الاثنين، 19 أكتوبر 2009

حملات فريدوم هاوس

حملات فريدوم هاوس


في اللحظات الحاسمة والخطيرة من التغيرات التاريخية تتشابك الخيوط وتتداخل الأغصان نظرا لتعقيد الموقف والتشابكات السياسية الكثيفة، فتحجب الرؤية عن العين المجردة ويصبح الاقتراب أكثر وأكثر هو الوسيلة الوحيدة لكشف الحقائق واستجلاء الصورة الصحيحة.
وما تمر به مصر هذه الأيام هي حالة شديدة التعقيد من التجاذبات السياسية ومعادلة بات حلها أمر غاية في الصعوبة، إذ أن الوقت يجري وميعاد استحقاق الانتخابات الرئاسية يقترب بين حديث عن التمديد للرئيس الأب والتوريث للوريث الابن واحتمالات أخرى تؤكد
– بل وتتمنى وترجو – أن المؤسسة العسكرية سيكون لها الدور الأكبر في حسم النتائج النهائية التي ستحدد مصير هذا الوطن ومستقبله الظاهر كأنه في منحنى على النهر لا تستطيع أن تحدد إن كان بعد هذا المنحنى مياه هادئة أم شلال قد يقلب القارب ويطيح براكبيه.

بعد 28 عاما من حكم نظام مبارك حدث خلالها الكثير من المآسي يحتاج لذكرها مجلدات تمتلئ صفحاتها بأخبار نظام أصبح يعادي كل طوائف وفئات شعبه، فمن شباب الأطباء الذين يعانون ارتفاع تكاليف استكمال دراستهم والحصول على الماجستير والدكتوراه وشراء المراجع العلمية اللازمة لهم بينما يحصلون على مرتبات هزيلة لا تمكنهم حتى من العيش بكرامة، إلى أساتذة الجامعات الذين كان ينظر لهم باعتبارهم طبقة راقية، وهو أمر طبيعي أن تقدرهم الدولة لكونهم علماء يخرجون أجيالا هي التي ستحمل لواء الحضارة لهذا البلد، لكننا في السنوات الأخيرة رأينا هبات أساتذة الجامعات من حركة 9 مارس الرافضة لتدخل الأمن في الجامعات والطالبة بمرتبات محترمة تكفل لأساتذة الجامعات حياة تليق بمكانتهم العلمية ومتماشية مع نظرائهم في كل دول العالم المتقدمة وحتى النامية .. وشهدت أيضا سنين حكم مبارك احتجاجات واسعة من القضاة الشرفاء مطالبين باستقلال القضاء وعدم تحكم السلطة التنفيذية في سير شؤون العدالة بالترهيب والترغيب عن طريق ندب القضاة ومد السن وغيره من المؤثرات التي تضرب فكرة استقلال القضاء بخنجر وزير العدل .. والمهندسين الذين يصرخون مطالبين بنقابة دون حراسة رغم حصولهم على العديد من الأحكام القضائية لإجراء انتخابات في نقابة المهندسين لكن الدولة ترفض وتبقى أزمتهم معلقة منذ ما يقرب من 14 عاما .. وتستمر الاحتجاجات في كل مكان حتى سائقي المقطورات والعربات الكارو والعمال في وضع مختل لنظام لا يؤيده أحد من شعبه وما يبقيه هو ارتكانه على عصا الأمن المركزي!

كما ارتكب هذا النظام على مدار سنوات حكمه الكثير من الجرائم في حق دور مصر التاريخي وثقلها الطبيعي في المنطقة عبر اتخاذه مواقف تتنصل لذلك الدور مثل اشتراك مصر في حرب الخليج الأولى 1990 ضد دولة عربية شقيقة وهي العراق، وسماحه بمرور الطائرات والبوارج الأمريكية الذاهبة لاحتلال العراق الشقيق من خلال قناة السويس والأجواء المصرية في عام 2003، وموافقته على تصدير الغاز المصري الذي هو ثروة قومية لهذا الجيل والأجيال القادمة إلى العدو الاستراتيجي الأول للبلاد إسرائيل بسعر أقل من سعر تكلفته بينما يرفع أسعار كل السلع على مواطنيه ليتميز هذا النظام بالسخاء مع إسرائيل والغباء مع المصريين!!
وموقفه المتواطئ خلال حرب إسرائيل على قطاع غزة حين أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك تسيبي ليفني عزم إسرائيل قصف قطاع غزة عبر مؤتمر صحفي جمعها بوزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط وبعد لقائها مبارك في القاهرة لتصورها الكاميرات ويد أبو الغيط تحتضن يدها في حنان بالغ أثناء هبوطها درجات السلم!

بعد كل هذا الميراث الثقيل من الانهيار السياسي بل والأخلاقي لنظام احتكر السلطة والثروة أكثر من ربع قرن لم يكتفي خلالها بما حدث بل أراد أن تستمر هذه الحفرة الحضارية العميقة التي أوقعنا فيها بالاتساع عن طريق توريث السلطة لمبارك الابن وإعداد المسرح بديكور جذاب حتى تبدو اللعبة وكأنها تلقائية بينما تلك التلقائية تنطوي على خبث شديد، فيتم تعديل الدستور لتتحول المادة 76 الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية إلى مادة لا تقبل إلا وأن يكون اسم المرشح هو جمال محمد حسني مبارك بينما تبقى المادة 77 والتي تتيح لرئيس الجمهورية الترشح مدى حياته دون أي تعديل لتضمن استمرار جمال في الحكم عدد سنوات والده وربما يورث السلطة لنجله أيضا!
صاحب ذلك التعديل القضاء على آخر أمل في اي انتخابات بها شبهة نزاهة عن طريق إلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات لتتحول إلى تعيينات إدارية، وهو الأمر الذي وضح خلال انتخابات المحليات وانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى وكانت النتيجة هي لم ينجح أحد إلا إذا كان عضوا في الحزب الوطني!

ولأن مصالح أمريكا في المنطقة قوية للغاية، ومنذ توقيع مصر معاهدة كامب ديفيد ودورها هو رعاية المصالح الأمريكية والإسرائيلية بل وخدمتها كما ذكرنا عن طريق تنازلات قدمتها مصر خلال ال 28 عاما من حكم مبارك لصالح أمريكا وإسرائيل فإن من الطبيعي أن تهتم أمريكا بمستقبل الحكم في مصر وليس الأمر بالسذاجة التي تحاول السفيرة الأمريكية مارجريت سكوبي خداعنا بها من أن أمريكا لا يعنيها مستقبل الحكم في مصر وأنه شأن داخلي!!
ولأن أمريكا لا تترك شيئا للمصادفة فإنها تترك كل أطراف اللعبة تتصارع بشكل يبدو تلقائيا ولكنها تحتفظ لنفسها بالقدرة دائما على تحريك مجريات اللعبة من الطرفين!

في نفس الإطار انطلقت حملة ضد التوريث اسمهوها "مايحكمش" وقد جاءتني دعوتها عن طريق الانترنت كالكثير ممن تلقوا تلك الدعوة العامة وذهبت .. ربما لأقترب وأعرف وأحلل الوضع وربما لاعتقادي أنه قد تتوحد النخبة خلف هدف واحد وهو رفض التوريث .. ما غاب عني وقتها هو لقاء د/أيمن نور الداعي للحملة قبل يوم واحد لإطلاقها مع منظمة فريدوم هاوس المشبوهة ذات العلاقة الوثيقة بجهاز المخابرات الأمريكية والتي سبق أن خضت معركة مع زملائي ضدها وضد مخططاتها الخبيثة في مصر، ولست الآن في موقف إثبات أنها منظمة ذات علاقات قذرة بتجارب التغيير الملون في العالم وعن تاريخها المشبوه وعلاقتها بال CIA ومن يريد أن يعرف معلومات أدق يمكنه قراءة مقالي الثالث من سلسلة وهم التغيير المستورد "التغيير الملون والمنظمة المشبوهة".
وبما أني الآن قد وضحت الصورة أمامي كاملة، ومن الشجاعة الاعتراف بالخطأ وعدم التمادي به فإنني أعترف بخطئي لحضوري المؤتمر التأسيسي لهذه الحملة كونها ممولة من تلك المنظمة المشبوهة ..
وأدعو كل الشرفاء الذين ذهبوا بحسن نية للمشاركة في حملة ضد التوريث إلى عدم التمادي والغوص في هذا المستنقع الأمريكي الرامي إلى أن تسيطر أمريكا على كل الخيوط بشكل كبير من خلال تنسيقها مع الوريث ومعارضيه أيضا!!
وإذا أردنا أن نوحد النخبة خلف هدف رفض التوريث فيجب أن يكون ذلك التوحد دون أي دعم من منظمة فريدوم هاوس أو غيرها من المنظمات ذات الصلة بالمخابرات الأمريكية.

إن التغيير الحقيقي لن يكون أبدا من خلال التعاون مع تلك المنظمات الممولة من المخابرات .. التغيير الحقيقي الذي سيطالب به غالبية الشعب لابد وأن يتصادم مع المصالح الأمريكية لتعاطف المصريين بطبيعتهم مع الشعب العراقي الشقيق والقضية الفلسطينية وكرهم المتوارث والجيني للكيان الصهيوني وجرائمه.
فإننا حين نبحث عن التغيير يجب أن نحذر من الخداع وخفة اليد الأمريكية التي تعمل لسرقة أمل التغيير مننا .. لذلك أدعو كل شريف أن يعارض التوريث الذي كلنا نعارضه ولكن دون أن يتورط في تأييد تلك الحملات المشبوهة..

اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد.

هناك 4 تعليقات:

كريم الشاعر يقول...

محمد .... الكلام ده عيب أوي

مصري حر يقول...

هو ايه اللي عيب يا كريم .. الاختلاف في الرأي عمره ما كان عيب مش هي دي الليبرالية .. انا لم أهاجم أشخاص ولكن عبرت عن رأيي بكل حرية في منظمة فريدوم هاوس المعروف علاقتها الوثيقة بالمخابرات الامريكية وكتبت مقال قبل كدا يمكن ترجعله لو عايز تتأكد اسمه التغيير الملون والمنظمة المشبوهة وهو الجزء الثالث من سلسلة مقالات كتبتها تحت عنوان وهم التغيير المستورد واكتشفت بعد ما رحت الحملة مقابلة الدكتور أيمن نور بمسؤول المنظمة قبل الحملة مباشرة بيوم تقريبا لذلك كتبت المقال واتحداك لو طلعت في المقال اي اساءة لحد
في النهاية الخلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية
تحياتي

Ahmed melad يقول...

نرجو من حضرتك التفضل بتوضيح أدلة و براهين و دلائل التى قطعت بتمويل تلك المنظمة لحملة ميحكمش أول حركة سياسية تجمع ليبرالي و يساري و أخواني و شيوعي

بنجامين گير يقول...

أدعوكم إلى قراءة تلخيصاً لدراسة علمية عن تجارب أهالي أمريكا اللاتينية في تحقيق استقلال القضاء وتمكين الفقراء من الدفاع عن حقوقهم.