وهم التغيير المستورد (2-3)
المقال الثاني: من التبعية إلى الاستعمار!!
لا شك أن المصالح الأمريكية في المنطقة بشكل عام وفي مصر بشكل خاص تحتم عليها أن تعمل وفق أجندة وخطط واستراتيجيات بعيدة المدى، ومن حسن حظنا أن القانون الأمريكي يتيح ظهور الوثائق السرية – في غالبها – بعد فترة معينة من تاريخ إصدارها، ومن خيبتنا "الثقيلة" أننا لم نتعلم أبدا من تلك الخطط والتي مازال يـُنـَفذ أجزاء منها بحذافيرها حتى الآن!
يروي الأستاذ محمد حسنين هيكل في المقالات الستة الشهيرة التي كتبها تحت عنوان رسائل مفتوحة للرئيس مبارك والمنشورة في جريدة المصري اليوم يناير 2008م الوقائع والظروف التي تم بها اختيار قائد سلاح الطيران حسني مبارك ليكون نائبا للرئيس السادات في عام 1975م، القصة طويلة ولكني توقفت أمام نقاط بعينها مذهولا مما كان – وبالتأكيد ما زال – يرتب لنا في ليل بينما كنا نائمون وربما أيضا مازلنا!!
كان الخلاف قد احتدم بين كلا من عبدالعزيز حجازي رئيس الوزراء وممدوح سالم نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في ربيع عام 1975م وزادت في تلك الفترة المظاهرات والاضطرابات الداخلية مما جعل الرئيس السادات يركز على الطابع الأمني للنظام، فاختار ممدوح سالم لمنصب رئيس الوزراء، أما بخصوص منصب نائب الرئيس فيروي الأستاذ هيكل في مقاله أن الرئسي قال له نصا "محمد .. لا تنسى الدور الخاص لسلاح الطيران نحن مقبلون على أوقات صعبة ومن يضمن الطيران يستطيع أن يواجه أي احتمالات في البلد"
وكان هذا مبرر السادات لاختياره مبارك نائبا له في 15 ابريل 1975م، لكن القصة لا تنتهي هنا، فحين بدأ الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابة كتابه عن الثورة الإيرانية طلب من الإيرانيين أن يسمحوا له بالاطلاع على الوثائق السرية للشاه ولبى له طلبه، فوجد هناك وثيقة من محفوظات القصر كانت عبارة عن مذكرة أمريكية مقدمة لشاه إيران بما يجب أن يفعله بعد القضاء على ثورة مصدق، وكان أحد بنودها يقول "فإن الشاه عليه أن يولي اهتماما خاصا بسلاح الطيران بالذات لأنه يملك محدودية الأفراد ولا محدودية النيران وبالسيطرة على الطيران يستطيع الشاه ضرب أي تمرد ضده حتى إذا جاء من الجيش"
ومن الجدير بالذكر أن الشاه قد جاء إلى القاهرة في زيارة بنفس العام 1975 وفي شهر يناير، وهو ما دفع الأستاذ هيكل في مقاله موجها حديثه للرئيس مبارك أن يكرر جملة "لقد أرادوك لهم "، نستنتج مما سبق أن اختيار محمد حسني مبارك نائبا لرئيس الجمهورية "ربما" جاء بنصيحة أمريكية!!
استلم الرئيس الجديد عام 1981م مقاليد الحكم لدولة مرمية في أحضان أمريكا، تدور في فلكها، تابعة بالكامل للسياسات الأمريكية في المنطقة، وكان سلفه قد قدم الكثير والكثير من التنازلات وما على الرئيس الجديد وقتها هو الالتزام بالاستمرار في تقديم نفس التنازلات فالفاتورة مسددة بأكثر من قيمتها!!
كانت طريقة الصدمة التي كان يتبعها السادات أثبتت من وجهة نظر مبارك فشلها، فاعتمد بطبيعته على أسلوب الاستقرار لدرجة الجمود وعدم المفاجأة كل شئ يمكن أن يحدث بالتدريج دون "شوشرة" فلا حاجة إلى كلمات من نوعية "صديقي بيجن" ولكن إذا أراد أي بيجن أي شئ فلابد من فعله!!
