الاثنين، 30 نوفمبر 2009

الإنسان ليس كالفأر!!

الإنسان ليس كالفأر!!

مصر بحاجة إلى التغيير .. عبارة يرددها كل صاحب عقل وهي منطقية جدا ومطلوبة جدا .. فعلا مصر في مرحلة التغيير، فبعد حكم القهر والظلم والفساد والتبعية لمدة تجاوزت الربع قرن يريدوا لها أن تتحول إلى عزبة تنتقل ملكيتها من الأب لابنه لمجرد أنه ابنه!
إذا أحضرت فأرا ووضعت له الطعم في المصيدة فإنه بصورة تلقائية جدا سيقع فيها .. ولو بعد عشرات أو مئات السنين فعلت نفس الأمر سيقع الفأر في المصيدة أيضا ولا يوجد أي أمل في أن يتطور الفأر حتى "يدون" في ذاكرته التاريخية أن المصيدة خطر يجب الابتعاد عنه!!، الفرق بين الفأر والإنسان أن الإنسان له تاريخ يتعلم منه ويضيف إليه، وهذا هو ما يبني الحضارة الإنسانية كلها، فالإنسان بلا تاريخ يتحول إلى الفأر في المصيدة!! .. ويدهشني كثيرا آراء بعض النشطاء - خصوصا نشطاء (الجيل الجديد) – حول أننا يجب أن نركز على القضايا الداخلية فقط نترك فلسطين والعراق ونصب تركيزنا على البدرشين والوراق!! .. بل وصل الأمر أننا حين كنا نوضح موقفنا ضد المشروع الأمريكي للتغيير في المنطقة يتم اتهامنا بتهمة أننا "تاريخيين"!!

إن ما يُـبقي مبارك في الحكم حتى الآن هو ارتكانه وتحالفه القوي والمتين مع أمريكا وإسرائيل، فالنظام في مصر يعلم جيدا أنه لم يعد مقبولا شعبيا بالمرة وأن مظاهرات 2003 في ميدان التحرير ضد موقفه من حرب العراق وسماحه للطائرات والبوارج الأمريكية بالمرور من مجالنا الجوي ومياهنا الإقليمية وقناة السويس .. ومظاهرات 6 ابريل 2008 في المحلة تعبر عن الحالة الشعبية الرافضة لوجود هذا النظام القابع على رقبة المصريين وأنفاسهم منذ ربع قرن من الزمان، وفي النهاية يريد أن يحول مصر الدولة الكبيرة إلى عزبة تنتقل ملكيتها بصلة الدم من الأب إلى الابن!

والتحالف مع أمريكا باعتبارها الدولة صاحبة أكبر مصالح في المنطقة والموجودة بقوة اقتصاديا في مشروعات البترول وعسكريا في قواعد بالقرب من آباره بالمنطقة يضمن للنظام سكوتها على تجاوزاته فيما يخص الديمقراطية وحقوق الانسان لأن أمريكا بطبيعة تركيبتها العقلية البراجماتية تفضل المصلحة على المبدأ، فهي تنادي بالديمقراطية واحترام حقوق الانسان وتنتقد دولا كإيران وسوريا لأقل هفوة فيما يخص هذه المواضيع، ولكن حين ينتهك نظام مبارك كل المواثيق الدولية في حقوق الانسان لا يتعدى الأمر العتاب "الرقيق" إن حدث أساسا!!، وما حدث من ضجة عالمية حين قتلت الفتاة الإيرانية ندا سلطان أثناء المظاهرات الأخيرة في طهران ومقارنته بحالة الصمت الدولي حين قتلت أيضا المصرية مروة الشربيني على يد متطرف ألماني يؤكد سياسة الكيل بمكياليين في ملف حقوق الانسان، فالحالة الأولى استدعت أن يصرح أوباما شخصيا بأنه مستاء وحزين لمقتل ندا سلطان ولكنه لم يفتح فمه لمقتل مروة الشربيني أو مقتل صبي المحلة على يد الأمن المصري حينما كان يشاهد من بلكونة بيته مظاهرات 6 إبريل 2008 هذا إلى جانب حالات التعذيب المنتشرة في السجون المصرية!!

في مقابل هذا السكوت من أمريكا يقدم النظام في مصر خدماته "الجليلة" لها ومدللتها إسرائيل، وموقف النظام المصري في حرب غزة الأخيرة كإغلاق معبر رفح في وجه المساعدات الذاهبة إلى قطاع غزة من أدوية وأطعمة في وقت الحرب ومنع قوافل الإغاثة التي نظمتها القوى الوطنية من الوصول إلى شبه جزيرة سيناء أصلا بل وصل الأمر في قافلة السادس من أكتوبر العام الماضي إلى تفريقها بالقوة وضرب النشطاء والسياسيين والصحفيين كبارا كانوا أو صغارا من أمام مجلس الدولة!!، أيضا تصدير الغاز إلى إسرائيل ينقسم إلى قسمين ترتيبهما من حيث الأهمية: الأول أنه لا يجب أن يذهب الغاز المصري إلى إسرائيل من الأساسا لأنها العدو الاستراتيجي لنا والثاني هو بخس ثمنه الذي يكاد يكون مجانا!!
ولذلك من الطبيعي جدا أن تكون أمريكا في صف النظام ولكن هل يعني ذلك أن أمريكا تقف ضد تيار التغيير في مصر، الأجابة بالطبع لا لأن أمريكا ليست كالفأر الذي تحدثنا عنه فهم تعلموا مما حدث لهم حين اعتمدوا بشكل كامل على الشاه في إيران، وكان الشعب ضده وحين تغيرت المواقع وأسقطت الثورة الإيرانية نظام الشاه فقدت أمريكا السيطرة على دولة كانت لفترة طويلة حليفة قوية لها .. فكما نبحث عن التغيير تبحث أمريكا عنه فهي بحاجة لنظام يؤدي لها كل هذه الخدمات التي يؤديها النظام الحالي ولكن يحظى ببعض القبول الشعبي، فقامت بخلق تيار المعارضة (الأمريكية) وسلحته بإعلام أمريكي قوي وطريقة هوليودية لصناعة النجوم حتى تبقى لها القدرة في السيطرة على الطرفين النظام الداخل على توريث والمعارضة له – التي صنعتها واختارتها بعناية – وتتركهم في صراع قد يكون تلقائي ومن يحظى بالقبول أكثر ستلعب لصالحه!!

لقد علمنا التاريخ أن إسرائيل هي العدو الأول لنا أجيالا سابقة أو (جديدة) .. وإسرائيل حليفة أمريكا، وإن كانت أمريكا تحاول لعب دور وسيط السلام في الماضي فقد أصبحت طرفا في الصراع بعد احتلالها أرضا عربية وهي العراق وبالتالي تتحول إلى عدو شأنها شأن إسرائيل فكلاهما يغتصب أراضي عربية .. وعلمنا التاريخ أن أمريكا ومنظماتها المشبوهة كفريدوم هاوس - صاحبة مشروع (جيل جديد) من النشطاء - وغيرها تعمل على صناعة الثورات الملونة التي دائما ما تفرز قيادات موالية لأمريكا بأكثر ما هي موالية لشعوبها مثلما حدث في أوكرانيا وجورجيا وصيربيا .. وعلمنا التاريخ أن التغيير الحقيقي الذي يطلبه الشعب المصري لابد وأن يتناقض مع المشروع الأمريكي للتغيير لتركيبة الشعب المصري وتكوينه الجيني الذي يكره إسرائيل ويتعاطف مع فلسطين والعراق .. وعلمنا التاريخ أن الإنسان لابد وأن يتعلم من تاريخه .. لقد علمنا التاريخ أن الإنسان ليس كالفأر!!

الاثنين، 23 نوفمبر 2009

الشقيقة إسرائيل!!

الشقيقة إسرائيل!!
من أغرب الأمور التي مرت بي هي أن النظام الذي يحكمنا بغلاظة وشدة يتعامل مع إسرائيل بحنان بالغ لا مثيل له!!
فقد وقعت مصر في مايو 2005 (قبل الانتخابات الرئاسية) صفقة مع إسرائيل "لإهدائها" فضلة خيرك يا ريس 1.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي عن طريق شركة غاز شرق المتوسط (EMG) لمدة تترواح بين 15 ، 20 سنة وبسعر "ثابت" 1.25 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية بينما يبلغ السعر العالمي 12 دولار للمليون وحدة حرارية .. هل هناك حنان أكثر من ذلك!!، طبعا ليست القصة حنانا وفقط حتى نكون موضوعيين فالموضوع يتعلق بأن وقت توقيع هذه الصفقة كانت مصر تقترب من الانتخابات الرئاسية وفي حالة عامة من الرفض التام للتمديد للرئيس مبارك أو التوريث لجمال مبارك، فلم يكن أمام مبارك الأب إلا استعطاف أمريكا وإسرائيل والقبول بكافة طلباتهم على طريقة أحلامك أوامر ليبقى على كرسيه فترة رئاسية أخرى ويولع الشعب واللي يتشدد له!
ولأننا أيضا على أعتاب انتخابات رئاسية في 2011م فإن أمريكا تلعب نفس اللعبة وتضغط على النظام من أجل زيادة كمية الغاز المصري الذاهبة إلى إسرائيل، ففي زيارة هيلاري كلينتون لمصر في 4 نوفمبر الحالي طلبت مباشرة زيادة الغاز المصدر إلى إسرائيل وبنفس السعر القديم 1.25 دولار للمليون وحدة حرارية وهو الأمر الذي أشارت إليه الصحف الإسرائيلية بوضوح، كما أشار الخبير البترولي إبراهيم زهران في تصريحات لجريدة الشروق المصرية أن لقاء سامح فهمي وزير البتريول مع الرئيس مبارك في 5 نوفمبر الحالي كان لإخباره بضرورة زيادة الغاز المصدر إلى أسرائيل حتى 3 أضعاف خلال 2010م، وتبلغ الزيادة الجديدة مباشرة 1.7 مليار متر مكعب أي تصبح إجمالي الكمية المصدرة إلى إسرائيل 3.4 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي (المصري)!
وذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية في عددها 19 أكتوبر الماضي على لسان يوسي ميمان الشريك الإسرائيلي في شركة غاز شرق المتوسط أن الشركة وقعت ثلاث عقود لتصدير كميات إضافية من الغاز بسعر 3 دولار للمليون وحدة حرارية ولمدة 18 عام لتغذي 3 محطات كهرباء في مدينة أسدود ورمات حوفيف، كما ذكرت نفس الصحيفة الإسرائيلية أن سعر ال3 دولارات للمليون وحدة حرارية لا يلقى قبول في إسرائيل ولذلك قامت هيلاري كلينتون بالضغط على النظام المصري (الداخل على انتخابات وتوريث) للعودة إلى السعر القديم في الصفقة الأولى عام 2005م وهو 1.25 للمليون وحدة حرارية وأعود وأذكر أن السعر العالمي هو 12 دولار للمليون وحدة حرارية!، ولمزيد من فقعة المرارة فإن الصحيفة الإسرائيلية أبدت دهشتها من مطالب النظام المصري بزيادة السعر من 1.25 دولار إلى 3 دولار بحجة أن الأسعار العالمية زادت بينما تؤكد الصحيفة أن النظام المصري حين وقع صفقة عام 2005م بسعر 1.25 دولار كانت الأسعار العالمية "أكثر من ذلك بكثير"، وأرجعت الصحيفة الاسرائيلية المطالبة بزيادة الأسعار الآن إلى الأصوات المعارضة للصفقة داخل مصر، وقالت الصحيفة الإسرائيلية أيضا أن هذا التعديل في السعر سيسبب زيادة "الأعباء" على المواطن الإسرائيلي حيث تستفيد شركة الكهرباء الإسرائيلة بالسعر المنخفض للغاز في "دعم" فاتورة الكهرباء للإسرائليين والتي انخفضت بعد الصفقة بنحو 20% على الأقل.. كما تمسكت الغرفة التجارية الإسرائيلية بسعر ال 1.25 دولار مؤكدة أن إسرائيل لن تدفع أكثر من ذلك واللي مش عاجبه يشرب من البحر!!
ووسط كل ذلك أعلنت الشركة المصرية القابضة للغاز الطبيعي (إيجاس) في 29 أكتوبر الماضي تأجيل بناء الوحدة الثانية من محطة تسييل الغاز في دمياط وتأجيل العمل بالمشروع إلى أجل غير مسمى لحين الكشف عن احتياطيات جديدة من الغاز بسبب أن الموجود الآن يذهب إلى إسرائيل وبالتالي يصبح المثل الشعبي الشهير اللي يحتاجه البيت يحرم ع الجامع لا يعبر عن الحالة المصرية الآن ويتحول إلى اللي تحتاجه "الشقيقة إسرائيل" يحرم على المصريين!!

الاثنين، 16 نوفمبر 2009

عن البديل الرئاسي أتحدث


عن البديل الرئاسي أتحدث


تحدثنا في المقال السابق "الأمور البديهية في العملية الانتخابية" عن بديهيات أي انتخابات سوية والصورة التي عندها يمكن أن نبدأ بالقول أن هناك انتخابات من الأساس، وهي تنقسم إلى قسمين، الأول ضمانات عامة تتعلق بخلق مناخ سياسي يسمح بالمنافسة وتكافؤ الفرص بين المرشحين مثل حرية تكوين الأحزاب وحرية إصدار الصحف وإلغاء قانون وحالة الطوارئ والإفراج الفوري عن كل المعتقلين السياسيين وتعديل الدستور في مادتيه 76 الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية للسماح بالترشح دون تلك القيود المعجزة الموجودة في المادة الحالية والمادة 77 الخاصة بمدد الرئاسة حتى لا يبقى رئيس لآخر نفس فيه يحكمنا بينما هو يقطع أنفسانا معه!
والقسم الثاني يتعلق بالشروط الفنية للعملية الانتخابية ذاتها مثل الإشراف القضائي والدولي وتحقيق مبدأ قاض لكل صندوق انتخابي وعدم السماح بدخول الأمن اللجان الانتخابية ويكتفي بتأمينها من الخارج فقط إلا إذا طلب القاضي رئيس اللجنة دخوله إلى آخر تلك الضمانات التي تسمح بإجراء انتخابات حقيقية وليس من نوعية اضحك الصورة تطلع حلوة!

وقلنا أنه إذا لم تتحقق تلك الشروط والضمانات يصبح الموقف "الطبيعي" الواجب اتخاذه هو المقاطعة العامة - ترشيحا وتصويتا - لتلك المسرحية المبتذلة حتى لا نشارك ككومبارس رخيصي الثمن في فيلم التوريث .. وحينما نذكر كلمة المقاطعة يأتينا رأيان رافضان لها الأول يقول أن تلك الشروط والضمانات منطقية وصحيحة وإذا لم تتحقق يصبح واجب علينا مقاطعة الانتخابات ولكن – ويا خوفي من ولكن- يجب أن تكون المقاطعة شاملة لكل القوى الوطنية وبما أن الأخوان المسلمين "قد" يشاركوا في الانتخابات البرلمانية فلابد ألا نقاطع حتى لا نفتت الجهود! وهذا كلام يصيبني بفقعة المرارة وارتفاع ضغط الدم .. فكيف تكون (مقتنعا) بأن المقاطعة هي القرار الصحيح إذا لم تتحقق الشروط والضمانات البديهية ولكن لأن آخريين قد يشاركوا فأنت ضد المقاطعة .. وردي على هؤلاء بقول الإمام علي "الحق يكون ثم يتبعه من يكون" فإذا تخيلنا أن كل القوى الوطنية وافقت على التوريث أو التطبيع فهل نقبل بذلك حتى لا نشتت الجهود!!
والرأي الثاني يرفض فكرة المقاطعة من الأساس بزعم أنها هروب من المواجهة بين تيار المعارضة الجديدة الجذرية والنظام في تلك الفترة الحاسمة والتاريخية من عمر الوطن وإلى هذا الرأي أكتب هذه الكلمات.

هل المقاطعة هروب؟!
هذا أمر غير صحيح بالمرة لأن طرح المقاطعة الذي طرحته حركة كفاية وامتدادها الطبيعي في ائتلاف المصريين من أجل التغيير لم يكن يتحدث عن المقاطعة باعتبارات الجلوس في المنزل ومشاهدة قنوات الأخبار، بل طرح الائتلاف خطة وبرنامجا شاملا للخروج من المأزق .. يتمحور حول فكرة طرح بديل رئاسي من خارج مسرحية الانتخابات بصورتها الحالية الهزلية والتي حولتها إلى فيلم كارتون، ويكون هذا البديل منتخبا مما أسماه الائتلاف "الجمعية العمومية للشعب المصري" وهي مكونة من كل نواب البرلمان السابقين والحاليين المعارضين وقادة الاحتجاجات والحركات السياسية ومجموعة كبيرة من المثقفين وقادة الرأي العام والقضاة الشرفاء من تيار الاستقلال والنشطاء السياسيين الشباب والمدونين كل هؤلاء يختارون شخصا يمثل (البديل الرئاسي) المطروح ومعه مجموعة تشكل مجلس دولة "تقبل" خوض المعركة ومستعدة لتحمل النتائج والتضحية من أجل الوطن .. وتعمل تلك الجمعية على تسويق الشخص أو مجموعة القيادة تلك بين الشعب المصري عن طريق جمع توكيلات لهم على غرار توكيلات "ثورة" 1919 .. وعقد مؤتمرات شعبية في كل قرى مصر لتعريف الناس بهم.

وانتشرت في الآونة الأخيرة حمى تأيدية لأشخاص بعينهم معظمهم أو كلهم لهم تقدير خاص عندي وعند عامة الشعب المصري ومعظمهم أو كلهم أيضا لن يتمكنوا وفقا للظروف الحالية من الترشح نظرا للتعديل الدستوري المفصل على مقاس الوريث .. وبالتالي من الأجدى للوقت والجهد العمل خارج الإطار والملعب الذي رسمه لنا النظام عن طريق العصيان المدني ولا نبقى متشبثين بأمل أن يمن علينا النظام بانتخابات بها شبهة الانتخابات أصلا! .. لذلك نطرح فكرة البديل الرئاسي الذي تحدث عنه ائتلاف التغيير وهو يتيح لنا خوض معركة سياسية وشعبية ضد هذا النظام من غير أن يكون محددا لنا سلفا أرض المعركة وعلى ملعب النظام ووسط جماهيره بل أن يكون الحكم في هذه المباراة هو النظام أيضا!!

الاثنين، 2 نوفمبر 2009

الأمور البديهية في العملية الانتخابية!


الأمور البديهية في العملية الانتخابية!


كلما فتحت جريدة مستقلة أو حزبية تنهال على رأسي الكثير من الترشيحات الرئاسية لانتخابات عام 2011م القادمة .. تارة عمرو موسى يبقي الباب مواربا .. محمد البرادعي لا ينفي ترشحه للرئاسة .. أيمن نور يزور الغردقة عائدا من الأقصر .. استطلاعات للرأي كل يومين تؤكد تفوق فلان على علان .. إنها لعبة الديمقراطية التي كذبناها وصدقناها، يذكرني هذا المشهد العبثي بعادل إمام في مسرحية شاهد مشفش حاجة حينما دفع فاتورة التليفون خوفا ليشيلوا العدة بينما يكرر ساخرا عبارة "مع إني معنديش تليفون!!" .. وهل نحن لدينا انتخابات يا أساتذة لننشغل بمن سيترشح ومن سيتكرم ويفكر ومن يبقي الباب مواربا بينما يتم تصعيد جمال مبارك على رقاب كل هؤلاء الذين ربما بحسن نية يلعبون دور الكومبارس في فيلم التوريث!

أعلم أن المرحلة التاريخية التي تمر بها المنكوبة والمنهوبة والمتبهدلة يا ولداه مصر المحروسة سابقا هي مرحلة خطيرة وحساسة .. فهي المرحلة التي سيتحدد فيها مستقبل مصر في الربع قرن القادم وربنا يستر ولا يكون كالربع قرن الماضي! .. ولكن لابد أن نعي جيدا أن أي انتخابات في ظل الظروف السياسية الموجودة الآن هي خدمة مباشرة للنظام والحزب الوطني والوريث المنتظر جمال مبارك، لدينا في مصر نظام حزبي يمثل "بدعة" عجيبة في التاريخ الانساني كله فأنت إذا فكرت أن تؤسس حزبا فعليك أن تجمع ألف توكيل وتعد برنامجا وتذهب به إلى ما يطلق عليها لجنة شؤون الأحزاب والتي يرأسها بالطبع أمين عام الحزب الوطني صفوت الشريف لتقول كلمتها فإما أن توافق "أي يوافق الحزب الوطني عليك لتعارضه" .. أو ترفض في جملة شهيرة أن برنامج الحزب غير متميز .. ما هو من الطبيعي أن تراه غير متميز يا سيد صفوت وإلا لكنت استقلت من حزبك وانضممت إلى الحزب المتميز الجديد كيف بالله عليكم أن نسمي ما هو موجود الآن نظام حزبي يمكن أن يفرز قيادات تنافس في الانتخابات الرئاسية والتشريعية .. إنها أحزاب بالتكليف الرسمي ولا أريد أن أن أذكر واقعة طربوش حزب الأمة الشهيرة لصاحبها أحمد الصباحي!
ولدينا في مصر قانون وحالة طوارئ تعطي صلاحيات مهولة لجهاز الأمن فيصبح هو المسيطر على العملية الانتخابية من أولها لآخرها خاصة بعد غلق آخر مصباح وهو الإشراف القضائي على الانتخابات لينتهي آخر بصيص من نزاهة في العملية الانتخابية وكانت العينة بينة في انتخابات المحليات والتجديد النصفي لمجلس الشورى حيث كانت النتيجة هي لم ينجح أحد إلا إذا كان عضوا في الحزب الوطني أو (مظبط معاه)! .. وجماعة الإخوان المسلمين التي حصلت على خمس مقاعد مجلس الشعب فجأة اختفت فلم تفز بأي مقعد في انتخابات الشورى التي تم إجرائها بعد إلغاء الإشراف القضائي!

وإذا أردنا أن نوجد انتخابات حقيقية ليست ديكورية من نوعية اضحك الصورة تطلع حلوة فلابد أن يوجد مجتمع سياسي يفرز قادته بصورة تلقائية أي يوجد حرية لتكوين الأحزاب بمجرد الاخطار وإلغاء ما تسمى لجنة شؤون "تخريب " الأحزاب تلك .. يجب أن توجد حرية لإصدار الصحف وأرجو ألا يقول لي أحد أن هناك حرية صحافة في مصر الموجود الآن هو من حقك أن تتكلم ومن حقي أن استخدم قوانين الحبس في قضايا النشر وأرجو تذكر ما حدث للأساتذة إبراهيم عيسى وعبدالحليم قنديل وعادل حمودة ومجدي حسين ووائل الإبراشي من ملاحقات قضائية بسبب كتاباتهم المعارضة للنظام الفاسد المستبد بل وصل الأمر إلى الاختطاف والتعدي بالضرب والابعاد من الكتابة في مصر كما حدث مع عبدالحليم قنديل والمحاكمة العسكرية وغلق جريدة الشعب مع مجدي حسين!

وإذا أردنا أن نوجد انتخابات حقيقية يجب أن تتخلص مصر من تلك القوانين سيئة السمعة مثل قانون الطوارئ والافراج الفوري على كل المعتقلين السياسيين المقدرين بالآلاف .. يجب أيضا وجود رقابة دولية وقضائية تضمن حيادية العملية الانتخابية من أول فتح باب الترشيح وحتى إعلان النتائج .. وقبل كل ذلك يجب تعديل الدستور ليتيح حرية الترشح دون القيود التي تجعل أمر قبول الترشح مرتهنا بأن يكون اسم المرشح جمال محمد حسني مبارك!
هذه الضمانات والشروط هي خلاصة المشاروات التي استمرت شهورا بين مختلف القوى الوطنية والنخبة السياسية في ائتلاف المصريين من أجل التغيير وما عبر عنه في الوثيقة التي أعدها الإتلاف والتي تقوم على فكرة أن إذا ما لم تتحقق هذه الشروط والضمانات البديهية في الانتخابات يصبح دخولها سواء تشريعية أو رئاسية أمرا مرفوضا وتبدي فكرة المقاطعة .. تظهر في نفس الإطار أصواتا لا أفهمها تقول بأن هذه الشروط رائعة ولكن نرفض المقاطعة ولا أعلم كيف تقول أنك تريد تعديل النظام الانتخابي وتطالب بذلك وحين لا يحدث التعديل تقبل بالنظام القديم وكأن شيئا لم يكن فلماذا المطالبة بتعديله إذن إذا كنت ستوافق عليه كما هو في النهاية وتدخل الانتخابات بغض النظر عن التعديل من عدمه .. صبرنا يا رب!!
قد يقول البعض أن فكرة المقاطعة ما لم تتوفر الضمانات والشروط السابقة هي فكرة للهروب من المواجهة الحتمية بين قوى المعارضة الجذرية والنظام في تلك المرحلة التاريخية، وهذا أمر غير صحيح بالمرة فتيار المعارضة الجذرية والذي أسست له وقادته حركة كفاية وامتدادها الطبيعي المتمثل في ائتلاف المصريين من أجل التغيير ليس من دعاة الجلوس في البيت ومشاهدة قنوات الأخبار ثم التحول إلى لعب دور رد الفعل ولكن هو التيار صاحب المبادرة دائما .. فما هو دوره في هذه المرحلة التاريخية إذا لم تتحقق الشروط والضمانات وقرر مقاطعة الانتخابات؟! .. سيكون هذا هو محور الحديث الأسبوع القادم.
وللحديث بقية