الاثنين، 30 نوفمبر 2009

الإنسان ليس كالفأر!!

الإنسان ليس كالفأر!!

مصر بحاجة إلى التغيير .. عبارة يرددها كل صاحب عقل وهي منطقية جدا ومطلوبة جدا .. فعلا مصر في مرحلة التغيير، فبعد حكم القهر والظلم والفساد والتبعية لمدة تجاوزت الربع قرن يريدوا لها أن تتحول إلى عزبة تنتقل ملكيتها من الأب لابنه لمجرد أنه ابنه!
إذا أحضرت فأرا ووضعت له الطعم في المصيدة فإنه بصورة تلقائية جدا سيقع فيها .. ولو بعد عشرات أو مئات السنين فعلت نفس الأمر سيقع الفأر في المصيدة أيضا ولا يوجد أي أمل في أن يتطور الفأر حتى "يدون" في ذاكرته التاريخية أن المصيدة خطر يجب الابتعاد عنه!!، الفرق بين الفأر والإنسان أن الإنسان له تاريخ يتعلم منه ويضيف إليه، وهذا هو ما يبني الحضارة الإنسانية كلها، فالإنسان بلا تاريخ يتحول إلى الفأر في المصيدة!! .. ويدهشني كثيرا آراء بعض النشطاء - خصوصا نشطاء (الجيل الجديد) – حول أننا يجب أن نركز على القضايا الداخلية فقط نترك فلسطين والعراق ونصب تركيزنا على البدرشين والوراق!! .. بل وصل الأمر أننا حين كنا نوضح موقفنا ضد المشروع الأمريكي للتغيير في المنطقة يتم اتهامنا بتهمة أننا "تاريخيين"!!

إن ما يُـبقي مبارك في الحكم حتى الآن هو ارتكانه وتحالفه القوي والمتين مع أمريكا وإسرائيل، فالنظام في مصر يعلم جيدا أنه لم يعد مقبولا شعبيا بالمرة وأن مظاهرات 2003 في ميدان التحرير ضد موقفه من حرب العراق وسماحه للطائرات والبوارج الأمريكية بالمرور من مجالنا الجوي ومياهنا الإقليمية وقناة السويس .. ومظاهرات 6 ابريل 2008 في المحلة تعبر عن الحالة الشعبية الرافضة لوجود هذا النظام القابع على رقبة المصريين وأنفاسهم منذ ربع قرن من الزمان، وفي النهاية يريد أن يحول مصر الدولة الكبيرة إلى عزبة تنتقل ملكيتها بصلة الدم من الأب إلى الابن!

والتحالف مع أمريكا باعتبارها الدولة صاحبة أكبر مصالح في المنطقة والموجودة بقوة اقتصاديا في مشروعات البترول وعسكريا في قواعد بالقرب من آباره بالمنطقة يضمن للنظام سكوتها على تجاوزاته فيما يخص الديمقراطية وحقوق الانسان لأن أمريكا بطبيعة تركيبتها العقلية البراجماتية تفضل المصلحة على المبدأ، فهي تنادي بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان وتنتقد دولا كإيران وسوريا لأقل هفوة فيما يخص هذه المواضيع، ولكن حين ينتهك نظام مبارك كل المواثيق الدولية في حقوق الانسان لا يتعدى الأمر العتاب "الرقيق" إن حدث أساسا!!، وما حدث من ضجة عالمية حين قتلت الفتاة الإيرانية ندا سلطان أثناء المظاهرات الأخيرة في طهران ومقارنته بحالة الصمت الدولي حين قتلت أيضا المصرية مروة الشربيني على يد متطرف ألماني يؤكد سياسة الكيل بمكياليين في ملف حقوق الانسان، فالحالة الأولى استدعت أن يصرح أوباما شخصيا بأنه مستاء وحزين لمقتل ندا سلطان ولكنه لم يفتح فمه لمقتل مروة الشربيني أو مقتل صبي المحلة على يد الأمن المصري حينما كان يشاهد من بلكونة بيته مظاهرات 6 إبريل 2008 هذا إلى جانب حالات التعذيب المنتشرة في السجون المصرية!!