وقع الرئيس حسني مبارك في أول اختبار حقيقي أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982م حيث كانت المقاومة الفلسطينية تتمركز هناك وتقوم بعمليات تؤرق الاحتلال الإسرائيلي الذي قام بتلك العملية الشرسة للتخلص من المقاومة الفلسطينية الباسلة وأسفر العدوان عن سقوط أكثر من عشرين ألف قتيل وما يزيد عن مئة ألف جريح إلى جانب الدمار الذي أصاب القرى والمدن وبخاصة بيروت التي صمدت أمام العدوان مدة ثلاثه أشهر، وكان موقف مبارك هو الصمت فالتزم بمعاهدة السلام التي وقعها سلفه وبالتالي سقطت اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ونتيجة لهذه الحرب وعن طريق المفاوضات الغير مباشرة تم إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان إلى تونس لتصبح بعيدة عن الصراع بعدما أصبحت مصر هي الأخرى نتيجة لكامب ديفيد بعيدة عنه.
ثم جاءت التسعينات في بدايتها تحديدا 16 يناير 1991م تحمل رياح الأزمة الكبرى التي شقت الصف العربي بقوة وأدخلت القوات الأميريكية المنطقة في الحرب التي أطلق عليها "تحرير الكويت" بعد احتلال العراق لها، ووقفت مصر في موقف مؤيد للحرب واشتركت بالفعل بجوار القوات العسكرية الأمريكية في عملية ثعلب الصحراء بجنود يتراوح عددها بين 33600و35000 .
اقتصاديا في بداية التسعينات أيضا بدت الدولة المصرية عاجزة عن سداد التزاماتها من الديون واستمر معدل النمو منخفضا بشدة حيث لم يتجاوز 1.8% حتى عام 1992م وهو الأمر الذي تسبب بتدخل البنك الدولي بقوة في السياسة الاقتصادية المصرية وأخذ النظام على عاتقه تنفيذ توصيات البنك الدولي بحذافيرها ومنها مثلا أنه على مصر الانخفاض في زراعة القمح والقطن والتوسع في استيرادهما والتوسع في زراعة المحاصيل القابلة للتصدير مثل الكانتلوب والفراولة!!
ومن توجيهات البنك الدولي أيضا عرض مشروعات القطاع العام للخصخصة وهو الأمر الذي تم دون تفرقة بين الناجح والمتعثر وفي وقت ضيق بحيث لا تتوفر للأفراد والقطاع الخاص المصري السيولة الكافية للشراء فتم البيع في الغالب لأجانب ليعود الاقتصاد في أيديهم مرة أخرى بعد تحريره بمشروعات التأميم.
كل ما سبق ذكره من تنازلات جديدة كانت ربما أقل مما قدمه السادات إلا أن عام 2003م حمل في طياته النهاية لأي شرعية شعبية تبقت لنظام مبارك حين فتح قناة السويس للطائرات الأمريكية التي كانت ذاهبة لعملية احتلال العراق .. خرجت المظاهرات الشهيرة في 20 و21 مارس2003 لتعلن غضبها من تبعية هذا النظام الكاملة لأمريكا في أكبر مظاهرات ضد مبارك شخصيا منذ توليه مقاليد الحكم،هنا كان النظام قد فقد كل الشرعية الشعبية وأصبح مكروها لدرجة لا تتيح له إلا إلى الارتكان أكثر وأكثر في أحضان التبعية الأمريكية التي تحولت بعدها إلى استعمار أمريكي حقيقي.
اقترب التجديد الخامس للرئيس وسط ضغوط شعبية قوية رافضة له، وضغوط أمريكية مطالبة بالديمقراطية وملوحة بالشرق الأوسط الجديد ، فقدم مبارك كل التنازلات المطلوبة و"المتأخرة" مثل اتفاقية الكويز التي تفرض تطبيعا اقتصاديا مع "إسرائيل" والإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام وإعادة السفير المصري لتل أبيب وإرسال سفيرا مصريا للعراق تحت الاحتلال لكنه قتل فيما بعد والموافقة على تصدير الغاز المصري لإسرائيل بسعر أقل من سعر تكلفته وهو ما دفع شركة الكهرباء الإسرائيلية تخفيض الأسعار عن مشتركيها!!
ويشير تقرير الكونجرس في عام 2006 حول المعونة الأمريكية لتوصيات بعدم تخفيض المعونة كثيرا لأن مبارك يخدم أمريكا بأكثر مما يخدمها أي رجل آخر وأنه سمح بعبور مقاتلات أمريكية ذاهبة لأفغانستان والعراق وأعطى الأذون بطلعات طيران أمريكي مقاتل بلغ عددها 36553 عبر الأجواء المصرية بين عامي 2001م و 2005م وأنه سمح بعبور 861 سفينة وبارجة حربية أمريكية "بعضها ذري" بقناة السويس في نفس الفترة!!
