالي بدعم من الاتحاد السوفيتي أنذاك قامت أمريكا بدراسة إنشاء عدة سدود على النيل الأزرق وهي كاربودا – بوردو – مابيل – مترايا، وحين تغيرت الأوضاع وانضمت مصر للتحالف مع أمريكا في السابعينات وأصبحت إثيوبيا حليفة للاتحاد السوفيتي الذي قام بتوصيل رسالة إلى مصر تلوح بإمكان السوفيت أن يتعاونوا مع إثيوبيا لبناء سد على النيل الأزرق ورد الرئيس السادات وقتها أن مصر ستقوم بقصف هذا السد إذا ثبت أنه "يمكن" أن يهدد أمن مصر المائي!!والحقيقة أن هذا السد أصبح واقعا ملموسا ويبدو أن نظامنا العبقري كان مشغولا بحكمته العميقة ولم يلحظ أن إثيوبيا بنت بالفعل في فبراير الماضي سدا "يخزق العين" اسمه سد تيكيزي يبلغ ارتفاعه 188 مترا تكلفته 365مليون دولار ويضيف 300 ميجاوات من الكهرباء إلى شبكة إثيوبيا ونحن هنا لم نحرك ساكنا!!ويبدو أن إثيوبيا وجدت الحكاية لعبة حلوة ووجدت مصر دولة لقطة فباتت تدرس بجدية إنشاء عدد آخر من السدود قد تصل إلى 20 لتتمكن من زيادة إنتاج الكهرباء حتى تبيعها لدول الجوار وأهو رزق وجايلها والمصريين طيبين يشربوا ساعتها مياه الصرف الصحي طالما أن السادة الوزراء والكبراء والرؤساء – عفوا هو رئيس واحد – يمكنهم شرب مياه معدنية مستوردة!!


ومازاد الطين بلة أن إقليم جنوب السودان الذي لديه الكثير من المشاكل مع حكومة السودان لديه النية للإنفصال عام 2011م وهو ما يهدد باقي نصيب مصر من المياه الذي سيتضاءل بالقطع نتيجة للسدود الأثيوبية، وبعد أن كان نصيب الفرد من المياه عام 1959م يقدر بنحو 1893 مترا مكعبا وصل عام 1996م إلى 936 مترا مكعبا ليصبح الآن بالصلاة على النبي 740 مترا مكعبا وتوقع وزير الري الحالي أن يصل عام 2025م إلى 582 مترا مكعبا أي نصف حد الفقر المائي المقرر بالألف متر مكعب سنويا دون أن يخبرنا الوزير عن الحل ماذا ستفعل يا عم الحاج أنت؟! لا حياة لمن تنادي!!


وكم تؤلمني الصورة التي تطالعنا في كل الجرائد المصرية هذه الأيام لأهالي قرية البرادعة المساكين الذي جعلهم حظهم العثر يحملون في بطاقاتهم الجنسية المصرية حيث أدى اختلاط مياه الشرب هناك بمياه الصرف الصحي إلى إصابة 400 فردا من أبناء القرية بالتيفود وأصبح المواطنين في الكثير من قرى مصر لا يجدون مياه شرب نظيفة إلا من خلال حمل جراكنهم والتدافع بالطوابير أمام عربات وحنفيات المياه النظيفة – التي أشك في نظافتها أيضا – ويبدو أن قدر أبناء هذا الوطن هو الطوابير فمن طوابير الدجاج واللحوم أمام الجمعيات في السابعينات إلى طوابير الخبز في الأعوام الأخيرة .. وأرى المستقبل "الباهر" لأبناء وطني في ظل حكم مبارك والحزب الوطني وهم يحملون جراكنهم وحللهم وأوانيهم ويقفون في طوابير من أجل الحصول على شربة ماء .. فعلا بلدنا بتتقدم بينا .. ربنا يستر!!

الأربعاء، 5 أغسطس 2009

عبد الحليم قنديل يشهر "الكارت الأحمر" لنظام الفساد والاستبداد!


عبد الحليم قنديل يشهر "الكارت الأحمر" لنظام الفساد والاستبداد!



قراءة في كتاب كارت أحمر للرئيس :


من هو الكاتب:

عبد الحليم قنديل ولد بقرية الطويلة محافظة المنصورة وتخرج من كلية الطب جامعة المنصورة، وعمل بمستشفيات وزارة الصحة بالدقهلية والقاهرة ثم ترك الطب عام 1985م وعمل بالصحافة .. أنشأ مجلة "الغد العربي" وترأس تحرير صحف "العربي" ، " الكرامة" ، "صوت الأمة" .. خاض معارك قوية ضد نظام مبارك تعرض بسببها لملاحقات أمنية وصلت لحد الاختطاف والترويع والإقالة من الجرائد التي يترأس تحريرها ومنع مقالات له من المطبعة نتيجة لضغوط أمنية .. وعلى المستوى السياسي يعد من أصلب المعارضين لنظام مبارك وأحد أهم مؤسسي حركة كفاية التي يشغل الآن منصب منسقها العام وصاحب الدعوة لإتلاف المصريين من أجل التغيير وأحد أهم مؤسسيه وصاحب صياغة بيانه التأسيسي الذي وقع عليه الكثير من الشخصيات العامة والمناضلين السياسيين والكثير من الفئات العمالية والشبابية والقيادات النقابية.


والكتاب:

هو مجموعة من المقالات "الحمراء" التي تؤرخ بدقة لحال مصر الآن في ظل حكم الفساد والإستبداد الذي يترأسه مبارك والجاثم على أنفاسنا منذ أكثر من ربع قرن، كما يتضمن الكتاب المقالات الثالثة التي منعتها جهات أمنية في اللحظات الأخيرة قبل طبع جريدة صوت الأمة بل وتسببت تلك المقالات في إقالة كاتبها من رئاسة تحرير الجريدة إثر ضغوط أمنية شديدة!

لماذا الكارت الأحمر؟!

مقالات الكتاب تجيبنا على هذا السؤال، فالكتاب يوضح كيف أن مبارك وصل إلى الحكم بمنطق الصدفة ولا شرعية له بمعاني التاريخ، وأنه كان أقصى أمانيه - أي مبارك - أن يكون سفيرا أو رئيس لشركة فإذا به يفاجئ بتعينه نائبا لرئيس الجمهورية عام 1975 ليجلس على مقعد الحكم إثر النهاية الدرامية للسادات بالاغتيال على منصة العرض العسكري في 6 أكتوبر 1981م، ليحول مبارك مصر كلها إلى شركة خاصة ثم تحولت إلى عائلة! .. أي انتهى الحال بمصر الكبيرة لعائلة صغيرة!! .. الكارت الأحمر أمر طبيعي لنظام أقصى إنجازاته التاريخية هو أن جعل المصريين يكرهون مصر ويهربون منها، فعهد مبارك يمثل مرحلة انحطاط تاريخي تعد الأسوء في تاريخ مصر، تلك المرحلة التي ازداد فيها فقر وبؤس المصريين وتحول الشعب المصري إلى شعب مريض بكل أمراض الدنيا فالشعب المصري تتم عليه عملية إبادة بيولوجية بالأغذية المسرطنة والمياه الملوثة حيث تتصدر مصر الإحصائيات العالمية في أمراض الفشل الكلوي والتهاب الكبد الوبائي فيرس C وارتفاع معدلات الإصابة بالسرطانات المختلفة بصورة رهيبة.
وعلى المستوى السياسي يغتصب مبارك ونظامه السلطة دون أي شرعية شعبية أو قواعد اجتماعية انتهت بالنظام في وضع الرأس المعلق، وبلا حتى شرعية دستورية ويتضح ذلك من حكم المحكمة الدستورية - التاريخي - في عام 2000م بعدم شرعية كل انتخاب أو استفتاء جرى أو يجري بغير الإشراف القضائي الكامل، ولم يحدث أن جرى استفتاء في زمن مبارك كله بالإشراف القضائي الكامل - قاضي لكل صندوق انتخابي- واستفتاءات مبارك 1981م ، 1987م ، 1993م وحتى (انتخابات) 2005 جرت جميعا بلا إشراف قضائي كامل!!

ويوضح الكتاب أن نظام مبارك تجاوز منذ زمن مرحلة الخطأ السياسي إلى الخطيئة الفادحة وجرى في عهده تجريف الاصول الإنتاجية وشفط ونهب الثروة الوطنية بصورة غير مسبوقة، وجرت عملية إفقار منظمة لكل فئات الشعب المصري المكلوم .. بينما يقف النظام قلبا وقالبا مع المفسدين والفاسدين والمحتكرين بل والقاتلين أمثال أحمد عز وممدوح إسماعيل الذي تسبب فساده بإغراق أكثر من الألف مصري بينما سهلت الدولة خروجه سالما ليقبع في لندن ينعم بملياراته التي هي من لحم ودم الشعب المصري.
ولأن النظام المصري ومبارك كما يرى الكتاب ينتهجان سياسة "إسرائيل أولا"، وتحولوا إلى "الذين جلبوا العار لمصر" فما كان منهم إلا أن وقفوا في خانة العدو الصهيوني ضد أهلنا في قطاع غزة ونفذوا التعليمات الإسرائيلية والأمريكية "بحذافيرها" بشأن إغلاق معبر رفح في وجه أبناء غزة البواسل.
ولأن البلاد دخلت في عصر انحطاط تاريخي عام بل أشبه بالخروج الكلي من التاريخ فبعد أن كانت مصر - حتى عام 1973م - رأسا برأس مع كوريا الجنوبية في معدلات التنمية والتقدم والاختراق التكنولوجي وانتهت مصر في عهد مبارك إلى الثقب الأسود وصارت في مكانة بوركينا فاسو وفي معدلات آدائها على مؤشر الفساد الدولي!!
ويشير الكتاب أن صرخة كفاية الأولى "لا للتمديد .. لا للتوريث" قد لاقت صداها في الاحتجاجات التي انتشرت في البلاد لتتحول إلى رياضة يومية في أماكن مختلفة تتوجت بتلاقي موجة الغضب السياسي بموجة الغضب الاحتجاجي وبمساعدة شبابية واعدة من شباب الفيس بوك لتتحول إلى انتفاضة شعبية في 6 ابريل 2008م وتعلن بقوة عن "احتضار النظام" وتحلله.

الطريق:

لم يتركنا الكاتب نضرب أسداسا في أخماسا ونتحول إلى البكاء والصراخ بل رسم طريقا واضحا لانتشال البلاد من أزمتها السحيقة.
والطريق كما يوضحه الكتاب هو الطريق الوحيد للتغيير عن طريق العصيان المدني والاعتصام بالمقاومة السلمية ، ويرى الكاتب أن دخول الانتخابات - تشريعية أو رئاسية - هو نوع من العبث خاصة بعد تعديلات الانقلاب على الدستور في 2007 وإلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات الأمر الذي حولها لمجرد تعيينات إدارية واتضح ذلك جليا في مهزلة مجلس الشورى والمحليات من بعدها ، ويؤكد الكتاب على ضرورة الالتفاف حول ائتلاف المصريين من أجل التغيير الذي في وثيقة بيانه التأسيسي الموقع عليها أكثر من 250 شخصية عامة : "إنه لا حل لأزمة مصر بغير التغيير السلمي للنظام القائم والتحول إلى حكم الشعب عبر فترة انتقالية لمدة سنتين تدير البلاد خلالها رئاسة محايدة وحكومة ائتلاف وطني تستعيد هيبة مصر ومكانتها ودورها القيادي عربيا وتسترد استقلالنا وإرادتنا الوطنية، وتقيم الديمقراطية وحكم القانون والتوزيع العادل للثروة، بإنهاء حالة وقانون الطوارئ وإيقاف العمل بتعديلات الانقلاب على الدستور وتصفية تركة الاعتقال السياسي والمحاكمات العسكرية والاستثنائية وإطلاق حريات الصحافة وتكوين الأحزاب والجمعيات والنقابات وهيئات التدريس واتحادات الطلاب والفلاحين".
وينتهى الكتاب بنص وثيقة البيان التأسيسي للإتلاف التغيير وقائمة الموقعين عليه - التي أشرف بوجودي بها - ، هاهو الكارت الاحمر الذي رفعه الكاتب الشجاع عبد الحليم قنديل في وجه مبارك كتاب عزيزي القارئ يستحق القراءة والتأمل والتعلم.

-------------------------
إشارة :
حفل توقيع ومناقشة الكتاب يوم الأحد 16 أغسطس الساعة السابعة مساءا بنقابة الصحفيين الدور الرابع وجودك مهم بطبيعة الحال.

الجمعة، 31 يوليو 2009

وهم التغيير المستورد (3-3)

وهم التغيير المستورد (3-3)


المقال الثالث : التغيير الملون والمنظمة المشبوهة!!


تأسست منظمة فريدوم هاوس ذات الصلة الوثيقة بجهاز المخابرات الأمريكية CIA في عام 1941م بدعم مباشر من الرئيس الأمريكي وقتها فرانكلين روزفلت وهو نفس الرئيس الذي استضاف في عام 1942م المؤتمر الصهيوني بحضور دافيد بن جوريون وتم الإعلان في هذا المؤتمر عن أحقية اليهود في وطن قومي على أرض فلسطين، وكان دعم الرئيس روزفلت لهذه المنظمة المشبوهة جليا حين جعل على رأسها زوجته ألينور روزفلت بالإشتراك مع المحامي القريب منه والداعم هو الآخر للمشروع الصهيوني ويندل ويلكيلي الأب.
كان الهدف "المخابراتي" من تأسيس تلك المنظمة المشبوهة هو مكافحة "التعسف السوفيتي" وهو الاسم الذي كان يستخدم وقتها لمكافحة الشيوعية طبقا للخطة التي وضعها ال
CIA تحت مسمى سياسة الاحتواء، وبالفعل تعترف منظمة فريدوم هاوس على موقعها الرسمي عبر شبكة الإنترنت أنها دعمت مشروع مارشال وهو المشروع الذي تبنته أمريكا لتعويض الدول الأوربية "الغربية" عن خسائرها في الحرب العالمية الثانية لتبدو تلك الدول "الغربية" كجنة نسبة إلى المعسكر "الشرقي" الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتي واللعبة كانت لعبة جهاز المخابرات الأمريكية باقتدار منذ بدايتها، ويبدو ذلك جليا من دور المنظمة في الحرب الباردة عبر التغلغل في المجتمعات الشيوعية وتفكيكها من الداخل.
ويبدو دور جهاز المخابرات الأمريكية في إدارة وتوجيه منظمة فريدوم هاوس واضحا بقوة ولا يحتاج إلى أي ذكاء أو عبقرية سياسية فيكفي أن نذكر أن مجلس أمنائها الحالي يضم بين صفوفه أنتون ليك (Anthon Lake) وهو مستشار "الأمن القومي" للرئيس الأمريكي بيل كلينتون من عام 1993م حتى عام 1997م كما يضم أيضا ويندل ويلكي الأبن (Wendell Willki) مستشار الرئيس الأمريكي رونالد ريجان لشؤون "الأمن القومي" كذلك.
أما عن رؤساء هذه المنظمة فحدث ولا حرج معظمهم - أو كلهم - كان على علاقة وطيدة ومباشرة بجهاز المخابرات الأمريكية ونخص بالذكر بيتر آكرمان "يهودي" الذي تولى رئاسة المنظمة وأشرف بنفسه على التخطيط والتدبير لما يسمى الثورة البرتقالية في أوكرانيا والوردية في جورجيا، وبيتر آكرمان هو صاحب إختراع لعبة فيديو شهيرة تعرف باسم قوات أكثر نفوذ أو كيف تهزم الديكتاتور وهذه اللعبة وزعت على من يطلق عليهم "الثوار" في كلا من جورجيا وصيربيا وأوكرانيا!!
ومن أبرز رؤساء فريدوم هاوس جيمس ولسي "يهودي صهيوني متعصب" رئيس ال CIA السابق وعضو مركز سياسات الأمن الذي يقوم بالترويج لحزب الليكود الإسرائيلي اليميني المتشدد، وولسي عضو أيضا بالمعهد اليهودي للأمن القومي وهي مؤسسة "عسكرية" تسعى للتعاون "العسكري" بين أمريكا وإسرائيل، كما قام ولسي في عام 2003م بالتبرير الفكري لحرب احتلال العراق.
وعن تمويل فريدوم هاوس فهي تتلقاه من جورج سوروس الملياردير اليهودي عضو منظمة تنمية إسرائيل وهو الذي موّل الثورتين الجورجية والأوكرانية والمصدر الثاني هو هيئة الوقف القومي للديمقراطية (مؤسسة حكومية)!!
وعن أهم "إنجازات" هذه المنظمة المشبوهة فكانت اسقاط نظام سلوبدان ميلوسوفتش عام 2000م في صيربيا عن طريق الاعتماد على حركة "اتبور" التي تلقى أعضاؤها "تدريبات" على "حشد الجماهير" وتعلموا استعمال اللعبة التي اخترعها بيتر آكرمان، أما عن جورجيا وثورتها الوردية فقد لعبت فريدوم هاوس دورا واضحا في اسقاط نظام إدوارد سيفارنادزه في 2003م والإتيان بنظام تابع للولايات المتحدة الأمريكية على رأسه ميخائيل ساكشفيلي بل وصل الأمر أن "تعهد" الملياردير اليهودي جورج سوروس بدفع مرتبات الحكومة الجورجية الجديدة إذا ما تعثر ساكشفيلي في بداية إدارته، لدرجة أن الرئيس الجورجي الجديد ساكشفيلي قال بنفسه إنه "ممتن لفريدوم هاوس ولجورج سوروس وجورج بوش ولكل أحرار العالم الذي دعمو ثورته الوردية"! وهذه العبارة رواها عمرو عبدالحميد مراسل ال
BBC في القاهرة بمقال نشره بجريدة المصري اليوم تحت عنوان أشبال فريدوم هاوس، اعتمدت منظمة فريدوم هاوس في الثورة الجورجية على شباب حركة "كمارا" الذين تلقوا تدريبات على "الحشد" ولعبوا بنفس لعبة بيتر آكرمان.
أما عن الثورة البرتقالية فقد كان ذات الدور المشبوه لفريدوم هاوس واضحا وبشدة في دعم "الثوار" هناك ودفع "بوكيت ماني" للمعتصمين أمام مبنى البرلمان الأوكراني وسأستشهد بما كتبته سارة باكستر في الصنداي تايمز البريطانية عدد 23 إبريل 2007 : "إن الثورة البرتقالية كانت واحدة من الثورات التي أشرف عليها إلهاما وتمويلا وتوجيها بيتر آكرمان مدير المركز الدولي للصراعات الغير عنيفة ومدير فريدوم هاوس وكذلك جورج سوروس صاحب مؤسسة سوروس التي تمول المجتمع المدني"، ومن الجدير بالذكر أن "الثوار" في أوكرانيا وقبل الثورة قد تلقوا دورات في "الحشد" أيضا ولذلك إن صادفكم من يطلق عليهم نشطاء مصريون وقد حصلوا على دورات تابعة لفريدوم هاوس في "الحشد" فأعلموا أنهم مما هو مخطط لهم أن يلعبوا دورا كأقرانهم في أوكرانيا وجورجيا وصيربيا ولا تسلموا عليهم قد تتلوث أيديكم!!
دخول فريدم هاوس بقوة في فترة ما إلى مصر واستقطابها مجموعة من النشطاء المصريين ضمن برنامج جيل جديد والاسم الكامل للبرنامج هو جيل جديد من النشطاء لا يعادي أمريكا وإسرائيل يعني أن هذه المنظمة المشبوهة قد تدعم تغيير ملون جديد في مصر، كيف وكما ذكرت في المقال الاول والثاني من وهم التغيير المستورد أن مصر قد غدت في حكم المستعمرة الأمريكية!، والجواب ببساطة واضح جدا أن النظام المصري أصبح يحكم بعصا الأمن فقط ولم يعد يرتكن إلا على أمريكا وحليفتها إسرائيل دون أي قواعد شعبية حقيقية بل تتزايد كل يوم موجات الغضب السياسي والإجتماعي وتدخل كل يوم فئة جديدة في خصومة ومشكلة مع النظام من أول أساتذة الجامعات وحتى سائقي المقطورات والعمال!!

والأمريكان لم يعد بوسعهم أن يكرروا غلطة اعتمادهم على شاه إيران فأصبحوا يبحثون عن البديل المتوافق مع هواهم والذي يجب أن يأتي بصورة "تبدو تلقائية وشعبية" وتبدو لأن أمريكا لا تترك شيئا من قبيل الصدفة حتى الثورات يمكن تصنيعها كما حدث في أوكرانيا وجورجيا وصيربيا لخدمة المصالح الأمريكية!
ولأن التغيير في مصر إذا جاء شعبيا وديمقراطيا بصورة حقيقية لابد وأن يتصادم مع المصالح الأمريكية فالشعب المصري "بطبيعته" يرى في إسرائيل كيانا مغتصبا وعدوا استراتيجيا بيننا وبينهم شلالات من دماء حارة لشهداء دفعوا عمرهم للدفاع عن هذا الوطن ضد اعتداءات الصهاينة، والشعب المصري يتعاطف بصورة طبيعية أيضا مع إخوته وأشقاؤه في فلسطين، والشعب المصري يرفض معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية "كامب ديفيد" والشعب المصري يرفض ويكره مبارك وابنه وعائلته ونظامه وحكومته وأمن دولته وأمنه المركزي!!
إن التغيير الذي يريده الشعب المصري العظيم لابد وأن يقترب مما يريده الشعب ويبتعد ويقاطع ما يرفضه، إن أي تغيير سيأتي مستوردا أو أمريكيا لن يكون إلا محض خيال وأوهام.

القاهرة في 30 يوليو 2009


---------------------------------------------
المصادر للأجزاء الثلاثة :

* أكتوبر 1973 السلاح والسياسة محمد حسنين هيكل
* خريف الغضب محمد حسنين هيكل
* مقالات رسائل مفتوحة للرئيس مبارك محمد حسنين هيكل
* الأيام الأخيرة عبد الحليم قنديل
* لماذا نقول لا في استفتاء الرئاسة عادل حسين / حلمي مراد
*لا مجدي أحمد حسين
* كامب ديفيد أرقام وحقائق محمد سيف الدولة
* نظام الفساد والاستبداد مجموعة من كتاب حركة كفاية
* الصنداي تايمز عدد 23 ابريل 2007
* موقع منظمة فريدوم هاوس على الانترنت

الأحد، 24 مايو 2009

وهم التغيير المستورد (2-3)

وهم التغيير المستورد (2-3)


المقال الثاني: من التبعية إلى الاستعمار!!

لا شك أن المصالح الأمريكية في المنطقة بشكل عام وفي مصر بشكل خاص تحتم عليها أن تعمل وفق أجندة وخطط واستراتيجيات بعيدة المدى، ومن حسن حظنا أن القانون الأمريكي يتيح ظهور الوثائق السرية – في غالبها – بعد فترة معينة من تاريخ إصدارها، ومن خيبتنا "الثقيلة" أننا لم نتعلم أبدا من تلك الخطط والتي مازال يـُنـَفذ أجزاء منها بحذافيرها حتى الآن!
يروي الأستاذ محمد حسنين هيكل في المقالات الستة الشهيرة التي كتبها تحت عنوان رسائل مفتوحة للرئيس مبارك والمنشورة في جريدة المصري اليوم يناير 2008م الوقائع والظروف التي تم بها اختيار قائد سلاح الطيران حسني مبارك ليكون نائبا للرئيس السادات في عام 1975م، القصة طويلة ولكني توقفت أمام نقاط بعينها مذهولا مما كان – وبالتأكيد ما زال – يرتب لنا في ليل بينما كنا نائمون وربما أيضا مازلنا!!
كان الخلاف قد احتدم بين كلا من عبدالعزيز حجازي رئيس الوزراء وممدوح سالم نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في ربيع عام 1975م وزادت في تلك الفترة المظاهرات والاضطرابات الداخلية مما جعل الرئيس السادات يركز على الطابع الأمني للنظام، فاختار ممدوح سالم لمنصب رئيس الوزراء، أما بخصوص منصب نائب الرئيس فيروي الأستاذ هيكل في مقاله أن الرئسي قال له نصا "محمد .. لا تنسى الدور الخاص لسلاح الطيران نحن مقبلون على أوقات صعبة ومن يضمن الطيران يستطيع أن يواجه أي احتمالات في البلد"
وكان هذا مبرر السادات لاختياره مبارك نائبا له في 15 ابريل 1975م، لكن القصة لا تنتهي هنا، فحين بدأ الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابة كتابه عن الثورة الإيرانية طلب من الإيرانيين أن يسمحوا له بالاطلاع على الوثائق السرية للشاه ولبى له طلبه، فوجد هناك وثيقة من محفوظات القصر كانت عبارة عن مذكرة أمريكية مقدمة لشاه إيران بما يجب أن يفعله بعد القضاء على ثورة مصدق، وكان أحد بنودها يقول "فإن الشاه عليه أن يولي اهتماما خاصا بسلاح الطيران بالذات لأنه يملك محدودية الأفراد ولا محدودية النيران وبالسيطرة على الطيران يستطيع الشاه ضرب أي تمرد ضده حتى إذا جاء من الجيش"
ومن الجدير بالذكر أن الشاه قد جاء إلى القاهرة في زيارة بنفس العام 1975 وفي شهر يناير، وهو ما دفع الأستاذ هيكل في مقاله موجها حديثه للرئيس مبارك أن يكرر جملة "لقد أرادوك لهم "، نستنتج مما سبق أن اختيار محمد حسني مبارك نائبا لرئيس الجمهورية "ربما" جاء بنصيحة أمريكية!!
استلم الرئيس الجديد عام 1981م مقاليد الحكم لدولة مرمية في أحضان أمريكا، تدور في فلكها، تابعة بالكامل للسياسات الأمريكية في المنطقة، وكان سلفه قد قدم الكثير والكثير من التنازلات وما على الرئيس الجديد وقتها هو الالتزام بالاستمرار في تقديم نفس التنازلات فالفاتورة مسددة بأكثر من قيمتها!!
كانت طريقة الصدمة التي كان يتبعها السادات أثبتت من وجهة نظر مبارك فشلها، فاعتمد بطبيعته على أسلوب الاستقرار لدرجة الجمود وعدم المفاجأة كل شئ يمكن أن يحدث بالتدريج دون "شوشرة" فلا حاجة إلى كلمات من نوعية "صديقي بيجن" ولكن إذا أراد أي بيجن أي شئ فلابد من فعله!!
وقع الرئيس حسني مبارك في أول اختبار حقيقي أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982م حيث كانت المقاومة الفلسطينية تتمركز هناك وتقوم بعمليات تؤرق الاحتلال الإسرائيلي الذي قام بتلك العملية الشرسة للتخلص من المقاومة الفلسطينية الباسلة وأسفر العدوان عن سقوط أكثر من عشرين ألف قتيل وما يزيد عن مئة ألف جريح إلى جانب الدمار الذي أصاب القرى والمدن وبخاصة بيروت التي صمدت أمام العدوان مدة ثلاثه أشهر، وكان موقف مبارك هو الصمت فالتزم بمعاهدة السلام التي وقعها سلفه وبالتالي سقطت اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ونتيجة لهذه الحرب وعن طريق المفاوضات الغير مباشرة تم إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان إلى تونس لتصبح بعيدة عن الصراع بعدما أصبحت مصر هي الأخرى نتيجة لكامب ديفيد بعيدة عنه.
ثم جاءت التسعينات في بدايتها تحديدا 16 يناير 1991م تحمل رياح الأزمة الكبرى التي شقت الصف العربي بقوة وأدخلت القوات الأميريكية المنطقة في الحرب التي أطلق عليها "تحرير الكويت" بعد احتلال العراق لها، ووقفت مصر في موقف مؤيد للحرب واشتركت بالفعل بجوار القوات العسكرية الأمريكية في عملية ثعلب الصحراء بجنود يتراوح عددها بين 33600و35000 .
اقتصاديا في بداية التسعينات أيضا بدت الدولة المصرية عاجزة عن سداد التزاماتها من الديون واستمر معدل النمو منخفضا بشدة حيث لم يتجاوز 1.8% حتى عام 1992م وهو الأمر الذي تسبب بتدخل البنك الدولي بقوة في السياسة الاقتصادية المصرية وأخذ النظام على عاتقه تنفيذ توصيات البنك الدولي بحذافيرها ومنها مثلا أنه على مصر الانخفاض في زراعة القمح والقطن والتوسع في استيرادهما والتوسع في زراعة المحاصيل القابلة للتصدير مثل الكانتلوب والفراولة!!
ومن توجيهات البنك الدولي أيضا عرض مشروعات القطاع العام للخصخصة وهو الأمر الذي تم دون تفرقة بين الناجح والمتعثر وفي وقت ضيق بحيث لا تتوفر للأفراد والقطاع الخاص المصري السيولة الكافية للشراء فتم البيع في الغالب لأجانب ليعود الاقتصاد في أيديهم مرة أخرى بعد تحريره بمشروعات التأميم.
كل ما سبق ذكره من تنازلات جديدة كانت ربما أقل مما قدمه السادات إلا أن عام 2003م حمل في طياته النهاية لأي شرعية شعبية تبقت لنظام مبارك حين فتح قناة السويس للطائرات الأمريكية التي كانت ذاهبة لعملية احتلال العراق .. خرجت المظاهرات الشهيرة في 20 و21 مارس2003 لتعلن غضبها من تبعية هذا النظام الكاملة لأمريكا في أكبر مظاهرات ضد مبارك شخصيا منذ توليه مقاليد الحكم،هنا كان النظام قد فقد كل الشرعية الشعبية وأصبح مكروها لدرجة لا تتيح له إلا إلى الارتكان أكثر وأكثر في أحضان التبعية الأمريكية التي تحولت بعدها إلى استعمار أمريكي حقيقي.
اقترب التجديد الخامس للرئيس وسط ضغوط شعبية قوية رافضة له، وضغوط أمريكية مطالبة بالديمقراطية وملوحة بالشرق الأوسط الجديد ، فقدم مبارك كل التنازلات المطلوبة و"المتأخرة" مثل اتفاقية الكويز التي تفرض تطبيعا اقتصاديا مع "إسرائيل" والإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام وإعادة السفير المصري لتل أبيب وإرسال سفيرا مصريا للعراق تحت الاحتلال لكنه قتل فيما بعد والموافقة على تصدير الغاز المصري لإسرائيل بسعر أقل من سعر تكلفته وهو ما دفع شركة الكهرباء الإسرائيلية تخفيض الأسعار عن مشتركيها!!
ويشير تقرير الكونجرس في عام 2006 حول المعونة الأمريكية لتوصيات بعدم تخفيض المعونة كثيرا لأن مبارك يخدم أمريكا بأكثر مما يخدمها أي رجل آخر وأنه سمح بعبور مقاتلات أمريكية ذاهبة لأفغانستان والعراق وأعطى الأذون بطلعات طيران أمريكي مقاتل بلغ عددها 36553 عبر الأجواء المصرية بين عامي 2001م و 2005م وأنه سمح بعبور 861 سفينة وبارجة حربية أمريكية "بعضها ذري" بقناة السويس في نفس الفترة!!
ثم جاءت أزمة غزة الأخيرة فقام مبارك بدعم المجهود الحربي الإسرائيلي ضد أهلنا في غزة بالحصار الذي ساهم فيه بالتعاون مع الصهاينة كل من معبره فهو يحاصر من رفح وحلفاؤه الصهاينة من كرم أبو سالم!!
وصمت على اختراق الطيران الإسرائيلي المتكرر للأجواء المصرية وقذف الشريط الحدودي وهو الأمر الذي يعد حنث باليمين الدستوري الذي يقسمه بأنه سيحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه!!
والآن يقوم بكل طاقته في الضغط على قادة المقاومة لإلقاء السلاح والاعتراف بإسرائيل والتنازل عن بقية الأرض المحتلة عام 1948م والقبول بحدود 1967م على الورق فقط" فما زالت إسرائيل تحتل الضفة الغربية وتتوغل بها على الرغم من اتفاق اوسلو" والتنازل عن حق العودة!
هذا ما فعله مبارك، تحولت مصر في عهده إلى مستعمرة أمريكية وتداس السيادة المصرية يوميا باختراق الطيران الإسرائيلي للشريط الحدودي.
ولكن بعد مظاهرات 2003 ومظاهرات 6 ابريل 2008م التي أسقطت فيها صور مبارك أمام شاشات التلفاز وضح جليا للأمريكان أن رجلهم في مصر لم يعد يمكن الاعتماد عليه بأكثر من ذلك فقد قدم كل شئ ولم يعد مقبولا شعبيا بالمرة والبلاد أصبحت راقدة على فوهة بركان من الغضب السياسي والاجتماعي يمكن أن ينفجر في أي لحظة لذلك كما يبحث المصريون عن البديل يبحث الأمريكان أيضا عنه وحذاري أن ننخدع ببدائل الأمريكان فهي دائما لمصالحهم قبل أي شئ.
ولأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تترك شيئا من قبيل المصادفة فإنها ترتب كل شئ بدقة متناهية وتترك الأطراف التقليدية تتصارع على رقعة الشطرنج الكبيرة بصورة تبدو تلقائية بينما تحتفظ لنفسها دائما بالقدرة على تحريك "معظم" القطع من الجهتين!!


وللحديث بقية