الثلاثاء، 12 يناير 2010

جمال مبارك والجدار الفولاذي!

جمال مبارك والجدار الفولاذي!

"مصر أهم بلد في الدنيا" .. عبارة قالها نابليون بونابرت ليثبت التاريخ بحوادثه المتلاحقة بعد ذلك صدقها وعمق مغزاها، فمستقبل مصر أمر مؤثر في صياغة مواقف وتوازنات القوى بالمنطقة وقد يمتد تأثيره ليشمل العالم بأسره!

(1)
في عام 1979م وقعت مصر اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية (كامب ديفيد) وبعد أكثر من ربع قرن من توقيعها سمعنا "أنكر الأصوات" التي تتحدث عن الأمن القومي المصري المهدد من الفلسطينيين بينما ترى تلك الأصوات العلاقة مع أمريكا وإسرائيل علاقة تحالف استراتيجي ولا أتعجب من ذلك لأن "أنكر الأصوات" لصوت الحمير!!
منذ سقوط مصر "الرسمية" في مستنقع التطبيع أصبحت تقوم بأدوار تهدف إلى حفظ المصالح الأمريكية في المنطقة عن طريق تحقيق الأمن القومي الإسرائيلي!، اتضح ذلك جليا عند اجتياح إسرائيل لأول عاصمة عربية منذ عام 1948م وكان ذلك في عام 1982م حين اجتاحت إسرائيل بيروت، في ذلك الوقت كان الرئيس مبارك قد تسلم للتو "الكرسي الجديد" وقد أدرك أن غضب أمريكا عليه يمثل خطورة على أركان "الكرسي الجديد" وبالتالي التزم الصمت على وحشية إسرائيل والمذابح التي ارتكبتها في لبنان وأدت إلى استشهاد 20 ألف إنسان والآلاف من الجرحى، كان واضحا أن خروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي أضعف الجانب الفلسطيني الذي انتهى به الحال مطرودا من لبنان لتستقر منظمة التحرير الفلسطينية وقائدها ياسر عرفات في تونس.
وفي أوائل التسعينات كان الرئيس مبارك في وضع التدخل الإيجابي هذه المرة لمصلحة الأجندة الأمريكية بالمنطقة، فلم يعد يكفي السكوت على تجاوزات إسرائيل وفقط، كان المطلوب مشاركة مصر جنبا إلى جنب مع القوات الأمريكية الحرب ضد العراق فيما سمي حرب تحرير الكويت لتعطي هذه الحرب انطباعا أكثر وضوحا أن مصر "الرسمية" أصبحت أداة في يد أمريكا لتنفيذ ما تراه من أجندة بالمنطقة، وهو ما تجلى بصورة بالغة الوضوح في حرب احتلال العراق عام 2003 حيث سمح مبارك بعبور الطائرات والبوارج الأمريكية عبر المجال الجوي المصري وقناة السويس، فمصر ذات الدور عميق الأثر في التاريخ والموقع الاستراتيجي في الجغرافيا حولها نظام مبارك إلى أداة في يد الاستعمار الأمريكي الجديد، ويشير تقرير الكونجرس لعام 2006 حول المعونة الأمريكية لمصر بتوصية لعدم تخفيض المعونة كثيرا لأن مبارك – كما يقول التقرير- (يخدم) أمريكا بأكثر مما يخدمها أي رجل آخر وأنه سمح بعبور طائرات أمريكية حربية ذاهبة إلى العراق وأفغانستان وسمح ب 36553 طلعة جوية عبر الأراضي المصرية بين عامي 2001م و 2005م، كما سمح ل 861 سفينة حربية أمريكية (بعضها ذري) بعبور قناة السويس!!
خلاصة الكلام أن رئيس كمبارك في حكم بلد مثل مصر بالنسبة لأمريكا وإسرائيل وبكل هذه التنازلات هو رئيس لقطة ولا يجب التفريط فيه بالمرة!!