ثم جاءت أزمة غزة الأخيرة فقام مبارك بدعم المجهود الحربي الإسرائيلي ضد أهلنا في غزة بالحصار الذي ساهم فيه بالتعاون مع الصهاينة كل من معبره فهو يحاصر من رفح وحلفاؤه الصهاينة من كرم أبو سالم!!
وصمت على اختراق الطيران الإسرائيلي المتكرر للأجواء المصرية وقذف الشريط الحدودي وهو الأمر الذي يعد حنث باليمين الدستوري الذي يقسمه بأنه سيحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه!!
والآن يقوم بكل طاقته في الضغط على قادة المقاومة لإلقاء السلاح والاعتراف بإسرائيل والتنازل عن بقية الأرض المحتلة عام 1948م والقبول بحدود 1967م على الورق فقط" فما زالت إسرائيل تحتل الضفة الغربية وتتوغل بها على الرغم من اتفاق اوسلو" والتنازل عن حق العودة!
هذا ما فعله مبارك، تحولت مصر في عهده إلى مستعمرة أمريكية وتداس السيادة المصرية يوميا باختراق الطيران الإسرائيلي للشريط الحدودي.
ولكن بعد مظاهرات 2003 ومظاهرات 6 ابريل 2008م التي أسقطت فيها صور مبارك أمام شاشات التلفاز وضح جليا للأمريكان أن رجلهم في مصر لم يعد يمكن الاعتماد عليه بأكثر من ذلك فقد قدم كل شئ ولم يعد مقبولا شعبيا بالمرة والبلاد أصبحت راقدة على فوهة بركان من الغضب السياسي والاجتماعي يمكن أن ينفجر في أي لحظة لذلك كما يبحث المصريون عن البديل يبحث الأمريكان أيضا عنه وحذاري أن ننخدع ببدائل الأمريكان فهي دائما لمصالحهم قبل أي شئ.
ولأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تترك شيئا من قبيل المصادفة فإنها ترتب كل شئ بدقة متناهية وتترك الأطراف التقليدية تتصارع على رقعة الشطرنج الكبيرة بصورة تبدو تلقائية بينما تحتفظ لنفسها دائما بالقدرة على تحريك "معظم" القطع من الجهتين!!
المقال الثاني: من التبعية إلى الاستعمار!!
لا شك أن المصالح الأمريكية في المنطقة بشكل عام وفي مصر بشكل خاص تحتم عليها أن تعمل وفق أجندة وخطط واستراتيجيات بعيدة المدى، ومن حسن حظنا أن القانون الأمريكي يتيح ظهور الوثائق السرية – في غالبها – بعد فترة معينة من تاريخ إصدارها، ومن خيبتنا "الثقيلة" أننا لم نتعلم أبدا من تلك الخطط والتي مازال يـُنـَفذ أجزاء منها بحذافيرها حتى الآن!
يروي الأستاذ محمد حسنين هيكل في المقالات الستة الشهيرة التي كتبها تحت عنوان رسائل مفتوحة للرئيس مبارك والمنشورة في جريدة المصري اليوم يناير 2008م الوقائع والظروف التي تم بها اختيار قائد سلاح الطيران حسني مبارك ليكون نائبا للرئيس السادات في عام 1975م، القصة طويلة ولكني توقفت أمام نقاط بعينها مذهولا مما كان – وبالتأكيد ما زال – يرتب لنا في ليل بينما كنا نائمون وربما أيضا مازلنا!!
كان الخلاف قد احتدم بين كلا من عبدالعزيز حجازي رئيس الوزراء وممدوح سالم نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية في ربيع عام 1975م وزادت في تلك الفترة المظاهرات والاضطرابات الداخلية مما جعل الرئيس السادات يركز على الطابع الأمني للنظام، فاختار ممدوح سالم لمنصب رئيس الوزراء، أما بخصوص منصب نائب الرئيس فيروي الأستاذ هيكل في مقاله أن الرئسي قال له نصا "محمد .. لا تنسى الدور الخاص لسلاح الطيران نحن مقبلون على أوقات صعبة ومن يضمن الطيران يستطيع أن يواجه أي احتمالات في البلد"
وكان هذا مبرر السادات لاختياره مبارك نائبا له في 15 ابريل 1975م، لكن القصة لا تنتهي هنا، فحين بدأ الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابة كتابه عن الثورة الإيرانية طلب من الإيرانيين أن يسمحوا له بالاطلاع على الوثائق السرية للشاه ولبى له طلبه، فوجد هناك وثيقة من محفوظات القصر كانت عبارة عن مذكرة أمريكية مقدمة لشاه إيران بما يجب أن يفعله بعد القضاء على ثورة مصدق، وكان أحد بنودها يقول "فإن الشاه عليه أن يولي اهتماما خاصا بسلاح الطيران بالذات لأنه يملك محدودية الأفراد ولا محدودية النيران وبالسيطرة على الطيران يستطيع الشاه ضرب أي تمرد ضده حتى إذا جاء من الجيش"
ومن الجدير بالذكر أن الشاه قد جاء إلى القاهرة في زيارة بنفس العام 1975 وفي شهر يناير، وهو ما دفع الأستاذ هيكل في مقاله موجها حديثه للرئيس مبارك أن يكرر جملة "لقد أرادوك لهم "، نستنتج مما سبق أن اختيار محمد حسني مبارك نائبا لرئيس الجمهورية "ربما" جاء بنصيحة أمريكية!!
