الثلاثاء، 31 يناير 2012

امتحان البرلمان


امتحان البرلمان


 بعد حديث طويل مع سائق تاكسي أبهرني ثقافته الفطرية، وإدراكه الطبيعي لمجريات الأمور، ودون فلسفة ومصطلحات سياسية يقولها المنظرون والمحللون، قالها الرجل ببساطة "انتخبت الحرية والعدالة يا بيه .. بس لو محققوش الحرية والعدالة .. الدورة الجاية هنتخب غيرهم"، سألته "إنت عايز إيه من مجلس الشعب يعني؟" .. رد بتلقائية "يعني إيه فيه أزمة أنابيب بوتجاز وأزمة بنزين والغاز بيتصدر إسرائيل!!" .. والله عندك حق يا اسطى!

طبعا الزبون دائما على حق، وفقا للقاعدة التجارية الشهيرة، والناخب دائما على حق، لأن الناخب هو الشعب، والشعب هو مصدر السلطات، والنائب عن الشعب إذا لم يعبر عن طموحات الشعب وتطلعاته، وعايشه في آلامه وآماله يفقد شرعيته بكل تأكيد، لذلك في النظم الديمقراطية – التي نتمنى أن نكون مثلها – تتسابق الأحزاب والقوى السياسي على تقديم للناخب كافة وسائل الرعاية والراحة الممكنة، وإذا قصر حزب حاكم في خدمة معينة، أو في قطاع مهم كالصحة والتعليم فإنه ببساطة يسقط سقوطا مزريا في الانتخابات التالية، وكم من حكومات - كان لها الأغلبية البرلمانية - سقطت لأنها لم تلبي رغبات الجماهير!.

وهنا يتضح حجم المسؤولية الملقاة على عاتق البرلمان الحالي، والملقاة على عاتق حزب الحرية والعدالة بالتحديد، ذلك لأنه الحزب الأكبر في البرلمان، أي أن ثقة الناخبين به أعلى من غيره، وبمقدار الثقة تقع المسؤولية، وأمام البرلمان وفي القلب منه الحرية والعدالة فرصة أن يلعب دورا تاريخيا في مرحلة من أعقد لحظات التاريخ، خاصة أن حجم التطلعات الشعبية هائل، وبكبت مخيف على مدار عشرات السنين، فالمجتمع المصري قد جرفت ثرواته القومية، ويقع أغلب المصريين تحت خط الفقر، ويعاني المصريون المرض والبؤس، ولا تعليم محترم، ولا مستشفيات آدمية، ولا وسائل مواصلات تحترم الإنسان، وقد لا يصح أن نعتبر البرلمان الحالي هو المسؤول عن حل كل تلك المشاكل المزمنة، ولكن الشارع ينتظر حلولا سريعة لمشاكله اليومية، وبمقدار حس الشارع الفطري يعرف أن حل تلك المشاكل جائز.

فلا يصح أن يصدر الغاز لإسرائيل، حتى لو كان لقاء السفيرة الأمريكية بالمرشد العام للإخوان المسلمين قد تطرق إلى هذه النقطة، وحتى لو قال قائل في الغرف المغلقة أن الإخوان سيضمنون تصدير الغاز لإسرائيل بعد تعديل السعر، فالشعب المصري بفطرته يعرف أن إسرائيل عدوه الاستراتيجي، وقد كان المخلوع كنزها الاستراتيجي، واليوم مصر ليست كنزا لأحد غير الشعب المصري والوطن العربي والعالم الإسلامي، ولا يصح أن يبقى معبر رفح مغلقا في وجه الأشقاء الفلسطينيين، لذلك يجب أن يعامل معبر رفح معاملة معبر السلوم، مهما كانت التفاهمات الإخوانية الأمريكية بعد لقاء السفيرة بالمرشد، وكذلك على البرلمان أن يصدر قانونا بمحاكمة ثورية خاصة للمخلوع، فالقانون الحالي يعتبر الثورة جريمة تسمى قلب نظام الحكم، وتصل عقوبتها إلى الإعدام!، ومبارك ليس قاتلا فقط لشهداء يناير، مبارك قتل ونهب الشعب المصري طيلة عهده الأسود، ومتهم بالخيانة العظمى، وهو عميل أمريكا وإسرائيل الأول في المنطقة، والقصاص العادل لدماء شهداء الثورة لن يأت بخطب عصماء في البرلمان، أو ببكاء الأعضاء على الكلمة المؤثرة الرائعة التي ألقاها النائب أكرم الشاعر، متأثرا بإصابة بطل الثورة ابنه مصعب الشاعر، بل يحتاج الشارع إلى قصاص حقيقي، وقرارات فعلية، إلى لجنة تذهب للمركز الطبي العالمي ومستشفى سجن طرة، وتتخذ إجراءات تلزم الحكومة معاملة مبارك كأي مسجون آخر، كل ما سبق يجب حدوثه بغض النظر عن تفاهمات قد تكون حدثت بين الإخوان والمجلس العسكري في الغرف المغلقة، وإذا لم تكن حدثت فليثبت الإخوان عكس ذلك بقرارات فعلية بأغلبيتهم البرلمانية.
 وأخيرا .. وضع المجلس العسكري البرلمان في حرج بالغ حين أصدر قانون انتخابات الرئاسة قبل انعقاد البرلمان بساعات، ولا يزال الثوار حائرون .. يفكرون .. يتساءلون .. لماذا انتخبنا البرلمان من أصله؟!!




الاثنين، 2 يناير 2012

من يناير إلى يناير .. ثورة كروية تدور حول نفسها!


من يناير إلى يناير .. ثورة كروية تدور حول نفسها!

من يناير إلى يناير، كيف كنا؟!، وإلى أين وصلنا؟!، من هتافات الشعب والجيش إيد واحدة التي كانت نبض الميدان، إلى أن تحول الهتاف الرئيسي في ميادين الثورة، يسقط يسقط حكم العسكر، الشعب يريد إسقاط المشير، من يناير إلى يناير، لم يتغير الثوار، لكنهم فقط اقتربوا وعرفوا، ومن خـُـدع بأن المجلس حمى الثورة في يناير الماضي، لا يمكن خداعه في يناير الحالي، فالذي يحمي مبارك، لا يمكنه حماية ثورة ضده، يناير هو يناير، والميدان هو الميدان، لكن أمورا كثيرة تغيرت، والصورة في عيون الثوار تعقدت.

من يناير إلى يناير، عام مضى، كم من أسرة فجعت في ولدها، وباتت تمسح دموعها، تنام كل ليلة تنتظر العدالة، تحلم بالقصاص، تبحث عن شمس الحق، عام مضى، والقاتل يمرح في سجن فندقي الخدمة، ومن حاول أن يكمل طريق الشهداء، إما لحق بهم، أو يواجه الاتهامات بالعمالة، والسعي لخراب الوطن، عبر آلة إعلامية فجة الكذب والتضليل والتطبيل، آلة إعلامية تذبح الضحية فقط لعلو صوت صراخه، بينما لا تجد في الجلاد وسوطه شئ يستدعي الانتباه والمحاسبة، من يناير إلى يناير، كنا نطالب بالقصاص لدماء الشهداء في ثورة 25 يناير، فوجدنا أنفسنا نطالب بمحاسبة المتورطين في التعذيب في المتحف المصري وكشوف العذرية، ثم مطالبين بالقصاص لشهداء ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء!

كانت ترنيمة الثورة في يناير الماضي "عيش حرية عدالة اجتماعية" .. "تغيير حرية كرامة إنسانية"، ولا نحتاج إلى عبقرية لندرك أن شعب مصر خرج في ثورة، والثورة تعني تغيير جذري سياسي واقتصادي واجتماعي، وأن شعارات هذه الثورة تلخصت في الكرامة والعدالة والحرية، وبعد عام كامل، وفي يناير 2012م، كشف عنا الغطاء فبصرنا اليوم حديد، فلا عدالة دون قصاص، ولا يمكن لقتلة أن يأخذوا القصاص من قتلة!، حقيقة واضحة كالشمس، المجلس العسكري لم يحمي الثورة، والمنطق يؤكد أنه ليس في مصلحته حماية الثورة فلماذا يحميها؟!، وإن كان حماها – كما يقال – فمن سمح للجمال والخيول والبغال والحمير بدخول الميدان في موقعة الجمل، ومن أعطى الأوامر بانسحاب الدبابات لحظة هجوم البلطجية على الميدان، القصة ببساطة لا تحتاج إلى عبقرية، لقد ضحى المجلس بمبارك من أجل إنقاذ نظام مبارك، ويقوم المجلس الآن باستنساخ نفس النظام بسياساته وأشخاصه، وكأن شيئا لم يكن، ولتطوى الأقلام وتجف الصحف، وهنيئا للإخوان موقع الحزب الوطني المنحل، ولا عيش ولا حرية ولا عدالة اجتماعية ولا كرامة انسانية، فالعيش طوابيره كما هي، وأضيف لطوابير العيش طوابير أنابيب البوتجاز، والعدالة منعدمة، وجدول الأجور مختل، ولا تزال الثروة القومية منهوبة من أعلى، بينما يعاني المصريون الفقر والبؤس واليأس، والغاز المصري يصدر لإسرائيل، والمصريون يبحثون بطلوع الروح عن أنبوبة البوتجاز، والكرامة تداس بالبيادات العسكرية، وتعرى البنات في ميدان الثورة، وتجري كشوف العذرية في المتحف المصري بأمر من ضباط الجيش، والحرية منقوصة وشكلية، ومن علاء عبد الفتاح إلى 12 ألف مدني تمت محاكمتهم أمام محاكم عسكرية، ودخلنا في عك سياسي ذو خلفية عسكرية، وعك انتخابي ذو طبيعة دينية، وبحسب القانون المصري تحظر الدعاية الدينية في الانتخابات، بينما لم نجد في هذه الانتخابات دعاية غير دينية!، وبدا أننا عدنا إلى نقطة الصفر، بعد دورة كاملة كما يقال في علوم الرياضيات 360 درجة، وبدلا من هتاف يسقط يسقط حسني مبارك، نصرخ يسقط يسقط حكم العسكر، وكما قيل في إعلام التطبيل عن ثوار يناير 2011م بانهم "يسعون إلى الخراب، ويهدمون الدولة"، يقال عن ثوار يناير 2012م نفس الكلام، وكما قيل من شيوخ الضلالة، لاعقي البيادات وعاشقي الريالات عن ثوار يناير 2011م أنهم دعاة فتنة، يقال عن ثوار يناير 2012م دون زيادة أو نقصان.

وبدت الحقيقة ساطعة، وكأننا قمنا بثورة في دورة كاملة، وانتهينا إلى حيث بدأنا، نسعى اليوم بعد عام كامل من ثورتنا الأولى، لإسقاط نظام لم يسقط بعد، وبثورة إنقاذ لتعديل مسار الثورة الأصلية، لكننا اليوم أكثر وعيا، وأعمق فهما، ظهر الحق من الباطل، وتبين الخيط الأبيض من الأسود، ونعي جيدا كيف نثور من جديد دون أن تكون ثورتنا كروية تدور حول نفسها، وإن غدا لناظره قريب!