(2)
أما على الجبهة الداخلية، ففي كل يوم يمر على مبارك وهو جالس على كرسي الحكم – وعلى أنفاسنا أيضا – يخسر فيه فئة جديدة تعارضه بسبب مطالبها التي لم تتحقق، وفي السنوات الأخيرة خسر النظام تقريبا كل المجتمع المصري بكل طبقاته فمن أساتذة الجامعات إلى الأطباء والمهندسين والصيادلة والعمال بمختلف تخصصاتهم وحتى سائقي المقطورات والعربات الكارو والتوك توك يتظاهرون ويضربون لمشاكل خاصة بهم لم ولن يعد في مقدرة النظام حلها، هذا الأمر أفقد النظام أي قاعدة شعبية يمكن أن يرتكن إليها صاحب تلك الاحتجاجات تصاعد أسهم بعض الشخصيات كمرشحين شعبيين للرئاسة وكل يوم يمر يفقد مبارك وعائلته وأمن دولته وأمنه المركزي تأييدا شعبيا ويكتسب هؤلاء المرشحون تأييدا أكثر، أضف إلى ذلك إعلاما يعطي الكثير من المساحات لحوارات مع تلك الشخصيات وشباب متحمس للتغيير يريد أي أمل له، فتنشأ الجروبات على الفيس بوك تأييدا لفلان أو ترشيحا لعلان وكذلك .. وأمريكا قد لا يكون لديها تنسيق مباشر مع تلك الشخصيات المتصاعدة شعبيتها لكنها بلا شك تستغل تلك الشعبية للضغط على النظام – المتهاوي والمتضائل في شعبيته – ليقدم تنازلات أكثر وأكثرأمام المصالح الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة.
وما حدث قبل انتخابات الرئاسة في 2005م من تنازلات كان نتيجة للضغوط الأمريكية ولشعور النظام أن شعبه لم يعد يقبله بالمرة، ففي تلك الفترة أفرج الرئيس مبارك عن الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام الذي كان محتجزا في السجون المصرية وسلمه إلى إسرائيل – وفوقيه بوسه - ، وقام النظام بالموافقة على تصدير الغاز إلى إسرائيل بسعر أقل من سعر تكلفته، ووافق على اتفاقية الكويز التي تؤدي إلى التطبيع التجاري مع إسرائيل.
(3)
أما قبل استحقاق 2011 الرئاسي فقد بدى النظام أكثر ضعفا من ذي قبل فقام في بداية عام 2009م بحبس الأستاذ مجدي أحمد حسين والشابين أحمد دومة وأحمد كمال بعد محاكمة "عسكرية" بتهمة التسلل من غزة إلى سيناء!!، في الوقت الذي تسلل شابين إسرائليين في نهاية عام 2009م إلى سيناء "أيضا" فقام بتسليمهما إلى إسرائيل بعد التحقيق معهما فقط!! .. كان حبس الأستاذ مجدي حسين والشابين أحمد دومة وأحمد كمال برهان لأمريكا أن الرئيس مبارك لن يتهاون أبدا عن كل من تسول له نفسه في كسر حصار غزة أو التجرأ على إسرائيل!!
ثم كان حكم المحكمة بمنع مولد أبو حصيرة اليهودي، لكن بعد زيارة بنيامين نتنياهو إلى شرم الشيخ ولقاؤه الرئيس مبارك أصدر مبارك قرارا جمهوريا بإقامة المولد وسمح للصهاينة بالدخول معززين مكرمين للاحتفال به وسط حراسة أمنية مشددة!، أما قوافل الإغاثة سواء كانت مصرية أو حتى من جنسيات أخرى كقافلة شريان الحياة التي قادها النائب البريطاني جورج جالوي فقد تعرضت لاعتداءات ومضايقات وتشهير إعلامي بها وبالقائمين عليها ليمثل الأمر فضيحة دولية لنظام فقد حتى برقع الحياء وأصبح يقدم نفسه علانية بأنه يفعل ما يؤمر به من أمريكا وإسرائيل!
كل تلك التنازلات يقدمها الرئيس مبارك قبل انتخابات 2011م والتي من المتوقع أن تكون بوابة نجله جمال مبارك لوراثة "كرسي" أبيه!، وإذا كانت كل تلك التنازلات ليست كافية من وجهة نظر أمريكا فإنها ستمارس – وهو المتوقع- المزيد من الضغوط عبر تلميع أو استغلال بريق بعض الشخصيات المرشحة شعبيا للرئاسة، فكان من الطبيعي أن يبني الرئيس مبارك جدارا فولاذيا مع غزة ليمنع آخر رئة للشعب المحاصر الصامد في القطاع.
كما أتوقع المزيد من التنازلات في الفترة القادمة فالنظام أصبح يغير مفهوم الأمن القومي إلى معادلة جديدة وهي أن غزة تمثل خطرا على الأمن القومي لذلك يبني جدارا فولاذيا معها ويشارك في حصارها بينما يسمح للصهاينة بالدخول للاحتفال بمولد أبو حصيرة ولا يقيم أي جدر معهم ويستقبل رئيس وزرائهم عمال على بطال في شرم الشيخ!!
(4)
ومع اقتراب الموعد الفاصل في تاريخ عملية التوريث في 2011م – وانتوا عارفين الضنا غالي – من المتوقع أن يقدم الرئيس مبارك من أجل عيون ابنه جمال المزيد والمزيد من التنازلات، أتوقع أن يتم تضييق الخناق أكثر وأكثر على شعب غزة للضغط عليهم لقبول الاعتراف بإسرائيل وتحقيق تسوية متنازل فيها عن حق العودة وكامل التراب الفلسطيني والقبول بحدود 1967م ونبذ المقاومة، وأن يكون الحصار من الجانب المصري أكثر خنقا من ذي قبل فالجدار الفولاذي يسد آخر منفذ لهم، كما بدأت البشائر بتصريح أحمد أبو الغيط وزير الخارجية – صاحب اليد الحنونة على ليفني – بأن مصر لن تسمح بدخول أية قوافل إغاثية مجددا وأنها ستدخل المعونات عبر الهلال الأحمر المصري فقط وإبلاغ جورج جالوي بأنه شخص غير مرغوب فيه على الأراضي المصرية ولن يسمح له بدخولها مرة أخرى!!
وإذا لم يستجب شعب غزة الصامد لكل تلك الجرائم في حق الإنسانية من تجويع وحصار وسد للمنافذ أتوقع ضربة عسكرية تهدف إلى التصفية من إسرائيل للشعب المنهك بشدة تحت الحصار وبالطبع سيصمت النظام المصري كما حدث من قبل وربما يفتي شيوخ السلطة بحرمانية مساعدة أهل غزة بحجة أن فقراء مصر أولى على قاعدة اللي يحتاجه البيت يحرم على الجامع!!
سقف التنازلات الذي اتوقعه غير محدود فالرئيس مبارك الثمانيني العمر لم يعد لديه خيار إلا توريث السلطة لجمال مبارك ومن أجل ذلك سيفعل كل ما يطلب منه، قد يمتد الأمر – ولست متحاملا أو خياليا – إلى تصدير مياه النيل نفسها إلى إسرائيل من أجل تمرير مشروع التوريث!!
المشكلة الحقيقية في كل ذلك هي يا شعب مصر ماذا نحن فاعلون؟!!

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.