استلم الرئيس الجديد عام 1981م مقاليد الحكم لدولة مرمية في أحضان أمريكا، تدور في فلكها، تابعة بالكامل للسياسات الأمريكية في المنطقة، وكان سلفه قد قدم الكثير والكثير من التنازلات وما على الرئيس الجديد وقتها هو الالتزام بالاستمرار في تقديم نفس التنازلات فالفاتورة مسددة بأكثر من قيمتها!!
كانت طريقة الصدمة التي كان يتبعها السادات أثبتت من وجهة نظر مبارك فشلها، فاعتمد بطبيعته على أسلوب الاستقرار لدرجة الجمود وعدم المفاجأة كل شئ يمكن أن يحدث بالتدريج دون "شوشرة" فلا حاجة إلى كلمات من نوعية "صديقي بيجن" ولكن إذا أراد أي بيجن أي شئ فلابد من فعله!!
وقع الرئيس حسني مبارك في أول اختبار حقيقي أثناء الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982م حيث كانت المقاومة الفلسطينية تتمركز هناك وتقوم بعمليات تؤرق الاحتلال الإسرائيلي الذي قام بتلك العملية الشرسة للتخلص من المقاومة الفلسطينية الباسلة وأسفر العدوان عن سقوط أكثر من عشرين ألف قتيل وما يزيد عن مئة ألف جريح إلى جانب الدمار الذي أصاب القرى والمدن وبخاصة بيروت التي صمدت أمام العدوان مدة ثلاثه أشهر، وكان موقف مبارك هو الصمت فالتزم بمعاهدة السلام التي وقعها سلفه وبالتالي سقطت اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ونتيجة لهذه الحرب وعن طريق المفاوضات الغير مباشرة تم إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان إلى تونس لتصبح بعيدة عن الصراع بعدما أصبحت مصر هي الأخرى نتيجة لكامب ديفيد بعيدة عنه.
ثم جاءت التسعينات في بدايتها تحديدا 16 يناير 1991م تحمل رياح الأزمة الكبرى التي شقت الصف العربي بقوة وأدخلت القوات الأميريكية المنطقة في الحرب التي أطلق عليها "تحرير الكويت" بعد احتلال العراق لها، ووقفت مصر في موقف مؤيد للحرب واشتركت بالفعل بجوار القوات العسكرية الأمريكية في عملية ثعلب الصحراء بجنود يتراوح عددها بين 33600و35000 .
اقتصاديا في بداية التسعينات أيضا بدت الدولة المصرية عاجزة عن سداد التزاماتها من الديون واستمر معدل النمو منخفضا بشدة حيث لم يتجاوز 1.8% حتى عام 1992م وهو الأمر الذي تسبب بتدخل البنك الدولي بقوة في السياسة الاقتصادية المصرية وأخذ النظام على عاتقه تنفيذ توصيات البنك الدولي بحذافيرها ومنها مثلا أنه على مصر الانخفاض في زراعة القمح والقطن والتوسع في استيرادهما والتوسع في زراعة المحاصيل القابلة للتصدير مثل الكانتلوب والفراولة!!
ومن توجيهات البنك الدولي أيضا عرض مشروعات القطاع العام للخصخصة وهو الأمر الذي تم دون تفرقة بين الناجح والمتعثر وفي وقت ضيق بحيث لا تتوفر للأفراد والقطاع الخاص المصري السيولة الكافية للشراء فتم البيع في الغالب لأجانب ليعود الاقتصاد في أيديهم مرة أخرى بعد تحريره بمشروعات التأميم.
كل ما سبق ذكره من تنازلات جديدة كانت ربما أقل مما قدمه السادات إلا أن عام 2003م حمل في طياته النهاية لأي شرعية شعبية تبقت لنظام مبارك حين فتح قناة السويس للطائرات الأمريكية التي كانت ذاهبة لعملية احتلال العراق .. خرجت المظاهرات الشهيرة في 20 و21 مارس2003 لتعلن غضبها من تبعية هذا النظام الكاملة لأمريكا في أكبر مظاهرات ضد مبارك شخصيا منذ توليه مقاليد الحكم،هنا كان النظام قد فقد كل الشرعية الشعبية وأصبح مكروها لدرجة لا تتيح له إلا إلى الارتكان أكثر وأكثر في أحضان التبعية الأمريكية التي تحولت بعدها إلى استعمار أمريكي حقيقي.
اقترب التجديد الخامس للرئيس وسط ضغوط شعبية قوية رافضة له، وضغوط أمريكية مطالبة بالديمقراطية وملوحة بالشرق الأوسط الجديد ، فقدم مبارك كل التنازلات المطلوبة و"المتأخرة" مثل اتفاقية الكويز التي تفرض تطبيعا اقتصاديا مع "إسرائيل" والإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام وإعادة السفير المصري لتل أبيب وإرسال سفيرا مصريا للعراق تحت الاحتلال لكنه قتل فيما بعد والموافقة على تصدير الغاز المصري لإسرائيل بسعر أقل من سعر تكلفته وهو ما دفع شركة الكهرباء الإسرائيلية تخفيض الأسعار عن مشتركيها!!
ويشير تقرير الكونجرس في عام 2006 حول المعونة الأمريكية لتوصيات بعدم تخفيض المعونة كثيرا لأن مبارك يخدم أمريكا بأكثر مما يخدمها أي رجل آخر وأنه سمح بعبور مقاتلات أمريكية ذاهبة لأفغانستان والعراق وأعطى الأذون بطلعات طيران أمريكي مقاتل بلغ عددها 36553 عبر الأجواء المصرية بين عامي 2001م و 2005م وأنه سمح بعبور 861 سفينة وبارجة حربية أمريكية "بعضها ذري" بقناة السويس في نفس الفترة!!
ثم جاءت أزمة غزة الأخيرة فقام مبارك بدعم المجهود الحربي الإسرائيلي ضد أهلنا في غزة بالحصار الذي ساهم فيه بالتعاون مع الصهاينة كل من معبره فهو يحاصر من رفح وحلفاؤه الصهاينة من كرم أبو سالم!!
وصمت على اختراق الطيران الإسرائيلي المتكرر للأجواء المصرية وقذف الشريط الحدودي وهو الأمر الذي يعد حنث باليمين الدستوري الذي يقسمه بأنه سيحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه!!
والآن يقوم بكل طاقته في الضغط على قادة المقاومة لإلقاء السلاح والاعتراف بإسرائيل والتنازل عن بقية الأرض المحتلة عام 1948م والقبول بحدود 1967م على الورق فقط" فما زالت إسرائيل تحتل الضفة الغربية وتتوغل بها على الرغم من اتفاق اوسلو" والتنازل عن حق العودة!
هذا ما فعله مبارك، تحولت مصر في عهده إلى مستعمرة أمريكية وتداس السيادة المصرية يوميا باختراق الطيران الإسرائيلي للشريط الحدودي.
ولكن بعد مظاهرات 2003 ومظاهرات 6 ابريل 2008م التي أسقطت فيها صور مبارك أمام شاشات التلفاز وضح جليا للأمريكان أن رجلهم في مصر لم يعد يمكن الاعتماد عليه بأكثر من ذلك فقد قدم كل شئ ولم يعد مقبولا شعبيا بالمرة والبلاد أصبحت راقدة على فوهة بركان من الغضب السياسي والاجتماعي يمكن أن ينفجر في أي لحظة لذلك كما يبحث المصريون عن البديل يبحث الأمريكان أيضا عنه وحذاري أن ننخدع ببدائل الأمريكان فهي دائما لمصالحهم قبل أي شئ.
ولأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تترك شيئا من قبيل المصادفة فإنها ترتب كل شئ بدقة متناهية وتترك الأطراف التقليدية تتصارع على رقعة الشطرنج الكبيرة بصورة تبدو تلقائية بينما تحتفظ لنفسها دائما بالقدرة على تحريك "معظم" القطع من الجهتين!!
وللحديث بقية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق