الثلاثاء، 11 أغسطس 2009

الأزمة المائية النيلية!


الأزمة المائية النيلية

"مصر هبة النيل" .. الله يرحمك يا هيرودت .. تلك العبارة التي لخص فيها المؤرخ العبقري هيرودت سر عظمة مصر على مر العصور بأن وصفها بـ"هبة النيل" تؤكد مدى الارتباط الوثيق بين وجود مصر والنهر "الخالد" .. ذلك النهر الذي تنبه أجدادنا الفراعين إلى أهميته القصوى في حياتهم فألهوه تحت إسم الإله "حابي" وقدسوه باعتباره رمزا للخير والعطاء. ولو عاش هيرودت بيننا اليوم لكان قد أصيب بأحد الأمراض الملازمة بالضرورة للمصريين كارتفاع الضغط أو مرض السكر أو فقعة المرارة لما يحدث لنا من مصائب لا يتحملها بشر بينما نظامنا الحاكم القابع على كرسيه – ورقابنا – منذ أكثر من ربع قرن نسى أن خارج قصوره شعبا كان يموت جوعا والآن على أعتاب أن يموت من العطش!!


يقدر نصيب مصر من المياه بـ 63.6 مليار متر مكعب يمثل نهر النيل 95% منها أي 60.42 مليار متر مكعب بالإضافة لـ 1.3 مليار متر مكعب من الأمطار و 1.4 مليار من المياه الجوفية و5.4 مليار متر مكعب من إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي وهذه الأرقام "الرسمية" التي ذكرها وزير الري الحالي محمد نصر الدين علام .. بينما تؤكد مصادر أخرى مستقلة أن نصيب مصر من ماء النيل الآن يقدر بـ 55.5 مليار متر مكعب سنويا فقط .. لسنا بصدد فض "الخناقة" بين الرقمين ولكن بصدد أن هذا النصيب – أيا كان الرقم – أصبح مهددا بالفعل نتيجة للسدود التي بدأت دول المنبع في بنائها وستؤدي بالطبع لحرمان مصر من جزء كبير من مياه النيل التي تصل إليها ويـُلحظ بقليل من التمحيص أيدي إسرائيلية تعبث في منابع النيل ولعل ما نشر في هاآرتس الإسرائيلية عن زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان المرتقبة لكلام من إثيوبيا وكينيا وأوغندا وهم دول المنبع للنيل تشير بوضوح إلى تلك الأيدي الخبيثة التي كما تهدد أمننا القومي من الحدود الشرقية تهدد أمننا المائي من الجنوب، ونحن هنا نشيد بحكمة الرئيس وعبقريته وذكاؤه ووسع أفقه و"عيونه الجريئة" وأن كل رؤساء العالم يستشيرونه في كل كبيرة وصغيرة من أول أوباما حتى رئيس جزر الموز – التي لا أعرف مكانها - !!


وحصة مصر من مياه النيل تضمنها اتفاقية عام 1929م التي تعطي لمصر حق النقض "الفيتو" للإعتراض على أي سدود أو مشروعات للري بكل وادي النيل .. واتفاقية عام 1959م بين مصر والسودان والتي تضمن لمصر نصيبها القادم عبر الأراضي السودانية، وعندما قررت مصر بناء السد العالي بدعم من الاتحاد السوفيتي أنذاك قامت أمريكا بدراسة إنشاء عدة سدود على النيل الأزرق وهي كاربودا – بوردو – مابيل – مترايا، وحين تغيرت الأوضاع وانضمت مصر للتحالف مع أمريكا في السابعينات وأصبحت إثيوبيا حليفة للاتحاد السوفيتي الذي قام بتوصيل رسالة إلى مصر تلوح بإمكان السوفيت أن يتعاونوا مع إثيوبيا لبناء سد على النيل الأزرق ورد الرئيس السادات وقتها أن مصر ستقوم بقصف هذا السد إذا ثبت أنه "يمكن" أن يهدد أمن مصر المائي!!والحقيقة أن هذا السد أصبح واقعا ملموسا ويبدو أن نظامنا العبقري كان مشغولا بحكمته العميقة ولم يلحظ أن إثيوبيا بنت بالفعل في فبراير الماضي سدا "يخزق العين" اسمه سد تيكيزي يبلغ ارتفاعه 188 مترا تكلفته 365مليون دولار ويضيف 300 ميجاوات من الكهرباء إلى شبكة إثيوبيا ونحن هنا لم نحرك ساكنا!!ويبدو أن إثيوبيا وجدت الحكاية لعبة حلوة ووجدت مصر دولة لقطة فباتت تدرس بجدية إنشاء عدد آخر من السدود قد تصل إلى 20 لتتمكن من زيادة إنتاج الكهرباء حتى تبيعها لدول الجوار وأهو رزق وجايلها والمصريين طيبين يشربوا ساعتها مياه الصرف الصحي طالما أن السادة الوزراء والكبراء والرؤساء – عفوا هو رئيس واحد – يمكنهم شرب مياه معدنية مستوردة!!


ومازاد الطين بلة أن إقليم جنوب السودان الذي لديه الكثير من المشاكل مع حكومة السودان لديه النية للإنفصال عام 2011م وهو ما يهدد باقي نصيب مصر من المياه الذي سيتضاءل بالقطع نتيجة للسدود الأثيوبية، وبعد أن كان نصيب الفرد من المياه عام 1959م يقدر بنحو 1893 مترا مكعبا وصل عام 1996م إلى 936 مترا مكعبا ليصبح الآن بالصلاة على النبي 740 مترا مكعبا وتوقع وزير الري الحالي أن يصل عام 2025م إلى 582 مترا مكعبا أي نصف حد الفقر المائي المقرر بالألف متر مكعب سنويا دون أن يخبرنا الوزير عن الحل ماذا ستفعل يا عم الحاج أنت؟! لا حياة لمن تنادي!!


وكم تؤلمني الصورة التي تطالعنا في كل الجرائد المصرية هذه الأيام لأهالي قرية البرادعة المساكين الذي جعلهم حظهم العثر يحملون في بطاقاتهم الجنسية المصرية حيث أدى اختلاط مياه الشرب هناك بمياه الصرف الصحي إلى إصابة 400 فردا من أبناء القرية بالتيفود وأصبح المواطنين في الكثير من قرى مصر لا يجدون مياه شرب نظيفة إلا من خلال حمل جراكنهم والتدافع بالطوابير أمام عربات وحنفيات المياه النظيفة – التي أشك في نظافتها أيضا – ويبدو أن قدر أبناء هذا الوطن هو الطوابير فمن طوابير الدجاج واللحوم أمام الجمعيات في السابعينات إلى طوابير الخبز في الأعوام الأخيرة .. وأرى المستقبل "الباهر" لأبناء وطني في ظل حكم مبارك والحزب الوطني وهم يحملون جراكنهم وحللهم وأوانيهم ويقفون في طوابير من أجل الحصول على شربة ماء .. فعلا بلدنا بتتقدم بينا .. ربنا يستر!!

هناك تعليقان (2):

دعاء جمال الدين يقول...

حسبيى الله ونعم الوكيل فاضل ايه تانى ها يتعمل فينا

غير معرف يقول...

تحياتى صديقى العزيز محمد عزيز:) على مقالك الهام و بعد نظرك و نحن الآن ننتظر الإستفتاء المصيرى و السدود و مشروعات الرى التى تقيمها إسرائيل و إنجلترا و هم الآن يريدون أن ينهوا اتفاقيتى 1929و1959 و لا حظ أيضا يا محمد أن مساحة السودان وحدها مثل مساحة ثمانى دول أوروبية و لذلك تسعى الدول الغربية إنفصال الجنوب عن الشمال حتى لا تكون دولة إسلامية كبيرة و تعليم الأقلية المسيحية و تغيير المناهج لفرض اللغة الإنجليزية كل هذا و نحن نأكل الرز مع الملايكة و مغيبين تماما عما يحدث هناك ثم عندما ينفصل الجنوب ستتحكم فيه إسرائيل و تأخذ من حصتنا من المياه