الاثنين، 22 فبراير 2010

زعيم في الفاترينة!

زعيم في الفاترينة!

وصلت طائرة الزعيم بعد تأخر أكثر من ساعتين إلى أرض الوطن بينما كان الآلاف من أنصاره على باب المطار يحملون الأعلام والرايات والصور، تلتهب حناجرهم بالهتاف بحياة الزعيم ومواقفه الوطنية، يرونه الأمل الباقي للخروج من الأزمة السحيقة التي أغرقت البلاد في الفساد والاستبداد.
جاءت لحظة خروج الزعيم من باب المطار لتلهب حماس الجماهير المتعطشة للتغيير، شاب ينظر إلى رفيقه ويحتضن يديه قائلا :"أخيرا .. أخيرا سنلتقي بالزعيم، سنخبره أن الوطن يحتاجه.. أنه أملنا الباقي وسنسمع منه عن خطته .. لابد للزعيم من خطة للتغيير والإصلاح" ، نظر له رفيقه بهدوء وصمت عميق وفتح فمه بالكلام إلا أن صوته لم يـُـسمع إذ تعالى فجأة هتاف الجماهير المتحمسة بينما ظهر الزعيم خلف الواجهة الزجاجية مبتسما رغم إرهاق السفر محاولا الخروج من الباب، لكن بدأت تحدث أمور غريبة لم يفهمها الجماهير وقتها .. حرس الزعيم يفسحون الطريق مبعدين أيدي الجماهير الممدودة بالسلام للزعيم ولما اشتد زحام الجماهير المتعطشة للتغيير محاولين الحديث للزعيم تقهقر للخلف عائدا إلى الداخل .. ليخرج من صالة كبار الزوار!
في سيارة الزعيم الفارهة ال (4 * 4) جلس يستريح من المجهود الجبار الذي بذله في محاولة الابتعاد عن الجماهير وأخبر السائق بالتوجه إلى فيلته الفارهة "أيضا"، لكن أخيه – الذي انتظره مع الجماهير قرابة الخمس ساعات- أخبره أن توجهه مباشرة إلى فيلته سيسبب إحباطا للجماهير التي انتظرته بشغف وشوق! .. حينها قرر الزعيم العودة بالسيارة إلى الجماهير .. وبالفعل فرح الجماهير بشدة وقال الشاب المتحمس لرفيقه "ألم أقل لك سيعود .. لابد أنه سيخرج ليحدثنا بكلمات قصيرة عما ينويه من خطة لتعديل الدستور" .. ومرت السيارة أمام الشباب المتحمس الذي التف حولها بمنتهى الحماس محاولا إيقافها دون جدوى حتى أن الشاب المتحمس تعلق بها لكنها لم تتوقف أبدا ولم يُـفتح زجاجها اللامع حتى ليخرج الزعيم يده فقط تحية لجماهيره التي تحملت مشقة الانتظار مدة خمس ساعات كاملة!
بعد وصوله بيومين ظهر في برنامج تليفزيوني شهير متحدثا لجماهيره من خلال "الشاشة" بعدما فشل في الحديث مباشرة إليهم .. أنه لابد من الإصلاح .. لابد من الديمقراطية .. لابد من العدالة، كان الشاب المتحمس يجلس مع صديقه يتابعان حديث الزعيم فقال لصديقه "أجل فعلا البلاد تحتاج إلى الإصلاح، والديمقراطية، والعدالة" ثم تردد قليلا وبدأ ينظر إلى شئ مجهول في الأعلى ربما ينظر إلى السماء أو إلى الإله لينقذه من حيرته ثم قال:"لكن الزعيم لم يذكر حتى الآن كيف نحقق الإصلاح والديمقراطية والعدالة!" .. في تلك اللحظة قال الزعيم لمحاورته لابد من تعديل الدستور ليسمح لأغلبية الشعب في نزول الانتخابات، وهنا لمعت عيني الشاب المتحمس قائلا:"نعم .. إن الزعيم يقول نفس كلام القوى الوطنية، إنه على نفس الخط الذي نرجوه لابد أنه سيدعو إلى مظاهرات عارمة للمطالبة بتعديل الدستور" وبدأ يفكر في شكل المظاهرات.. من أين تبدأ.. وأين تمر، وعن الهتافات التي سيهتفها فيها أجل سيهتف (يا شعب ثور ثور .. علشان تعديل الدستور)، وهنا سألته المحاورة وكيف ستعمل على تعديل الدستور، فلمعت عيني الشاب المتحمس مرة أخرى وانصت السمع، وقال الزعيم أنا صاحب فكر.. سأظل أقول هذا الكلام .. أنا أشير إلى الطريق .. شعر الشاب الذي بدأ يفقد حماسه بأنه يهوي من السماء إلى الأرض وكانت هذه هي لحظة الارتطام.. فالزعيم الذي علق عليه الآمال قرر أن يشير إلى الطريق فقط دون أن يمشي فيه .. فهو لن يتظاهر للمطالبة بتعديل الدستور لن يدعو إلى إضراب أو اعتصام أو عصيان مدني فتلك المصطلحات لم يستعملها بل أكد أن علاقته بالرئيس المستبد علاقة ود، وأن ما بينهما مجرد اختلاف سياسي .. نظر الشاب المتحمس – سابقا – في حالة حزن إلى صديقه قائلا "يبدو أن الزعيم الذي رأيناه خلف الباب الزجاجي في المطار قرر أن يبقى في الفاترينة إلى الأبد"!

الثلاثاء، 16 فبراير 2010

رئيس مصر أم جزر الموز؟!



رئيس مصر أم جزر الموز؟!


أشعر بنوع من العجب والدهشة من التفكير في رئيس لمصر على طريقة أن يكون ديمقراطي وطيب وابن حلال!، ودهشتي ليست لأني أطالب برئيس ديكتاتور وشرير وابن حرام لا سمح الله، ولكن لأني أرى رئاسة مصر أمر أكثر تعقيدا من تلك البساطة المتناهية في الالتفاف حول شخصية معينة كبديل شعبي للرئاسة لمجرد أنه ديمقراطي وطيب وابن حلال!!


الرئيس القادم الذي نرجوه لمصر نتفق جميعا أنه سيواجه وضعا سيئا جدا، فهو عليه أن يعيد بناء دولة جـُرفت ثرواتها القومية على مدى أكثر من ربع قرن، وكبلت بقوانين سيئة السمعة قامت بترسيخ استبدادا وفسادا أخرجا مصر من السياق الطبيعي للتطور والتغيير والتبادل السلمي للسطة، وبالتالي على هذا الرئيس أن يقوم بعملية إصلاح سياسي واسعة لتضع مصر على أول الطريق الديمقراطي الطبيعي الذي سيضمن لها تبادلا سلميا للسلطة وانتخابات حرة ونزيهة تعبر بحق على إرادة الناخبين، كل ما سبق أمور تحدثنا فيها مئات المرات وجميع القوى الوطنية قدمت مقترحات عن كيفية الإصلاح الديمقراطي الذي علينا أن نتبناه، لكني أرى أن الإصلاحات السياسية الداخلية ليست كافية لتجعلني أتنبنى ترشيح شخصا معينا للرئاسة، فمصر دولة أكبر من ذلك بكثير.


أول الأمور التي تشغلني حينما أفكر فيمن يصلح كمرشحا لرئاسة الجمهورية في مصر هو رؤيته للأمن القومي المصري، فتعريف الأمن القومي عموما هو حماية مصالح الدولة خارج حدودها وبالتالي مراعاة مصالحها الإقليمية والدولية وصياغة رؤية لعلاقات الدولة مع دول الجوار أولا ثم مع العالم أجمع.


ولصياغة رؤية واضحة للأمن القومي لابد من تحديد العدو الإستراتيجي الأول للدولة وكيفية بناء التحالفات الإقليمية ضده، ولست في حاجة أن أبرهن أن العدو الإستراتيجي لمصر هو ما يطلق عليه دولة إسرائيل فهذا أمر لا أتناقش فيه مع أحد ومن يختلف معي فيه فعليه أن يخبط رأسه في أقرب حيطة!.. والعلاقة مع إسرائيل تحكمها في مصر اتفاقية كامب ديفيد وبالتالي على من يطرح نفسه مرشحا شعبيا للرئاسة أن يفتينا بوضوح في رؤيته لتلك الاتفاقية.


أقدر جيدا أنه من الصعوبة الإعلان عن رفض قاطع وصريح لتلك الاتفاقية فذلك أمر قد يجلب صدام مع المجتمع الدولي على المرشح الشعبي، ولكن على الأقل إذا لم يتبنى هذا المرشح أيا كان بندا في حملته الشعبية يتحدث عن استفتاء الشعب في مراجعة اتفاقية كامب ديفيد تمهيدا للتحرر منها فأنا أعتبر أن الاتفاف حول ذلك المرشح يصبح تضييعا للوقت، لأننا سنصبح وقتها نبدل نظاما ديكتاتوريا منزوع سيادة القرار بنظام ديمقراطي منزوع سيادة القرار أيضا! .. قد يصلح هذا الأمر أي ضمان المكسب الديمقراطي من التغيير وفقط في جزر الموز – التي لا أعرف مكانها – أما في مصر فالأمر يختلف كثيرا، وأرجو أن يتنبه المرشحون الشعبيون لأهمية ربط مطلب استقلال سيادة القرار بالمطالب الديمقراطية، فمصر ليست بلدا يحكمها ديكتاتور وفقط، بل بلدا محتلة الإرادة لصالح أمريكا وإسرائيل .. الغريب أنه بعد مرور أكثر من 90 عاما على ثورة 1919 أجدنا نطالب بنفس المطالب حتى من حيث الترتيب الاستقلال والدستور!