الجمعة، 6 مارس 2009

ابن الرئيس


ابن الرئيس ..


لا شك أننا جميعا نعلم أن للسيد جمال مبارك طموح سياسي قوي في الجلوس على كرسي الرئاسة الذي جلس عليه – وعلى رقاب المصريين أيضا – والده منذ أكثر من ربع قرن من الزمان .. والمثير للدهشة والاهتمام أن كل الشعب المصري تقريبا أصبح يقر بحلم جمال مبارك بأن يحكمهم .. فحين تركب تاكسي – إذا كنت من طبقة التاكسيات – يحدثك السائق عن أسعار البنزين وقطع الغيار التي ولعت ومصاريف الأولاد ومصاعب الحياة ويجعلك ينفطر قبلك وتتمنى أن تعطيه كل ما معك من نقود لكن العين بصيرة والإيد قصيرة فإذا تكلمت معه أن هذه المصائب جميعا هي نتاج هذا النظام الفاسد المستبد الذي خرب البلد وقعد على تلها ورقبة شعبها ونشر الفساد بصورة غير مسبوقة فأصبح – أي الفساد – عملا روتينيا لا ينفصل عن الحياة اليومية المعتادة ! فيبادرك السائق بعبارات " مصرية خالصة " من نوعية هنعمل إيه وربنا ع المفتري والبلد بقت عايزة الحرق بجاز و " أهو عايز يجيب ابنه كمان " !!
وحين "تنحشر" في أتوبيس أو مترو الأنفاق – كطبقة عامة الشعب المسكين المتبهدل – تجد بمجرد ذكر اسم جمال مبارك عبارات وتعليقات ساخرة تنم عن معرفة و"اقتناع" بان جمال مبارك يسعى ليكون الرئيس القادم ..
وفي تقديري أن وصول هذه القناعة لدى غالبية المصريين كان مقصودا ومرتب له جيدا من قبل القائمين على عملية التوريث لأن من طبيعة الشعب المصري التكيف مع الأوضاع المتناقضة بسهولة فمثلا تزداد موجة التدين في نفس وقت ازدياد موجة الفساد وكذلك .. كان الهدف هو خلق حالة "اعتياد" عند الشعب – حتى مع عدم القبول – أن يظهر جمال مبارك بمظهر الرئيس القادم ، وحالة الاعتياد والتكيف لدى الشعب المصري سهلة للغاية فمثلا منذ السابعينات من القرن الماضي حدث ما يمكن أن نسميه "تقنين الفساد" فأصبح الفساد نمطا لا ينفصل عن نمط الحياة بل أصبح من الشاذ أن تقضي أمرا في أي جهة حكومية دون دفع "المعلوم" أو "الشاي" أو "الاصطباحة" أو أي مسمى آخر للموظف المسؤول .. الغريب أنه إذا رفضت وعملت فيها فتك تجد أن الناس من حولك ينصحوك بأن "تسلك أمورك" و"تمشي حالك" و"هو انت يعني اللي هاتصلح الكون" !!
نعود إلى موضوع جمال مبارك ، كان المقصود أن يتحول ارتباط اسم جمال مبارك في أذهان المصريين بتخيله رئيسا قادما للجمهورية وخلق حالة تكيف مع الأمر فتجد عبارات من نوعية "اللي سرق وشبع أحسن من اللي لسه عايز يشبع" !!
وقد كان فانتقل جمال مبارك إلى مرحلة متقدمة الآن وهي ممارسة أنشطة سياسية تبديه كأنه نائب الرئيس بالفعل واللي مش عاجبه يخبط دماغه في أقرب حيطه !!
وأصبحنا نرى منصبا جديدا يضاف إلى الهيكل الإداري للدولة اسمه "ابن الرئيس" فلا مانع أن يقوم "ابن الرئيس" بجولة في المحافظة الفلانية أو يطرح مشروعا لبيع أصول الدولة تحت اسم الصكوك أو حتى إعلان "ابن الرئيس" عن استئناف مصر نشاطها النووي !!
حدث في عام 2006م أن قام جمال مبارك بزيارة "سرية" لواشنطن التقى مجموعة من المسؤولين في الإدارة الأمريكية السابقة محاولا تسويق نفسه في الخارج يعني كدا بالبلدي يسأل الأمريكان "أنفع؟!" وحين فضحت الصحف الأمريكية هذه الزيارة حدث تخبط في ردود المسؤولين حولها فقالوا كلاما لا يصدقه أي عاقل حيث أرجعوا هذه الزيارة إلى تجديد جمال مبارك رخصة قيادة طائرة !!
أما ما يحدث الآن هو أن "ابن الرئيس" يعلن بشكل عادي جدا ويكاد يكون رسمي عن زيارته لأمريكا بل وترتب السفارة المصرية في أمريكا الزيارة وتحدد ل "ابن الرئيس" جدول مقابلاته الذي شمل نائب وزيرة الخارجية الأمريكية جيمس ستاينبرج ووكيل الخارجية للشئون السياسية وليامز بيرنز وعدد من أعضاء الكونجرس ، ولا نعلم تحت أي مسمى تتم هذه اللقاءات .. يمكننا تفهم زيارة رئيس الجمهورية لأي دولة في العالم فهو يتحدث بلسان شعبه باعتباره رئيسا وحين يحدث نفس الأمر مع أي وزير فهو مسؤول في الحكومة ويمكن محاسبته برلمانيا على أفعاله وأقواله أما في حالة "ابن الرئيس" وهي حالة متفردة في التاريخ فلا نعلم كيف يمكن أن يتحدث جمال مبارك باسم المصريين وكيف يمكن محاسبته على ما يقول ويفعل ..
أتذكر الآن مقوله قالها الرئيس مبارك في عام 2005م حين سئل عن ابنه جمال ودوره السياسي فقال : "ابني بيساعدني" .. هكذا بمنتهى البساطة كأنه يتحدث عن محل بقالة أو عربية كبدة وليس دولة لها شعب وله الحق في أن يقرر ويختار بنفسه من يحكمه ويتحدث باسمه لا أن يكون مفروضا عليه وعلى اللي يتشدد له لمجرد أنه "ابن الرئيس" !!

هناك 4 تعليقات:

Taeralshmal يقول...

لماذا لا تقوم في مصر ثورة؟

أوسلو في 5 مارس 2009

سحر الطاغية لا يعادله في قوته أي نوع آخر من القوى الخارقة، فإذا أضفت إليه نَسَباً فرعونيا يمتد لآلاف السنين فكأنك أصبحت على أعتاب وادي الملوك، أو تتفحص مومياءً لا تعرف إنْ دبّتْ فيها الروحُ من جديد أو نَزَعتْ منك الروحَ لتستبدل بالضيغم فأرا، وبالفهد أرنباً!
والطاغية ليس فقط صورةً معلقة فوق رأس موظف حكومي، أو فلقة تضغط عليها يد غليظة لمخبر جلف، أو خطبة ساذجة ومناهضة للعقل تقوم وسائل اعلامه بتلميعها، وتشذيبها، وتأهيلها لتطارد أذنيك وعينيك في كل مكان، إنما هو معبود في صورة مختلفة عن العبادة التي يعرفها أصحاب الديانات بكافة أنواعها، السماوية والأرضية، الراقية والبدائية، الصنمية والطوطمية!

والعبادة هنا تختلف من شخص إلى آخر، ومن جماعة أو طبقة أو حزب إلى عامة الناس، فالمسميات كثيرة، وأنت قد تعبد الفرعونَ بالصورة التي تحفظ لك مكانتك الاجتماعية، وتتحايل بها على الآخرين، وتقوم بتزييف الركوع والسجود والطاعة والمذلة والمهانة ولعق التراب الذي يسير فوقه الطاغية، لكنك تظل في دائرة التسامح الاجتماعي تجاه ما تقوم به من عمل مخالف للقيم الانسانية الرفيعة، ولكرامتك، ولنفخة الروح التي جعلتك خليفة في الأرض.

قد تلجأ إلى الدين، وتستقطع منه بمساعدة فقهاء السلطة الصورة التي ترضيك، فيوحون إليك أن طاعة ولي الأمر من طاعة الله، وأن الواجب الذي يرضي خالق الكون يحتم عليك الصمت، والسكوت، والصبر، وانتظار الحل السماوي، وعدم اتاحة الفرصة للغوغاء في تفكيك رباط الأمة المقدس، لكن الحقيقة أنك انخرطت في عضوية العبيد الذين يستعذبون الذل، ويتلذذون بالهوان، ويستمتعون بالسوط فوق ظهورهم.

وقد تلجأ بحكم ثقافتك إلى عقل هرب منه الفكر لتحل محله خرافات وخزعبلات وهراء وأمية ذهنية لا تطمح بأكثر من سد الثغرات في جمجمة لو عريّتها أمام الناس لخجلت من نفسك ما بقي لك من عمر، فأنت تبرر للطاغية سطوته، وتدّعي أنَّ العقل يدعوك لعدم المجازفة في مناهضة سيّد القصر خشية وثوب الغوغاء على كرسي الحكم، وتظن نفسك محللا مستنيرا ومسالما تنقذ الوطن بهدوء رؤيتك، والحقيقة أنك تُغرق الوطن عندما تعطل جهازك العصبي المفترض أنه قد انفجر منذ وقت طويل بعد متابعة جرائم سيدك وزعيمك وطاغيتك ضد الانسانية وضد أبناء شعبك.

وقد تلجأ لتبريرات أرنبية تتوهم بها أن عصا الشرطي تكاد تلمس ظهرك، وأن هاتفك مراقَب، وأن زائر الفجر في الطريق إليك ليطرق باب منزلك، وأن الخوف يحميك ويحمي أهلك وأولادك من مصير مجهول، وأن عذاب جهنم أخف من عذاب أجهزة قمع فرعونك، وأن ثمانين مليونا من البشر يعرف أحلامَهم في مناهضة السلطة عدةُ مئات يربطهم من رقابهم رجل وزوجته وابناهما!

وقد تلجأ في العبودية المختارة إلى أحقر الحلول، وأسفل التبريرات، وأحط صور المهانة الانسانية وذلك عندما تجد عذرا لفرعونك، وتراه حكيما أنقذك من خصوم الوطن، وعادلا إنْ لجأت إليه أنصفك، ووطنيا اشترك في حرب بحكم منصبه وليس له فضل يعلو على جندي بغير رتبه قفز فوق النيران ليرفع علم مصر في عبور بطولي رائع، ثم تتسلل رأسُك تحت حذاء ابنه الوارث قبل أن يجلس علي كرسي السلطة، وتتعفر جبهتك ترابا، وتكذب على السماء والأرض مَُّدعيا أن ثمانين مليونا من مواطنيك لا يستطيعون صناعة وريث كالذي وضعه والده فوق رؤوسنا جميعا!

سحر الطاغية لم تبطله آلاف المقالات الصارخة من ابرهيم عيسى والدكتور عبد الحليم قنديل والدكتور أحمد صبحي منصور والدكتور أسامة رشدي ود. يحيي القزاز ومجدي أحمد حسين وفهمي هويدي وعبد الله السناوي والراحل عبد الوهاب المسيري ومئات غيرهم كتبوا بدماء قلوبهم ما لو تم نشر قطرة منه على شعب من شعوب الأرض لانفجرت ثورة شعبية يصغر بجانبها هروب الشاه وتشاوشيسكو وبينوشيه وعيدي أمين دادا ومحمد سياد بري وجعفر النميري وغيرهم ...

وسحر الطاغية لن تبطله أضعافها مقالات ومنشورات ومظاهرات متفرقة تتخلف عنها الأحزاب الكبرى بعد انطلاقها بعدة دقائق، وليس أمامنا لتحرير مصر، وابطال سحر واحد من أكبر مجرمي العصر غير قوة تعادل قوته أو تتفوق عليها!

إنها قدرنا، سواء كانت لنا تحفظات على أحذية العسكر التي يضعها كثيرون منهم في عقولهم بدلا من أقدامهم، لكن الأمل الوحيد هو جماعة وطنية عاشقة لأرض الكنانة، تخرج من ثكناتها، وتنهي عصر مبارك وأسرته وورثته إلى الأبد.

كلنا نعبد الشيطان بصورة أو بأخرى، الصامتون منها، والمبررون لجرائمه، والخائفون من البديل، والمطيعون لولي الأمر، والباحثون عمن يَصلح لحكم مصر غير جمال مبارك، والساخرون من رفض المناهضين لحكمه، ودعاة الصبر وانتظار النصر السماوي قبل الانتصار الأرضي.

كلنا تحت أحذية مبارك وزوجته وابنيهما ولو أقسمنا بأغلظ الايمانات أن ما باليد حيلة، وأننا نَمْلٌ تسحقه أقدام أجهزة القمع، وأننا حشرات لا تساوي عند فرعوننا بصقة واحدة فتغرق فيها.

من لا يعرف من جرائم مبارك غير مئات فقط فهو لا يعرف مصر، ولو أن محكمة الجنايات الدولية استدعته فأحسب أن قضاتها يحتاجون لسبعين شهرا ليقرأوا على مسامعه، وعلى العالم الأصم والأبكم ما تهتز له ضمائر الجماد!

سحر الطاغية صناعة في النفس الانسانية، ولو تعاقب على القصر أسياد و .. وأسياد، فلن يستطيع مستبد واحد أن يجد لنفسه موقعا ثابتا بين أضلع عبيده دون أن يفتحوا له الأبواب، ويعفروا جباههم قبل السجود له!

كلنا، إلا القلة النادرة، نعبد الشيطان، ويسحرنا طغيانه، ونرفض عبادة الواحد القهار ولو بدا ظاهريا أننا نركع ونسجد ونصلي في مساجدنا وكنائسنا، لله العزيز الرحيم.

لن يتطهر المصريون من رجس عبادة الشيطان قبل التمرد، والغضب، والرفض، واعتبار كل واحد منا في حالة ثأر مع الطاغية حسني مبارك!

أيها الأبطال في جيش مصر العظيم، لقد طال انتظارنا لكم، فهل اقتربتم من إذاعة البيان رقم واحد؟

نعترف لكم بأننا عاجزون عن تحرير مصرنا و .. مصركم، ونبحث عن عشاق لمصر في ثكناتكم، فلا تجعلونا نفقد الايمان بأنكم حماتنا، ولستم حُماته، وأن جيش مصر جيشنا، ولاتنسحب عليه مفاهيم السخرة والعبودية والاذلال لفرعوننا، فأنتم أملنا الباقي في إذاعة بيان الكرامة رقم واحد !

محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
Taeralshmal@gmail.com

مصري حر يقول...

أستاذ محمد عبد المجيد

أشكرك على تشريفك مدونتي المتواضعة زعلى مقالك الرائع وتحليلك المنطقي ولكن ألا ترى بأن مصر تحتاج إلى انتفاضة شعبية بعيدا عن تحركات الجيش الذي حكمنا طيلة النصف قرن الماضي فكانت فترة من الديكتاتورية والقهر السياسي .. ربما كانت النوايا صادقة في يوليو 52 ولكن النظام العسكري مع مرور الزمن دائما يفرز ديكتاتور

أرى ان مصر تحتاج انتفاضة شعبية ثورة يقوم بها كل ابناء الشعب وطوائفه فلاحين وعمال وطلبة وشيوخ وقساوسة ..يقفون جميعا في وجه هذا الحاكم الفاسد وهذا النظام المستبد نحتاج إلى ثورة مليونية من اسكندرية الى اسوان تنادي بالديمقراطية والحرية والعدالة .. نحتاج ان نكون جميعا شركاء في صناعة التغيير

Unknown يقول...

للاسف يامحمد
كل كلامك صح
وفعلا مصر محتاجه لغضب شعبي
ثورة شعبيه
شئ يشبه 1919
مع الفارق ان المحتل هنا هو الحزب الحاكم
وان المستعمر المستغل هو فئة الحكم المصري

أعاننا الله

غير معرف يقول...

ان هذا الفكر ان دل علي شيئ فانه يدل علي فكر صائب ورائع لشباب ناضج ويفهم ما يدور -- فالي الامام يا شبابنا الرئع -brofesor مدونه (لألئ الحروف ونغم الكلمات )