الاثنين، 18 مايو 2009

وهم التغيير المستورد (1-3)

وهم التغيير المستورد (1-3)



أولا: أحضان أمريكا!!

لا شك أن كل التقديرات المنطقية والتي قـُتلت بحثا ً تؤكد أن مصر بحاجة إلى تغيير شامل للأوضاع المتفاقمة منذ أكثر من ربع قرن، ولا شك أن طريق هذا التغيير المنشود يجب أن يكون واضحا جليا لنا حتى لا نضل ونسلك طرقا غير صحيحة ستؤدي بنا حتما إلى نهايات خاطئة ولن تعطينا إلا تضيع الوقت والجهد بينما نحن في أمس الحاجة إليهما في ظل الظروف المعقدة بالغة السوء التي تعاني منها مصر بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام.
إلى الذين يراهنون على التغيير من الخارج، أو على الطريقة الأمريكية أكتب هذه الكلمات سائلا الله أن يوفقني في إظهار الحقيقة لا غيرها، الحقيقة التي نأملها جميعا!!
كانت العسكرية المصرية تقوم بعملية بطولية في السادس من أكتوبر 1973م حاملة ً على عاتقها محو آثار الهزيمة النكراء في يونيو 1967م بينما كانت قيادتها السياسية متمثلة في الرئيس السابق أنور السادات تفتح قناة اتصال مباشرة مع "الصديق" هنري كسينجر وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي، وتؤكد الوثائق التي نشرت في كتاب السلاح والسياسة لمحمد حسنين هيكل وكتابي "سنوات القلاقل" و"الأزمة" لهنري كسينجر أن الرئيس السادات "تعهد" في رسالة لكسينجر صباح يوم 7 أكتوبر 1973م بأن القوات المصرية لن توسع جبهة القتال في سيناء ولن تعمل على زيادة عمقها وهذا الأمر بالطبع أعطى فرصة هائلة لإسرائيل أن تركز باطمئنان بالغ على الجبهة السورية بعد تأكدها من ضعف الخطر على الجبهة المصرية التي اكتفت قيادتها بالعبور وتنوي استكمال الأمر في مباحثات على الطاولة الأمريكية أو ربما من تحتها!!
كان بالفعل الرئيس السادات يسير وبأقصى سرعة نحو "أحضان أمريكا" وهو ما تجلى في فض الاشتباك الأول في 17 يناير 1974م وفض الاشتباك الثاني في الأول من سبتمبر 1975م وكانت النتائج والتنازلات مفزعة، فقد وافق الرئيس السادات وقتها على خفض القوات المصرية من 77 ألفا إلى 7 آلاف ومن ألف دبابة إلى 30 وهو الأمر الذي استدعى بكاء المشير الجمسي رئيس الأركان على التازلات التي يقدمها قائده العام في مقابل طلب الرضا الأمريكي!!
تمر الأحداث ويحاول الرئيس السادات بشتى الطرق الاقتراب أكثر فأكثر من "أحضان أمريكا" وإذ به يتخذ فجأة القرارات الشهيرة بإلغاء الدعم في يناير 1977م تنفيذا لسياسة تحرير الاقتصاد دون دراسة حقيقية للواقع المصري الاقتصادي والاجتماعي وقتها، وهو الأمر الذي استدعى انتفاضة شعبية في 18 و 19 يناير 1977م والتي فرضت على الرئيس الهارب وقتها في أسوان بالرجوع مجبرا عن تلك القرارات الخاصة بإلغاء الدعم، وشكلت تلك الانتفاضة لدى الرئيس السادات قناعة غير قابلة للنقاش بأنه لم يعد مقبولا شعبيا وعليه الاسراع بالارتكان وبشكل شبه كامل إلى "أحضان أمريكا"!!
ويروي الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه السلاح والسياسة أن الرئيس السادات طلب من "صديقه" هنري كسينجر أنه إذا أرادوا منه أن يقبل بمبادرة فعليهم أن يخبروه اياها ويطرحها هو بنفسه حتى لا يتهمه الشعب بالتبعية لأمريكا وهو ما تطابق مع "مبادرته" الشهيرة بالذهاب إلى آخر العالم .. الكنيست ذاته!!
ثم اقتربت المسرحية من الفصل الأخير في كامب ديفيد والتوقيع على إطارها العام في 17 سبتمبر 1978م ثم معاهدة السلام في 26 مارس 1979م ليتحول مناحم بيجين إلى "صديق" أيضا مثل هنري كسينجر!!
استكملت المعاهدة باقي التنازلات من أجل نيل الرضا الأمريكي فجرى نزع سلاح سيناء بشكل شبه كامل ومنع مصر من بناء أية مطارات أو موانئ حربية في أي بقعة منها ووضع 750 جندي حرس حدود فقط لا غير عند محور صلاح الدين في الحدود بيننا وبين إسرائيل وحين طالبت مصر رفعهم حديثا إلى 3500 جندي رفضت إسرائيل التي تمتلك بموجب المعاهدة الحق في القبول أو الرفض!!
أما الجوانب السياسية فهي واضحة وضوح الشمس من إلزام مصر الاعتراف الكامل بإسرائيل وأن تبيع لها البترول والغاز كما تسقط المعاهدة في مادتها السادسة من الوثيقة الرئيسية أي اتفاق آخر يتناقض مع المعاهدة وبالتالي تفقد مصر التزامها بمعاهدة الدفاع العربي المشترك وهو ما وضح في موقفها الصامت من الاجتياح الاسرائيلي لبيروت بعد ذلك في عام 1982م
ثم كانت النهاية الدرامية للرئيس أنور السادات في حادث المنصة عام 1981م بينما كانت مصر قد خرجت بشكل كامل من الصراع ومن دورها الإقليمي في المنطقة وارتمت بشكل كامل في "أحضان أمريكا" وهذا ما تسلمه الرئيس الجديد وقتها حسني مبارك!!
وللحديث بقية

ليست هناك تعليقات: