الاثنين، 17 مايو 2010

وأمرهم "شورى" بينهم


وأمرهم "شورى" بينهم

تخيل معي – والخيال ليس عليه إثم ولا حرج – أن مباراة في كرة القدم قد أجريت بين فريق واحد فقط ونفسه!، ينقسم "نفس" الفريق إلى جزئين يلاعبان بعضهما ثم إذا سجل كل "جزء" هدف تحتسب النتيجة (2 – صفر) على اعتبار أن من سجل الهدفين في النهاية فريق واحد!، وإمعانا في الهزل تم اختيار حكم المباراة ليكون أحد أعضاء "نفس" الفريق أيضا!!. الحقيقة أن هذا الهزل – ويالا الأسف – هو واقع أي شئ يطلق عليه "انتخابات" في مصر.

الأمر لا يحتاج إلى تعقيدات وتحليلات لدينا في مصر مباراة "انتخابية" بين الحزب الوطني و"نفسه" والحكم هو الحزب الوطني "نفسه" أيضا! .. فبعد تعديلات الدستور المزورة في 2007م تحولت الانتخابات إلى تمثيليات بايخة ودمها ثقيل ومباريات في جانب واحد الفائز دائما بها هو الحزب الوطني بغض النظر عن النتيجة، فالنتائج محسومة سلفا والتزوير أصبح الحالة العامة وعدم التزوير في دوائر معينة هو مجرد استثناء يؤكد القاعدة "التزويرية" ولا ينفيها!!.

المهم أن هذه التمثيلية البايخة وهذه المباراة المعادة والسخيفة قد أجريت مرتين أمامنا ولا نتعلم أبدا، ويكرر البعض نفس الأخطاء ويشارك في هذا الهزل. أنظروا إلى انتخابات المحليات في عام 2007م ثم انتخابات مجلس الشورى في نفس العام وكلها أجريت بعد التعديلات الدستورية إياها.. ستجد النتائج ببساطة لم ينجح أحد إلا إذا كان عضوا في الحزب الوطني أو يحمل صك الرضا منه مختوما من لاظوغلي حيث مقر جهاز أمن الدولة!.

وهذا العام لم يستطع الحزب الوطني الدخول إلى "انتخابات" التجديد النصفي لمجلس الشورى المقرر عقدها في الأول من يونيو دون حالة الطوارئ. فتم تأييد تجديدها بحجة مكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات.. ونقول لهم حسنا كلنا نعلم ما هي المخدرات ولكن هل لو ضبط 4 أشخاص ومعهم عود كبريت يمكن اتهامهم بالإرهاب على حد تعبير المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض، خصوصا أنه لا يوجد تعريف محدد ودقيق وواضح للإرهاب!، وهل يوجد بلد في الدنيا يمكن أن تتحول الطوارئ بها إلى الحالة العامة والطبيعية مدة 30 عاما منذ عام 1981م وحتى الآن!

الأكثر إثارة للدهشة وفقعة المرارة وارتفاع الضغط أن هناك قوى من المعارضة ترشحت بالفعل لما أطلق عليه "انتخابات" مجلس الشورى بحجة فضح تزوير حكومة الحزب الوطني، وكأن الحزب الوطني بحاجة إلى فضح أكثر مما هو مفضوح بما فيه الكفاية!.. بينما في الحقيقة المشاركة في هذه المسرحية الهزلية هو إضفاء شرعية على عبث بلا شرعية، والشعب المصري ذكي بطبعه، حينما أدرك تلك الألاعيب "المتبادلة" بين الحزب الوطني ومن هم على شاكلته انصرف عن اللعبة بأكملها، وانصرف حتى عن مقاعد المتفرجين ولم تعد تثيره المباراة البايخة أبدا!!

لست من هواة الجلوس في المنازل أو طرح فكرة مقاطعة الانتخابات تصويتا وترشيحا من باب الكسل لا سمح الله، ولكني أرى أن التغيير لن يأتي أبدا من خلال لعبة الانتخابات بشكلها الحالي منزوع الإشراف القضائي والدولي وبدون مناخ حرية تكوين أحزاب وحرية إصدار صحف .. فالشكل الحالي منزوع الانتخابات أصلا! .. الحل سيكون في العصيان المدني الخارج عن قواعد اللعبة التي رسمها لنا الحزب الوطني وحكومته، الحزب الوطني الذي يبدو أنه اعتقد أن المقصود من (وأمرهم "شورى" بينهم) أي بين الحزب الوطني وأعضاؤه وفقط!!


هناك 3 تعليقات:

Unknown يقول...

هذه مقطوعة أدبية رائعة يا أستاذ محمد أنستنى أنك تتحدث عن "الشورى" لكن ورد فى مقالك كلمة ربما يطبق عليك بسببها قانون "الطوارق" ويطرقون عليك بابك ليلا حيث أنه ورد فى مقالك الآتى : "الأكثر إثارة للدهشة وفقعة المرارة" ولأن المرارة قد تمت إزالتها فى ألمانيا فأصبحت من المحظورات وعليك مراجعة المقال وحذف كلمة "المرارة" من المضبطة فالشعب من حبه فى صاحب المرارة "المفئوعة" قرر أن "تتفرئع" مرارة اللى خلفوه نموت نموت وتحيا شورى الحزب الوطنى وتسقط المعارضة ويسقط محمد عبدالعزيز،وضياء الصاوى وحتى مديحة قرقر واللى مش عاجبه يلجأ إلى "فئع" مرارته بنفسه.

وائل قريطم يقول...

" الحل سيكون في العصيان المدني الخارج عن قواعد اللعبة التي رسمها لنا الحزب الوطني وحكومته "
بالفعل هذا هو الحل البديهي للوضع الحالي

شريف فتحى جامع يقول...

السلام عليكم
أستاذ أبا المعالى فعلا أنا أتفق معك فى أن ما كتبة الأستاذ الفاضل م محمد عبد العزيز مقطوعة أدبية و أنا أصنفها ( من وجهة نظرى المتواضعة ) كوميديا سوداء لأنها تحدثت عن الواقع المصرى المؤلم بشكل هادىء و ساخر و لكنة فى الصميم و لاذع
إلى الأمام مهندس محمد و دائما متألق
تحياتى لك
شريف جامع