في مقابل هذا السكوت من أمريكا يقدم النظام في مصر خدماته "الجليلة" لها ومدللتها إسرائيل، وموقف النظام المصري في حرب غزة الأخيرة كإغلاق معبر رفح في وجه المساعدات الذاهبة إلى قطاع غزة من أدوية وأطعمة في وقت الحرب ومنع قوافل الإغاثة التي نظمتها القوى الوطنية من الوصول إلى شبه جزيرة سيناء أصلا بل وصل الأمر في قافلة السادس من أكتوبر العام الماضي إلى تفريقها بالقوة وضرب النشطاء والسياسيين والصحفيين كبارا كانوا أو صغارا من أمام مجلس الدولة!!، أيضا تصدير الغاز إلى إسرائيل ينقسم إلى قسمين ترتيبهما من حيث الأهمية: الأول أنه لا يجب أن يذهب الغاز المصري إلى إسرائيل من الأساسا لأنها العدو الاستراتيجي لنا والثاني هو بخس ثمنه الذي يكاد يكون مجانا!!
ولذلك من الطبيعي جدا أن تكون أمريكا في صف النظام ولكن هل يعني ذلك أن أمريكا تقف ضد تيار التغيير في مصر، الأجابة بالطبع لا لأن أمريكا ليست كالفأر الذي تحدثنا عنه فهم تعلموا مما حدث لهم حين اعتمدوا بشكل كامل على الشاه في إيران، وكان الشعب ضده وحين تغيرت المواقع وأسقطت الثورة الإيرانية نظام الشاه فقدت أمريكا السيطرة على دولة كانت لفترة طويلة حليفة قوية لها .. فكما نبحث عن التغيير تبحث أمريكا عنه فهي بحاجة لنظام يؤدي لها كل هذه الخدمات التي يؤديها النظام الحالي ولكن يحظى ببعض القبول الشعبي، فقامت بخلق تيار المعارضة (الأمريكية) وسلحته بإعلام أمريكي قوي وطريقة هوليودية لصناعة النجوم حتى تبقى لها القدرة في السيطرة على الطرفين النظام الداخل على توريث والمعارضة له – التي صنعتها واختارتها بعناية – وتتركهم في صراع قد يكون تلقائي ومن يحظى بالقبول أكثر ستلعب لصالحه!!

لقد علمنا التاريخ أن إسرائيل هي العدو الأول لنا أجيالا سابقة أو (جديدة) .. وإسرائيل حليفة أمريكا، وإن كانت أمريكا تحاول لعب دور وسيط السلام في الماضي فقد أصبحت طرفا في الصراع بعد احتلالها أرضا عربية وهي العراق وبالتالي تتحول إلى عدو شأنها شأن إسرائيل فكلاهما يغتصب أراضي عربية .. وعلمنا التاريخ أن أمريكا ومنظماتها المشبوهة كفريدوم هاوس - صاحبة مشروع (جيل جديد) من النشطاء - وغيرها تعمل على صناعة الثورات الملونة التي دائما ما تفرز قيادات موالية لأمريكا بأكثر ما هي موالية لشعوبها مثلما حدث في أوكرانيا وجورجيا وصيربيا .. وعلمنا التاريخ أن التغيير الحقيقي الذي يطلبه الشعب المصري لابد وأن يتناقض مع المشروع الأمريكي للتغيير لتركيبة الشعب المصري وتكوينه الجيني الذي يكره إسرائيل ويتعاطف مع فلسطين والعراق .. وعلمنا التاريخ أن الإنسان لابد وأن يتعلم من تاريخه .. لقد علمنا التاريخ أن الإنسان ليس كالفأر!!

ليست هناك تعليقات: