الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009

يقتل القتيل ويقول مماتش!!





يقتل القتيل ويقول مماتش!!

أحيانا – وهذا أمر يتعبني كثيرا – أفكر بطريقة تجعلني "استغرب" من المتناقضات التي يعيشها المصري المسكين وتعوّد عليها فأصبحت أمرا مألوفا وطبيعيا!!
لذلك دفعتني زيارة الرئيس مبارك يوم الأحد (20 ديسمبر 2009) لدار القضاء العالي إلى "الاستغراب" من حديثه عن (استقلال القضاء) حيث قال بالحرف الواحد "إن استقلال القضاء ليس منحة من أحد، إنما ركيزة أساسية من ركائز الدستور والمجتمع"!! ..، فالمثير للدهشة هنا أن نظام الرئيس مبارك هو ذاته من حارب استقلال القضاء بكل ما أوتى من قوة واعتبر معركته ضد تيار الاستقلال من القضاة الشرفاء معركة أكون أو لا أكون!!
والدستور المصري نفسه في موضوع استقلال القضاء متناقض وبشدة حيث تنص المادة 166 منه على "القضاة مستقلون، ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو في شئون العدالة"، وهذا كلام رائع ولكن المادة 173 من نفس الدستور "برضه" تقول : "تقوم كل هيئة قضائية على شئونها، ويشكل مجلس يضم رؤساء الهيئات القضائية يرأسه رئيس الجمهورية، ..." بينما المادة 137 من نفس الدستور تقول :"يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، ويمارسها على الوجه المبين في الدستور"، والثلاث مواد يعنون ببساطة أن رئيس الجمهورية الذي يتولى "السلطة التنفيذية" يرأس المجلس الذي يضم رؤساء الهيئات القضائية بينما كيف لا يشكل هذا الأمر تناقضا مع المادة 166 التي تؤكد أنه لا "سلطة" تتدخل في شئون العدالة؟!
أما عن (القضاء) العسكري الذي يضرب فكرة استقلال القضاء في مقتل فحدث ولا حرج، فكيف لضابط يقع تحت تأثير الترهيب والترغيب وتربى وتعلم على إطاعة "أوامر" قاداته كما هي التقاليد العسكرية أن يجلس على منصة القضاء ويحاكم مدنيين في تهم سياسية وننتظر منه أن يصدر حكمه دون تأثير عليه!!، وخير دليل على هزلية المحاكمات العسكرية ما حدث مع الأستاذ مجدي أحمد حسين الذي حوكم أمام محكمة عسكرية لأنه قام بدوره كصحفي وآخر رئيس تحرير لجريدة الشعب "الممنوعة" فذهب إلى غزة ليسجل شهادته عن الحرب الإسرائيلية الشرسة ضدها وبعد عودته إلى مصر تم اعتقاله وتحويله إلى ما أطلق عليه (محكمة) عسكرية خلت من أي صلة بالقضاء أصلا حيث مُـنع محامو المتهم من لقائه والجلوس منفردين معه أو حتى الترافع أمام (المحكمة) التي انتدبت محاميا من عندها للترافع!، أما جلسة النطق بالحكم فلم يدخل أحد إلى (المحكمة) وإنما علمنا الحكم بالحبس سنتين بالتليفون بينما كنا واقفين أمام الباب ومعنا المحامون ممنوعون من الدخول!!
كما تضرب حالة الطوارئ الكابسة على أنفاسنا طيلة حكم الرئيس مبارك – الكابس على أنفاسنا أيضا- استقلال القضاء هي الأخرى الأخرى فكثيرا ما تصدر المحاكم الطبيعية أحكاما بالبراءة على شخص ما وتأتي وزارة الداخلية فتعتقله من على باب المحكمة بموجب سلطاتها اللانهائية في حالة الطوارئ!، والدولة نفسها لا تحترم أحكام القضاء ولا تنفذ الكثير منها كالأحكام الصادرة لصالح إجراء انتخابات في نقابة المهندسين المفروض عليها الحراسة منذ 14 عاما لكن الدولة عاملة ودن من طين وودن من عجين!!
واستقلال القضاء يشكل خطرا بالغا على الأنظمة الفاسدة فإذا استقل القضاء سيحاكم أباطرة الفساد من محتكرين وناهبي ثروة الشعب في صفقات البيع برخص التراب لمؤسسات القطاع العام والمتاجرين في ديون مصر بينما تزدهر أرصدة حساباتهم في سويسرا، إذا استقل القضاء لن يخضع بعض القضاة إلى التأثير ولا يصدرون أحكاما ضد السياسيين لأن فقط النظام يريد ذلك، إذا استقل القضاء ستحترم أحكام القضاء وتنفذ حتى لو كانت ضد أحد الوزراء أو الأكبر منه فالأصل أن الكل أمام القانون سواء .. لذلك يعتبر النظام معركته ضد استقلال القضاء معركة حياة أو موت بالنسبة له وما حدث في عام 2006م من صدام شديد بين النظام والقضاة الشرفاء المطالبين بالاستقلال وصل إلى اعتداء أمن الدولة بالضرب والسحل والسب والقذف على القاضي محمود حمزة يدل على ما أقول..
أما أن تجد بعد ذلك الرئيس مبارك يتحدث أن القضاء في مصر مستقل فهو كتغيير المثل الشعبي "يقتل القتيل ويمشي في جنازته" (فالقاتل) حين يمشي في الجنازة يعترف بموت القتيل ولكن ما يحدث أنه أصبح يقتل القتيل ويقول مماتش!!

ليست هناك تعليقات: