الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

التطور "المبارك" للأمن القومي!


التطور "المبارك" للأمن القومي!


كنت لا أؤمن بالنظرية "التقليدية" للتطور، فلم أكن أتصورإطلاقا أن مخلوق له صفات معينة وشكل معين يمكن بعد فترة زمنية أن يتحول إلى مخلوق آخر تماما بصفات جديدة وشكل جديد، لكني تعلمت من العصر "المبارك" أن كل شئ يمكن أن يتطور حتى نظرية التطور ذاتها!، فنظرية التطور "المبارك" قدمت تغييرا جذريا لمفهوم الأمن القومي وصدق اللي قال (العلم نورن!!).
كنت أعلم يقينا أن أكبر تهديد للأمن القومي المصري على وجه الخصوص والعربي عموما هو ما يطلق عليه دولة إسرائيل القابعة على حدودنا الشرقية، فإسرائيل لا تلتزم بأي اتفاقيات دولية وتعتبر نفسها فوق القانون، بل ما زالت تتمسك بأحلامها التوسعية فالعلم الإسرائيلي حتى الآن مكون من شريطين باللون الأزرق الفاتح وبينهما نجمة داود وهو عبارة عن رمز أن إسرائيل الكبرى هي من النيل إلى الفرات كما يريدها الصهاينة، كما أن إسرائيل تمتلك سلاحا نوويا باعتراف شيمون بيريز نفسه ولم توقع على اتفاقية حظر الأسلحة النووية بينما وقعنا نحن عليها، كل هذه المعطيات تأخذنا إلى نتيجة واحدة هي أن إسرائيل تمثل الخطر الأكبر علينا.
لكن نظرية التطور "المبارك" عكس ذلك تماما، فالحدود المصرية مع إسرائيل (المفروض أنها عدوة) تمتد ل 210 كم يحميها سلك بسيط جدا متهتك في أكثر الأماكن وساقط على الأرض في أماكن أخرى بينما يقف جندي مصري واحد كل 500 متر ليصل عدد الجنود المصريين الذين يحمون حدودنا مع إسرائيل 410 فردا فقط ..
أما حدودنا مع غزة (المفروض أنها شقيقة) يصل طولها إلى 23 كم فقط .. وياللهول.. أسوار حجرية وأسلاك شائكة وكاميرات مراقبة عدد جنود أكثر من 410 الموجودون في 210 كم هي حدودنا مع إسرائيل محشورون في 23 كم فقط هي حدودنا مع غزة، أضف إلى ذلك جدارا فولاذيا يتم بناؤه تحته مجسات للكشف عن الأنفاق، ويتم التأكيد يوميا عبر وزير الخارجية "المبارك" أحمد أبو الغيط الذي احتضنت يده يد ليفني بحنان بالغ وهي نازلة السلالم يا مشا الله عليها أن كل ذلك يحدث لدواعي الأمن القومي!!
إسرائيل يذهب إليها الغاز المصري بسعر أقل من سعر تكلفته لتقوم الحكومة الإسرائيلية بتخفيض أسعار الكهرباء على مواطنيها لأن النظام في مصر يدعم المواطن الإسرائيلي .. وغزة تحاصر من الجانبين بالعدل الإسرائيلي من معبر كرم أبو سالم والمصري من معبر رفح الذي تدخل المعونات منه بالتقطير لا تسد جوعا ولا تشفي غليلا، ويمنع النظام المصري قوافل المساعدات الطبية والغذائية ليتضح مدى التعاون "الوثيق" بين النظام في مصر وحلفاؤه في إسرائيل!
تظرية التطور "المبارك" للأمن القومي هي: (النظرية التي ظهرت في عصر الانحطاط "المبارك" والتي جعلت من إسرائيل حليفا استراتيجيا ومن غزة وكل من يعادي إسرائيل خطرا على الأمن القومي)!!

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2009

يقتل القتيل ويقول مماتش!!





يقتل القتيل ويقول مماتش!!

أحيانا – وهذا أمر يتعبني كثيرا – أفكر بطريقة تجعلني "استغرب" من المتناقضات التي يعيشها المصري المسكين وتعوّد عليها فأصبحت أمرا مألوفا وطبيعيا!!
لذلك دفعتني زيارة الرئيس مبارك يوم الأحد (20 ديسمبر 2009) لدار القضاء العالي إلى "الاستغراب" من حديثه عن (استقلال القضاء) حيث قال بالحرف الواحد "إن استقلال القضاء ليس منحة من أحد، إنما ركيزة أساسية من ركائز الدستور والمجتمع"!! ..، فالمثير للدهشة هنا أن نظام الرئيس مبارك هو ذاته من حارب استقلال القضاء بكل ما أوتى من قوة واعتبر معركته ضد تيار الاستقلال من القضاة الشرفاء معركة أكون أو لا أكون!!
والدستور المصري نفسه في موضوع استقلال القضاء متناقض وبشدة حيث تنص المادة 166 منه على "القضاة مستقلون، ولا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو في شئون العدالة"، وهذا كلام رائع ولكن المادة 173 من نفس الدستور "برضه" تقول : "تقوم كل هيئة قضائية على شئونها، ويشكل مجلس يضم رؤساء الهيئات القضائية يرأسه رئيس الجمهورية، ..." بينما المادة 137 من نفس الدستور تقول :"يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية، ويمارسها على الوجه المبين في الدستور"، والثلاث مواد يعنون ببساطة أن رئيس الجمهورية الذي يتولى "السلطة التنفيذية" يرأس المجلس الذي يضم رؤساء الهيئات القضائية بينما كيف لا يشكل هذا الأمر تناقضا مع المادة 166 التي تؤكد أنه لا "سلطة" تتدخل في شئون العدالة؟!
أما عن (القضاء) العسكري الذي يضرب فكرة استقلال القضاء في مقتل فحدث ولا حرج، فكيف لضابط يقع تحت تأثير الترهيب والترغيب وتربى وتعلم على إطاعة "أوامر" قاداته كما هي التقاليد العسكرية أن يجلس على منصة القضاء ويحاكم مدنيين في تهم سياسية وننتظر منه أن يصدر حكمه دون تأثير عليه!!، وخير دليل على هزلية المحاكمات العسكرية ما حدث مع الأستاذ مجدي أحمد حسين الذي حوكم أمام محكمة عسكرية لأنه قام بدوره كصحفي وآخر رئيس تحرير لجريدة الشعب "الممنوعة" فذهب إلى غزة ليسجل شهادته عن الحرب الإسرائيلية الشرسة ضدها وبعد عودته إلى مصر تم اعتقاله وتحويله إلى ما أطلق عليه (محكمة) عسكرية خلت من أي صلة بالقضاء أصلا حيث مُـنع محامو المتهم من لقائه والجلوس منفردين معه أو حتى الترافع أمام (المحكمة) التي انتدبت محاميا من عندها للترافع!، أما جلسة النطق بالحكم فلم يدخل أحد إلى (المحكمة) وإنما علمنا الحكم بالحبس سنتين بالتليفون بينما كنا واقفين أمام الباب ومعنا المحامون ممنوعون من الدخول!!
كما تضرب حالة الطوارئ الكابسة على أنفاسنا طيلة حكم الرئيس مبارك – الكابس على أنفاسنا أيضا- استقلال القضاء هي الأخرى الأخرى فكثيرا ما تصدر المحاكم الطبيعية أحكاما بالبراءة على شخص ما وتأتي وزارة الداخلية فتعتقله من على باب المحكمة بموجب سلطاتها اللانهائية في حالة الطوارئ!، والدولة نفسها لا تحترم أحكام القضاء ولا تنفذ الكثير منها كالأحكام الصادرة لصالح إجراء انتخابات في نقابة المهندسين المفروض عليها الحراسة منذ 14 عاما لكن الدولة عاملة ودن من طين وودن من عجين!!
واستقلال القضاء يشكل خطرا بالغا على الأنظمة الفاسدة فإذا استقل القضاء سيحاكم أباطرة الفساد من محتكرين وناهبي ثروة الشعب في صفقات البيع برخص التراب لمؤسسات القطاع العام والمتاجرين في ديون مصر بينما تزدهر أرصدة حساباتهم في سويسرا، إذا استقل القضاء لن يخضع بعض القضاة إلى التأثير ولا يصدرون أحكاما ضد السياسيين لأن فقط النظام يريد ذلك، إذا استقل القضاء ستحترم أحكام القضاء وتنفذ حتى لو كانت ضد أحد الوزراء أو الأكبر منه فالأصل أن الكل أمام القانون سواء .. لذلك يعتبر النظام معركته ضد استقلال القضاء معركة حياة أو موت بالنسبة له وما حدث في عام 2006م من صدام شديد بين النظام والقضاة الشرفاء المطالبين بالاستقلال وصل إلى اعتداء أمن الدولة بالضرب والسحل والسب والقذف على القاضي محمود حمزة يدل على ما أقول..
أما أن تجد بعد ذلك الرئيس مبارك يتحدث أن القضاء في مصر مستقل فهو كتغيير المثل الشعبي "يقتل القتيل ويمشي في جنازته" (فالقاتل) حين يمشي في الجنازة يعترف بموت القتيل ولكن ما يحدث أنه أصبح يقتل القتيل ويقول مماتش!!

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

كفاية..!





كفاية..!

في 12/12/2004م كانت الصرخة الأولى لحركة كفاية في مظاهرة أمام دار القضاء العالي ضد التمديد والتوريث "معا" مدشنة بذلك لغة جديدة في المعارضة كانت كفاية "ولازالت" رائدة فيها، وهي اللغة التي أعلنت بوضوح أن كل ما تمر به البلاد من فساد واستبداد وقهر وتخلف وتعذيب وفشل في التعليم والصحة وتراجع سياسي في دور مصر وتبعية كاملة لأمريكا ومدللتها إسرائيل يتحمله رأس النظام شخصيا الرئيس مبارك، فبعد أن كانت المعارضة وعلى مدار أكثر من ربع قرن وقتها مبنية على "مطالبة" و"رجاء" الرئيس بإصلاحات سواء دستورية أو اقتصادية واعتباره فوق المساءلة يعامل وكأنه المنزه عن الخطأ والمعصوم من الزلل المنهي عن العيب فيه والواجب تقديسه وإرجاع كل الأمور إليه مبارك رضي الله عنه وأرضاه!!
لقد كانت لتلك النقلة الكبيرة التي تسببت فيها حركة كفاية عظيم الأثر على الحياة السياسية في مصرعموما، فهي تمردت على الأشكال السياسية التقليدية التي تكتسب شرعيتها من النظام الذي "يفترض" عليها أن تعارضه كالأحزاب الرسمية مثلا ولجنتها الشهيرة ورئيسها أمين عام الحزب الوطني الحاكم صفوت الشريف بعد تحول تلك الأحزاب إلى مقرات مهجورة إلا من "ندوة" هنا أو اجتماع هناك في حالة ما تشبه "القطيعة" مع الشارع بينما أخذت أرجل معظم قادتها على زيارة "لاظوغلي" لعقد الصفقات من تحت الطاولة عن مقعد في مجلس الشورى أو مقال في جريدة الأهرام الرسمية!!
راهنت حركة كفاية على الشارع ولم تراهن على المقرات المغلقة .. راهنت حركة كفاية على نقد الرئيس ورفضه لا استعطافه ورجائه .. نتيجة لحالة الحراك السياسي في الشارع المصري ومظاهرات كفاية ضد الرئيس وعائلته انتقلت تلك الروح إلى الاحتجاجات العمالية والفئوية التي انتشرت في مصر بصورة غير مسبوقة حتى أنك الآن لا تستطيع أن تفتح جريدة مستقلة إلا ووجدت اعتصاما أو إضرابا أو مظاهرة، لقد تعلم المصريون أن المقاومة السلمية والاحتجاج هو الوسيلة "الوحيدة" لحل مشاكلهم وزادت الخصومة بين كل فئات الشعب والنظام من أساتذة الجامعات ومظاهراتهم الطالبة باستقلال الجامعة وخروج الأمن منها إلى العمال الرافضين لمشروعات الخصخصة غير المدروسة والتي شابها فساد بيـّن إلى الصيادلة إلى الأطباء إلى المهندسين ونقابتهم المفروض عليها الحراسة منذ 14 عاما وحتى سائقي الميكربوصات والتوك توك والعربات الكارو!!
وفي 12/12/2009 وبعد 5 سنوات من تلك الصرخة الأولى كانت كفاية تجدد العهد برفضها للتمديد والتوريث "معا" بوقفة احتجاجية في نفس المكان، وتؤكد أنها مازالت الأقوى والأجدر لقيادة حالة الرفض والغضب المصري من حكم الرئيس وعائلته .. ففي الوقت الذي بدأت تظهر فيه محاولات اصلاحية تدعو للنزول إلى انتخابات يديرها النظام ويتحكم في نتيجتها مسبقا، وفي الوقت الذي بدأت تظهر دعوات ترجعنا للخلف بإعلانها أنها (ضد التوريث) دون ذكر التمديد وهو أمر يدعو للسخرية والتعجب فلو لم يكن هناك تمديد لما كان هناك حديث عن توريث فنحن نعارض مبارك الأب ومبارك الابن أفلا تعقلون!!، عادت كفاية لتؤكد الموقف الصحيح وهو أن المعارضة المصرية يجب أن ترفع شعار لا للتمديد ولا للتوريث كاملا..لا نصفه فقط فالحديث عن التوريث دون التمديد كذكرنا الآية الكريمة (وويل للمصلين) دون استكمالها (الذين هم عن صلاتهم ساهون)!!
في 12/12/2004 كانت كفاية ضد التمديد والتوريث .. وفي 12/12/2009 كفاية ضد التمديد والتوريث وتحمل معها برنامجا للتغيير الذي سبق أن تحدثنا عنه في مقال (عن البديل الرئاسي أتحدث) وهو البرنامج القائم على معارضة مبارك الأب والابن من خارج الملعب المرسوم لنا مسبقا لمعارضته فيه .. لا انتخابات رسمية ولكن بديل شعبي يجمع له توكيلات .. لا برلمان رسمي ولكن برلمان شعبي مكون من كل أعضاء البرلمان السابقين والحاليين المعارضين وأساتذة من الجامعات والمثقفين والأدباء والفنانيين وقادة الاحتجاجات الاجتماعية والمدونين يختارون جميعا البديل الشعبي السابق ذكره ويجمع له التوكيلات من كافة أنحاء البلاد..الشعب يرفض حكم العائلة .. يرفض أن تتحول مصر إلى عزبة يوصي بها الأب لابنه، فالشعب يقول بصدق لمبارك وعائلته وأمن دولته وأمنه المركزي "كفاية .. كفاية .. كل ظالم له نهاية"!!